واشنطن: السلطات تحاول انتزاع ثقة الجالية الإسلامية في اختبار التحقيقات الإرهابية

قضية «زازي» المتهم بالتآمر لتفجير أسلحة دمار شامل عقّدت العلاقات بين الـ«إف بي آي» والجالية المسلمة

TT

كان على المحققين الذين يعملون على كشف مؤامرات الإرهابيين لعدة سنوات أن يوازنوا بدقة بين مراقبة المجتمع المسلم، وإثارة عداء الأشخاص، الذين يمكن أن يوجهوا لهم تحذيرات مبكرة.

وقد خضع ذلك التوازن الدقيق للاختبار مرة أخرى فيما تصفه سلطات تعزيز القانون، بأنه واحد من أكثر التحقيقات الإرهابية إزعاجا خلال عقود، وذلك فيما يتعلق بقضية نجيب الله زازي سائق أتوبيس دنفر، الذي وجهت له تهمة التآمر لتفجير أسلحة دمار شامل على شكل قنابل هيدروجين بروكسيد.

وكان أحد رجال مكتب كوينز بنيويورك، الذي يتمتع بنفوذ واسع بين أبناء الجالية الإسلامية التي ينتمي إليها ـ وأحد مصادر قسم شرطة مدينة نيويورك ـ قد حذر قوات الشرطة من زازي في بداية الشهر الجاري. وهو ما أدى إلى تعقيد التحقيق المستمر فيما يصفه المحققون بعملاء القاعدة على الأرض الأميركية، وأفضى إلى توجيه تهم جنائية إلى رجل مكتب نيويورك.

يذكر أن التوتر كان قد تصاعد بين رجال المباحث الفيدرالية الأميركية، وقوات الشرطة المحلية، وبعض أعضاء الجالية الإسلامية عدة مرات منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية في عام 2001. وقد هددت بعض الجمعيات الخيرية الإسلامية والجمعيات الحقوقية في بداية العام بقطع العلاقات مع المباحث الفيدرالية، وسط مخاوف من اختراق المحققين للمساجد في كاليفورنيا وغيرها.

من جهة أخرى، يقول مسؤولون بالمباحث الفيدرالية، إنهم حاولوا تعزيز الروابط مع المسلمين من خلال المجالس الاستشارية، واللقاءات الدائمة مع الجالية المسلمة وغيرها من وسائل الاتصال؛ حيث إن بناء مثل تلك العلاقات هو أمر حيوي نظرا لأن المحققين ـ الذين يفتقرون في الأغلب للمهارات اللغوية، والفهم العميق لمجتمعات المهاجرين ـ يجب عليهم الاعتماد على المخبرين لمساعدتهم وإرشادهم عبر متاهة القضايا الثقافية للجاليات.

من جهته، يقول جاك كلونان، العميل الخاص المتقاعد من مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي كان يعمل داخل الجالية الأفغانية في «كوينز» من أواخر الثمانينات وحتى 2002: «وظيفتك هي أن تعرف كل شيء يحدث بداخل ذلك المسجد ـ كل شيء. ماذا يحدث داخل تلك الجالية؟ فهل أعرف ما الذي يحدث بداخل ذلك المسجد؟ هل أعرف من الذي دخل؟ هل أعرف ما الذي يحدث على مستوى النشاط الإجرامي؟ من الذي يمكنه أن يعرف ذلك؟» وفقا للمعلومات المتوافرة، فإن ذلك النوع من التفكير هو ما دفع قوات الشرطة للاتصال بأحمد ويس أفزالي، 37 عاما، عميل مكتب كوينز بنيويورك، الذي كان قد ساعد العملاء قبل ذلك وطلبوا منه «أن يجمع كل المعلومات التي يستطيع الوصول لها» حول زازي ـ «من هو، وأين هو، وما الذي يفعله»، وذلك وفقا لرونالد كوبي محامي أفزالي. وأضاف كوبي أنهم لم يخبروا أفزالي عن سبب سعيهم وراء ذلك الشاب.

وقد استخدم أفزالي، الذي كان يصلي مع زازي في عدة مساجد لسنوات طويلة، شبكة اتصالاته لكي يحصل على هاتف زازي، ثم اتصل به وأخبره أن الشرطة تسعى وراءه، وفقا لكوبي.

ويخطب أفزالي ـ الذي أنكر أنه ارتكب أي إثم ـ في المساجد، بالإضافة إلى أنه يدير جمعية الدفن الجنائزي الإسلامية، وهي إحدى هيئات الدفن التابعة لمكتب كوينز. وكانت البطاقة التي تحمل بيانات أفزالي الشخصية موجودة في جميع لوحات المساجد الأفغانية، بالإضافة إلى أنه كان يستطيع دخول منازل الأفغان، ولديه صلات مقربة مع قطاع واسع من المهاجرين الأفغان.

يقول أحد الطهاة، 31 عاما، الذي لم يخبرنا سوى باسمه الأول «نابي»، والذي قام أفزالي بدفن أبيه خلال العام الماضي: «إذا مات أحد في عائلتنا، فإنه الشخص الوحيد الذي نثق به».

ويقول أحد الرجال، الذين يعملون لصالح مكتب كوينز، الذي رفض الإفصاح عن هويته: «إن الناس خائفون. فهم خائفون من أنهم إذا تعاونوا مع الشرطة سوف يتعرضون للأذى وإذا لم يتعاونوا مع رجال الشرطة سوف يتعرضون للأذى كذلك».

وقد تعالت مخاوف المهتمين بالحقوق المدنية مرة أخرى، بعدما أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي دليله الإرشادي للعمليات والتحقيقات المحلية في 25 سبتمبر (أيلول)، من خلال قضية رفعتها مؤسسة الجبهة الإلكترونية والحقوقيون المسلمون. ويمثل ذلك الدليل الإرشادي خارطة الطريق بالنسبة للعملاء الذين يديرون التحقيقات، لكن هناك بعض الأجزاء ذات الحساسية، التي تتعلق بمشاركة العملاء السريين كمخبرين في المساجد والكنائس تم حجبها من ذلك الدليل الإرشادي.

فيقول ناديرا الخليلي، المستشار القانوني بمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، في تصريح له بأن ذلك الدليل الإرشادي «سوف يؤدي إلى خرق للدستور، وانتهاك حق الأميركيين في ممارسة معتقداتهم الدينية من دون خوف من التطفل أو الإكراه».

وقد طالبت منظمة «كير» واتحاد الحقوق المدنية الأميركي، كلا من وزارة العدل والكونغرس بفحص التقارير الإرشادية، والتأكد من أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي يلتزمون بالقانون خلال ممارستهم لعملهم. لكن المدافعين عن التقرير قالوا إن تلك التقارير الإرشادية قد تم وضعها بعد استشارة المجموعات الدينية، ومجموعات الحقوق المدنية، وأنها كانت الموضوع الرئيسي لثلاث من جلسات الاستماع بالكونغرس. وقد أعرب المحامي العام إريك هولدر عن اهتمامه من خلال الزيارة التي قام بها لأحد المساجد، خلال رحلته إلى منطقة لوس أنجليس في يوليو (حزيران)، حيث أكد على رغبة الإدارة في التعاون مع الجالية الإسلامية وحماية الحقوق المدنية.

وذكر تصريح لوزارة العدل أن الوكالة «تعمل يوميا لكي تتأكد من أن التحقيقات تتم بطريقة تحمي الحقوق المدنية وخصوصية الأميركية. وكما قال المحامي العام قبل ذلك، فإننا سوف نراقب تنفيذ إرشادات مكتب التحقيقات الفيدرالي لكي نرصد كيف يعملون فعليا، وسوف نعاود زيارتهم إذا كانت هناك حاجة لإجراء بعض التعديلات أو وضع الضوابط».

وقد أكد المسؤولون بمكتب التحقيقات الفيدرالي كذلك على أن القواعد تقتضي: «عدم استهداف أي مجموعة على أساس العرق، أو الجنس، أو الدين، أو بسبب ممارستها لأي حق من الحقوق التي يكفلها لها الدستور».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»