مساعدو أوباما: الرئيس كان يتلقى تقارير يومية عن قضية زازي المشتبه به في مخطط تفجيري

البيت الأبيض حريص على إظهار نجاحه في محاربة الإرهاب مع المحافظة على الحريات المدنية

زازي بعد اعتقاله ونقله إلى نيويورك (رويترز)
TT

بينما كان من المقرر أن يكون الرئيس الأميركي أوباما قام بأول زيارة له أمس إلى «المركز الوطني لمكافحة الإرهاب» في مكليان ليبلغ مسؤولين استخباراتيين بأن نجاحاتهم الأخيرة أثبتت مدى الفاعلية التي يمكن أن يبلغها أداء الوكالات المتنوعة عندما تعمل على نحو متناغم, لوحظ أن البيت الأبيض عمد إلى اتباع نهج حريص في إطار محاولاته تجاوز سياسات مكافحة الإرهاب المميزة لحقبة بوش. في الوقت الذي يشن أوباما حربا في أفغانستان وصفها بأنها حيوية لكبح جماح الإرهاب، تحاول إدارته الدفاع عن نفسها ضد انتقادات نائب الرئيس السابق ريتشارد. تشيني وآخرين من أعضاء الحزب الجمهوري لتخليهم عن أدوات حيوية لحماية الولايات المتحدة. ويشير مساعدو أوباما إلى الأحداث المؤدية لإلقاء القبض أخيرا على نجيب الله زازي( المتهم بالتحضير لاعتداءات إرهابية) باعتبارها مثالا أساسيا على ما يصفونه بمشاركة عميقة من قبل الرئيس في جهود مكافحة الإرهاب. ففي أواخر أغسطس (آب)، بعد فترة قصيرة من شروع عملاء فيدراليين في تعقب تحركات إرهابي مشتبه فيه في كولورادو، أضاف مسؤولون رفيعو المستوى القضية إلى التقرير الاستخباراتي اليومي الموجز الذي يقدم إلى أوباما داخل المكتب البيضاوي.

لم يملك العملاء سوى معلومات مشتتة حول زازي خلال هذه الفترة، حسبما أوضح مسؤولو الإدارة. لكن سرعان ما أثارت هذه القضية فضول أوباما وأدت إلى ما وصفه مساعدوه بتركيز مكثف من جانب البيت الأبيض على القضية على امتداد ثلاثة أسابيع. جدير بالذكر أن المهاجر الأفغاني البالغ من العمر 24 عاما ألقي القبض عليه الشهر الماضي، بناء على اتهامه بالسعي لصنع قنابل داخل الأراضي الأميركية بعد مشاركته في معسكر تدريبي يتبع تنظيم القاعدة في باكستان. ويعتقد المحققون أن زازي كان يوشك على «دخول مرحلة التنفيذ» لمخطط تفجيري، حسبما صرح مسؤول بارز بالإدارة في عطلة نهاية الأسبوع. وربما جاء اختيار توقيت التصريح ليتزامن مع رحلة الرئيس لنيويورك لحضور جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة أو ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وقال المسؤولون إنه رغم اعتقادهم بأن إلقاء القبض على زازي قضى على الخطر، يبقى من المحتمل إجراء عمليات إلقاء قبض أخرى. وشدد مسؤول بارز بالإدارة على أنه «لم ننته من الأمر بعد». الملاحظ أن توجه أوباما حيال أكبر تهديد إرهابي يكشف عنه علانية خلال فترة رئاسته بات أكثر وضوحا. فخلال لقاءات أجريت معهم، أكد كبار المسؤولين المعاونين لأوباما على أن جهودهم اتبعت نهجا مغايرا لما كان عليه الحال في الإدارة السابقة، حيث أوضح البيت الأبيض أنه حرص على تجنب المبالغة في التناول العلني للتهديد القائم، مع رسم صورة لأوباما باعتباره مشاركا في مراقبة التطورات عن كثب. ومع تحرك زازي في مختلف أرجاء البلاد في ظل مراقبة وثيقة، عمد جون أو. برينان، كبير مستشاري أوباما في مجال مكافحة الإرهاب، على تقديم تقرير موجز إلى الرئيس ثلاثة أو أربعة مرات يوميا حول نشاطات زازي. يذكر أنه في أعقاب توليه الرئاسة بفترة قصيرة، تخلى أوباما عن مصطلح «الحرب العالمية ضد الإرهاب»، إضافة إلى بعض أكثر الأدوات المرتبطة به إثارة للجدل. ويصف مساعدوه جهوده المتأنية لتنفيذ سياسة أمنية خاصة به. تعرض أوباما لانتقادات لعدم تخليه عن بعض سياسات سلفه جورج بوش، مثل إجراءات التنصت دون إذن وتسليم الأسرى لدول أخرى، بينما واجه انتقادات لنبذه سياسات أخرى، مثل أساليب التحقيق المطورة والسجون السرية. في الوقت ذاته، تضغط إدارة أوباما على الكونغرس للتحرك بسرعة على صعيد إعادة إقرار ثلاثة بنود بـ«قانون باتريوت» من المقرر انتهاء سريانها في أواخر ديسمبر (كانون الأول). وتتضمن البنود استخدام «التنصت المتجول» لاقتفاء التحركات ومراقبة الاتصالات الهاتفية، الأداة التي استغلها المسؤولون الفيدراليون خلال الأسابيع السابقة للقبض على زازي. مع القبض على زازي، بجانب تنفيذ عدد من العمليات السرية الأخرى على الصعيدين الداخلي والخارجي، اكتسبت إدارة أوباما ثقة متزايدة إزاء تمكنها من تحقيق توازن بين حماية الحريات المدنية والالتزام بالقانون الدولي وحماية البلاد. في هذا السياق، أعرب مسؤول بارز بالإدارة عن اعتقاده بأن «قضية زازي تعد أول اختبار لهذه الإدارة وقدرتها على الكشف والتعامل بنجاح مع هذا النمط من التهديدات داخل الولايات المتحدة. وأظهرت أننا نجحنا في تحييد الخطر، والكشف عن عمقه، اعتمادا على الصلاحيات القانونية المتوافرة، وبناء على النظام بالصورة التي يعمل بها حاليا». إلى جانب مراقبة زازي ـ الذي دفع ببراءته الأسبوع الماضي أمام محكمة ضاحية في بروكلين من اتهامات التآمر لاستخدام أسلحة دمار شامل تلقى أوباما تقارير موجزة على نحو متكرر حول عمليات يجري تنفيذها بالخارج للقضاء على زعماء «القاعدة»، خاصة في الصومال وإندونيسيا.

إلا أنه على الصعيد الداخلي، هيمنت قضية زازي على اهتمام الرئيس بعدما نمت إلى علمه في أغسطس (آب)، حسبما قال مساعدوه. يوميا في حوالي التاسعة صباحا، حرص أوباما على عقد اجتماع مع مجموعة تتضمن بوجه عام برينان، ومستشار الأمن القومي، جيمس إل. جونز، ورئيس فريق العمل بالبيت الأبيض، راهم إيمانويل، ونائبي مستشار الأمن القومي، توماس إي. دونيليون ودينيش مكدونو، ونائب الرئيس، بايدن، ومستشار بايدن للأمن القومي، توني بلينكين. في الصباح عندما أخطر أوباما للمرة الأولى بشأن وجود شاب مشتبه في جمعه مواد لصنع قنبلة خارج دينفر، كانت المعلومات المقدمة حول زازي موجزة، حسبما قال مسؤولون. وأضاف أحد مسؤولي الإدارة رفيعي المستوى أنه «لم تكن المعلومات مثيرة للقلق، لكنها كانت مثيرة للاهتمام». رغم ظهور ورود تقارير بشأن اهتمام السلطات بباكستان بأمر زازي عندما سافر إلى هناك عام 2008، قال مسؤولون بارزون في الإدارة إنهم لم يعلموا بأمره كمصدر تهديد محتمل فور عودته إلى الولايات المتحدة في 15 يناير (كانون الثاني) من ذلك العام. واعترف أحدهم بأنه «أصبحنا على دراية بالأمر في أواخر أغسطس (آب)، عندما كان في كولورادو». وأضاف المسؤول أن أوباما أخطر بتحركات زازي «في غضون 24 ساعة من إدراكنا للأمر الذي يعكف عليه زازي». من ناحيتهم، يدعي المحققون أن زازي اشترى كميات ضخمة من مواد تجميل تحوي عناصر يمكن استخدامها في صنع قنابل في المنزل. مع استنفار السلطات المحلية والفيدرالية على أقصى درجة، شرع زازي في الانتقال بالسيارة من كولورادو إلى نيويورك في 9 سبتمبر (أيلول)، ما أثار اهتمام مختلف المسؤولين من أفراد الشرطة المحلية وصولا إلى البيت الأبيض. في هذا الإطار، علق مسؤول بارز بالإدارة بقوله: «كان موقفا دراماتيكيا للغاية. كنا نراقبه بحرص بالغ. ولم نكن ندري إذا كان متجها إلى هناك لتنفيذ هجوم. كان موقفا تتكشف أبعاده أثناء مراقبتنا له». لدى وصوله جسر جورج واشنطن في طريقه إلى نيويورك، تعرض زازي لتوقيفه من جانب الشرطة، وظن أن الأمر لا يعدو نقطة تفتيش عشوائية بحثا عن مخدرات، رغم أنها في حقيقة الأمر كانت نقطة ترمي لمراقبة تحركاته. في تلك الأثناء، داخل البيت الأبيض، أخطر برينان أوباما ومساعدين بارزين له بشأن التطورات، رابطا بينها وأحداث أخرى في الإطار الاستخباراتي لرؤية ما إذا كانت هناك صلة. قال عضو بارز في الإدارة: الواضح أن أحد المخاوف التي كانت تساورنا دوما دارت حول سؤال: «هل هناك جهود منسقة من قبل (القاعدة) لشن هجمات متعددة؟ ـ الأمر الذي سبق لهم فعله. إننا لم نكن معنيين بزازي فحسب، وإنما كذلك الأمور الأخرى التي ربما لها صلة به، ومحاولة الربط بينها». بعد وصوله نيويورك، اتصل زازي، حسب التقارير المتوافرة، برجل تعرف عليه خلال فترة نشأته في كوينز وأخبره أنه يساوره القلق من أنه تجري مراقبته. وقد أخبره الرجل المنتمي لمنطقة كوينز، بعد استجوابه من جانب الشرطة، لاحقا أنه بالفعل يخضع للمراقبة. وعاد زازي جوا إلى كولورادو، حيث ألقي القبض عليه. مع إلقاء القبض على زازي، أعلن مسؤولو الإدارة أن الثقة تجددت لديهم حيال قدرتهم على تناول التهديدات الأمنية بصورة جديدة. في هذا السياق، قال أحدهم: «ربما يكون النظام قد عمل على ذات النحو السابق، لكننا اتخذنا قرارا واعيا بعدم عقد مؤتمر صحافي ضخم» حول إلقاء القبض على زازي.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»