حزب المحافظين يطرح نفسه منقذاً اقتصادياً لبريطانيا.. أملا في إعادته إلى السلطة

تعهدات بخفض الدين العام وانتقادات لبراون في المؤتمر السنوي للحزب المعارض

زعيم المحافظين ديفيد كاميرون (يمين) ومسؤولون آخرون في الحزب، يصفقون لكلمة وزير الخزانة في حكومة الظل اوزبورن في مؤتمر الحزب بمانشستر أمس (رويترز)
TT

شدد حزب المحافظين البريطاني، المعارض الرئيسي في البلاد، أمس في اليوم الثاني من أعمال مؤتمره السنوي، الذي يعقد في مدينة مانشستر، على قدرته على إنقاذ بريطانيا من أزمتها الاقتصادية وتخليصها من دينها العام، الذي يبلغ 175 مليار جنيه إسترليني، منتقدا سياسات حزب العمال، الذي يحكم البلاد منذ 12 عاما.

إلا أن سلسلة الخطط التي أعلن عنها وزير الخزانة في حكومة الظل جورج اوزبورن، التي قال إن هدفها تخفيض الدين العام وإعادة تنشيط الحياة الاقتصادية في البلاد، شكلت مفاجأة للكثيرين، حتى أن بعض المحللين اعتبرها مغامرة قد تخيف الناخبين. ومن أكثر الخطط المثيرة للجدل، التي وعد بها أوزبورن أمس، في حال فوز حزب المحافظين في الانتخابات المقبلة المفترض اجراؤها قبل يونيو (حزيران) المقبل، تجميد زيادة الرواتب لموظفي القطاع العام لمدة سنة، على ألا يشمل القرار مليون موظف يتقاضون معاشات منخفضة (ما دون 18 ألف جنيه إسترليني سنوياً)، ما يعني أنه سيطال نحو 4 ملايين موظف عاملين في القطاع العام. وكان وزير الخزانة اليستر دارلينغ، قد أعلن أول من أمس، عن تجميد زيادة الأجور لنحو 750 ألف موظف من ذوي المعاشات المرتفعة في القطاع العام، لمدة عام واحد. ويطال هذا القرار الأطباء وكبار المديرين في خدمات القطاع الصحي العام، وموظفي السلك القضائي. وقد لاقى قراره اعتراضا واستنكارا، خصوصا من قبل منظمة الأطباء البريطانيين التي اعتبرت أنه قرار «مخيب للآمال». إلا أن اوزبورن انتقد هذه الخطوة، مؤكداً أنها غير كافية للتخفيف من عبء الدين على الخزينة، وذهب أبعد من ذلك بإعلانه أن حكومة محافظة ستجمد زيادة الرواتب لجميع الموظفين. ووصف اوزبورن وزير الخزانة بأنه «لا يتمتع بالجرأة» لأنه لم يعلن عن قراره هذا في مؤتمر حزب العمال السنوي الذي انعقد الأسبوع الماضي في مدينة برايتون بجنوب بريطانيا. وقال: «وعد خلال مؤتمر حزب العمال بخطط إنفاق جديدة من دون أن يعلن من أين سيأتي بالأموال، وهو لم يحقق بعد الوعود التي كان أطلقها في السابق». وأكد أن خطته في المقابل ستوفر على الخزينة أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني.

كما وعد اوزبورن برفع سن التقاعد إلى 66 عاما بدلا من 65، وهو ما سيوفر على الخزينة 13 مليار جنيه إسترليني. إلا أن هذه الخطوة قد تدفع الناخبين الذين تتعدى أعمارهم الـ50 عاما إلى إعادة التفكير بالتصويت للمحافظين، علما أن هناك 6 ملايين موظف في بريطاينا تتعدى أعمارهم الـ50. وقد حاول اوزبورن طمأنة هذه الشريحة عبر التأكيد أن القرار لن يطال من هم فوق الـ58 من العمر، لأنه لن يطرح قبل عام 2016. وبرر قراره تمديد سن التقاعد، بأن معدل الحياة في بريطانيا ارتفع. وعلى الرغم من أن العنوان الرئيسي للمؤتمر كان أمس «خلق المزيد من فرص العمل»، فان الخطط التي أعلن عنها اوزبورن لتخفيض الدين العام، ستؤدي إلى فقدان الآلاف لوظائفهم. فقد أعلن مثلا عن تخفيض البيروقراطية في مؤسسات الدولة إلى الثلث، وهو ما سيوفر على الخزينة 3 مليارات جنيه إسترليني سنويا، إلا انه سيزيد من آلاف العاطلين عن العمل.

وحرص وزير الخزانة في حكومة الظل على تكرار جملة «كلنا في المأزق معاً»، في محاولة لطمأنة الطبقة الوسطى انه لن يعفي الأغنياء من الضرائب المرتفعة المفروضة عليهم حاليا، وان على الجميع المساهمة في تخفيض الدين العام. وقال في كلمته التي ألقاها في المؤتمر أمس: «بريطانيا تواجه أكبر أزمة اقتصادية بعد الحرب. حزب العمال هو الذي خلق هذه الفوضى وسيتعين علينا نحن أن نجد لها الحلول». وأضاف: «علينا أن نجلب تغييرا كاملا لسنوات انعدام المسؤولية (التي حكم خلالها حزب العمال) الـ12 الماضية». وتقليديا، يؤمن حزب المحافظين بتخفيض الضرائب للأغنياء، مقابل خفض الإنفاق في القطاع العام (الطبابة المجانية والتعليم)، التي تعتمد عليها الشريحة الكبرى من البريطانيين. إلا أن الحزب حاول أمس تغيير تلك الصورة عنه، عبر التأكيد أنه لن يخفض الإنفاق في القطاع الصحي العام، وهو نظام أدخله حزب العمال في نهاية الخمسينات، ويعتبره اليوم من أهم إنجازاته. وكانت رئيسة الوزراء السابقة مارغريت ثاتشر (حزب المحافظين) قد خفضت الإنفاق على هذا القطاع خلال سنوات حكمها. ويتخوف حزب العمال اليوم من أن عودة المحافظين إلى السلطة ستعيد القطاع الصحي العام، سنوات إلى الوراء. إلا أن اوزبورن وعد أمس بعدم تخفيض الإنفاق على القطاع الصحي بل العكس، وقال: «إن الترويج لفكرة أننا سنؤذي القطاعات العامة التي تعتبر أساسية للمواطنين، هي كذبة فاضحة. نحن نعد بزيادة الإنفاق على القطاع سنويا». ولم يتردد اوزبورن ومتحدثون آخرون بالقول، إن رئيس الوزراء العمالي غوردن براون، يخدع البريطانيين ويعاملهم على أنهم «أغبياء». ولا يعزو المحافظون لبراون دوراً في إنقاذ بريطانيا من الأزمة الاقتصادية، وقال فيليب هاموند، كبير مساعدي وزير الخزانة في حكومة الظل، إن بنك انجلترا هو الذي سمح بالتخفيف من وطأة الأزمة وليس براون. وأضاف: «براون يدفن رأسه تحت الرمال. يستدين ويصرف أكثر ويعمق من الأزمة الاقتصادية، يريد أن ينفق من أموال لا نملكها». ويؤمن براون أيضا بضرورة الحد من الإنفاق وتخفيض الإنفاق العام، إلا أنه يعتقد أن ذلك يجب أن يأتي تدريجيا وليس فورا لان الاقتصاد لم يتعاف بعد.