سفير فلسطين بجنيف لـ«الشرق الأوسط»: كنت أنفذ تعليمات ولم أتصرف على نحو مستقل

أبو مازن يشكل لجنة تحقيق في ملابسات الموافقة على تأجيل بحث تقرير «غولدستون».. وحماس تصفها بذرّ الرماد في الأعين وتطالب بسحب الجنسية من المسؤولين عن القرار

زعيمان من قبيلة ناطوري كارتا اليهودية التي تناهض العنصرية يجلسان الى جانب الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الاسلامية في شمال اسرائيل، تعبيرا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني في قضية القدس والمسجد الاقصى، امس (ا ف ب)
TT

تواصلت أمس الاتهامات للسلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس (أبو مازن)، على موافقتهما الأسبوع الماضي، على تأجيل مناقشة تقرير ريتشارد غولدستون حول جرائم إسرائيل خلال حربها على غزة، في مجلس حقوق الإنسان الدولي إلى مارس (آذار) المقبل. كما تواصلت الدعوات لمحاسبة المسؤولين عن اتخاذ مثل هذا القرار.

ونفى أبو مازن حسب ما قالته مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط»، نفيا قاطعا خلال لقائه مع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ورئيس المخابرات عمر سليمان، في عمان أول من أمس، أن يكون أصدر تعليمات للمندوب الفلسطيني في جنيف إبراهيم خريشة بالقبول بفكرة التأجيل. ورفضت المصادر الحديث عما إذا كان أبو مازن قد تعرض لضغوط أميركية للقبول بتأجيل مناقشة التقرير، بعد تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجميد عملية السلام إذا ما نوقش التقرير في مجلس حقوق الإنسان ورفعه إلى محكمة الجنايات الدولية، للمطالبة بتقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى المحاكمة.

وفي محاولة للتخفيف من الحملة التي تشنها ضدها وضد السلطة، فصائل فلسطينية حتى تلك المنتمية لمنظمة التحرير الفلسطينية، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات قوله أمس إن أبو مازن ينوي الطلب من مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة مناقشة تقرير «غولدستون».

وقال عريقات الذي يرافق أبو مازن في زيارة رسمية لإيطاليا والفاتيكان، إن «الرئيس عباس يدرس بجدية إمكانية الطلب من المجموعة العربية والإسلامية رفع تقرير «غولدستون» إلى المحافل الدولية بشكل رسمي بما فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

وشدد عريقات على أنه «على ضوء الملابسات التي حدثت والضجة التي أثيرت حول سحب مناقشة التقرير من مناقشة لجنة حقوق الإنسان في جنيف والتنكر من البعض لمسؤولياتهم فإننا نعلن أننا نحن في السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير من يتحمل مسؤولية الشعب الفلسطيني ولا نتهرب من هذه القضية لأن الشهداء والجرحى والشعب الفلسطيني في غزة نحن المسؤولون عنه». وقال: «نريد مناقشة التقرير في المحافل الدولية لاتخاذ قرارات بشأن ما ورد في التقرير ولضمان عدم تكرار ما حدث من جرائم ضد شعبنا من قبل إسرائيل».

وأوضح عريقات أن الرئيس عباس بعد زيارته إيطاليا سيعود إلى رام الله لعقد اجتماع للقيادة الفلسطينية لاتخاذ قرار بهذا الصدد. وتابع القول إن «كل الخيارات مفتوحة، ولعبة إلقاء اللوم على السلطة الفلسطينية ورئيسها الرئيس محمود عباس للأسف من يقوم بها من يحاول وشدد عريقات على «أننا مصممون على دراسة قرار التوجه إلى المحافل الدولية ونرجو أن نلقى دعما (من المجموعة العربية والإسلامية) للوقوف إلى جانب شعبنا».

وفي ذات السياق ولإبعاد شبهة المسؤولية عنه، شكل أبو مازن لجنة تحقيق في ملابسات قرار السلطة بشأن التقرير. وتتكون اللجنة ـ حسب ما قاله عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس كتلتها البرلمانية، لـ«الشرق الأوسط» ـ من عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنا عميرة (رئيسا)، وعزمي الشعيبي ورامي الحمد لله. وأضاف الأحمد أن أبو مازن طلب من اللجنة الإسراع في إنجاز مهمتها خلال أيام «لأن التحقيق ليس بحاجة إلى وقف طويل، فالأمور واضحة والمعنيون واضحون وقليلو العدد، والمعنيّ الأول بكشف الحقائق هو السفير إبراهيم خريشة (سفير فلسطين في جنيف) وإعلان نتائج التحقيق في وسائل الإعلام الرسمية، وتحديد المسؤولية، سواء كانت المسؤولية التضليل أو التنفيذ أو التواطؤ، ورفع النتائج إلى المؤسسات الفلسطينية لتقول كلمتها». ودعا الأحمد إلى وقف التراشق الإعلامي حتى الانتهاء من التحقيق.

ودعا إلى انتظار نتائج التحقيق خريشة الذي رفض تحديد الطرف المسؤول نافيا عن نفسه مسؤولية ما جرى، موضحا أنه لم يتخذ القرار بنفسه بل كان ينفذ تعليمات من الجهات المعنية التي رفض تحديدها، إن كانت مؤسسة الرئاسة أم وزارة الخارجية. وأكد خريشة لـ«الشرق الأوسط» أنه كان يعود إلى المؤسسات في كل خطوة من الخطوات التي رافقت المناقشات واتخاذ قرار تأجيل بحث تقرير «غولدستون» إلى مارس (آذار) المقبل.

وتمسك خريشة بموقفه السابق الذي نشرته «الشرق الأوسط» يوم السبت الماضي، وهو أن قرار التأجيل لم يكن خطأ، ولو لم يحصل ذلك لأصبح مصير تقرير «غولدستون» كمصير تقرير الأب ديزموند توتو حول مجزرة بيت حانون عام 2005.

ورغم تثمين حكومة سلام فياض وحركة فتح قرار تشكيل اللجنة، اعتبرتها حركة حماس في بيان رسمي «خطوة لذرّ الرماد في الأعين، ومحاولة شخصية منه للهروب من تحمل المسؤولية السياسية المباشرة عن طلب تأجيل التصويت، وذلك بصفته رئيسا للسلطة الفلسطينية، ورئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المسؤولة عن البعثات الدبلوماسية في الخارج».

وأضافت حماس أن «تشكيل لجنة التحقيق محاولة يائسة من عباس لتضليل الرأي العام، ولامتصاص غضب الجماهير الفلسطينية وقواها الحية التي حمّلت عباس مسؤولية التواطؤ في حماية مجرمي الحرب الصهاينة امتثالا لضغوط صهيو ـ أميركية». وتابعت القول: «إننا في حماس ما زلنا نحمّل عباس وفريق أوسلو المسؤولية السياسية عن جريمة حماية مجرمي الحرب الصهاينة من العدالة والقصاص بطلب تأجيل التصويت على تقرير (غولدستون)، كما نطالب بمحاسبة كل مسؤول فرّط في دماء الشهداء وتنكر لتضحيات الشعب الفلسطيني».

وطالب الدكتور محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحماس بسحب الجنسية الفلسطينية من أبو مازن و«مسؤولي السلطة المتورطين بالخيانة التي تقرر بموجبها سحب تقرير (غولدستون)». وأشار الزهار في تصريحاتٍ متلفزة، إلى أن طلب سحب الجنسية هو «طلب معنوي نظرا عدم وجود جهة رسمية تقوم بذلك»، لافتا إلى أنه «لو توفرت الجهة الرسمية لَطلب بسحبها رسميا لا معنويا».

غير أن الأحمد طلب من حماس ردا على ذلك أن «تسحب بيانها الذي أدانت فيه تقرير (غولدستون) لأنه يسوّي بين الضحية والجلاد، وذلك بإصدار بيان رسمي». كما طالبها بإنجاح الحوار الوطني الفلسطيني وإنهاء حالة الانقسام». وأضاف أن «المتحاورين هم الفصائل لا السلطة، وعلى الفصائل أن تنهي الانقسام وتوحد الصفوف ولا تجعل من الانقسام ممرا تستغله لأغراض تنظيمية كما استغلته إسرائيل والولايات المتحدة كممر للتنصل من تنفيذ التزامات عملية السلام». ودعا الأحمد إلى وقف التراشق الإعلامي وانتظار إعلان نتائج التحقيق.

ووصف الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة قرار تأجيل التقرير بالجريمة السياسية والأخلاقية بحق القدس والأقصى. ودعا في احتفالية نظمتها الجبهة الديمقراطية في غزة في سياق الاحتفال بالقدس عاصمة الثقافة العربية 2009، إلى طرد المسؤولين عن التأجيل ومحاسبتهم علنا.

وصف زياد النخالة نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، موقف السلطة، بـ«فضيحة كبرى ووصمة عار في تاريخ شعبنا وأمتنا، وجاءت إثر تواطؤ فلسطيني عربي أميركي فاضح».

واعتبر النخالة في كلمة له خلال مؤتمر اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية في طهران، طلب السلطة التأجيل «بمثابة منع الضحية من محاكمة جلادها، ومنحه البراءة المجانية من جرائمه بحقنا، بل إن السلطة ومن تواطأ معها من النظام العربي يضبطون اليوم وهم يغسلون اليد الصهيونية من دماء أطفالنا وشعبنا، وذلك هو الذل والخزي والعار الذي لن يُمحى من صفحاتهم السوداء».