بيل كلينتون: هناك تشابه بين ما يحدث الآن لأوباما وفترتي الأولى بالرئاسة

قال إن الناس كانو يحبون ماكين ولكن الناخبين نظروا إلى أوباما باعتباره أكثر عصرية ومؤهلا للتعامل مع الطبيعة المتغيرة للعالم

TT

في مناقشة مفصلة حول ماضيه والمستقبل، يقارن الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون فترته الأولى في الرئاسة بفترة الرئيس باراك أوباما، كما يتحدث حول توقعاته للأحداث خلال الفترة المقبلة فيما يتعلق بقضايا مثل الرعاية الصحية وانتخابات التجديد النصفي للكونغرس.

في بداية أغسطس (آب)، وبعد 48 ساعة من عودته من المهمة الحساسة في كوريا الشمالية التي حرر خلالها الصحافيتين الأميركتين يونا لي، ولورا لينغ، كان بيل كلينتون يجلس مسترخيا في غرفة المعيشة بمنزله في شاباكوا بنيويورك مرتديا بنطلونا من الجينز وحذاء رياضيا. ويبدو بيل كلينتون الذي أوشك على بلوغ عامه الثالث والستين بكامل لياقته وإن بدت عليه بعض علامات الإرهاق نظرا للمجهود الذي قام به، ولكنه جلس وتحدث حول الآثار التي خلفتها فترة رئاسته.

وأُجري ذلك الحوار مع كلينتون بمناسبة صدور كتاب جديد بعنوان «تسجيلات كلينتون: مصارعة التاريخ مع الرئيس» وهو كتاب للكاتب تايلور برانش الفائز بجائزة البوليتزر، والذي التقى سرا بكلينتون في البيت الأبيض في أكتوبر (تشرين الثاني) 1993، وطوال الأشهر التالية خلال الفترة التي قضاها كلينتون كرئيس للولايات المتحدة. لقد ترك كلينتون منصبه منذ فترة تطول على الفترة التي قضاها به، ورؤيته لتلك الفترة كانت هي الموضوع الرئيسي لحوارنا، ولكن الحوار سرعان ما تطرق للحاضر كذلك.

* قبل تسع سنوات، عندما كانت ولايتك قد أوشكت على الانتهاء، قلت وقتها إنك تعتبر أن أحد النجاحات المهمة التي حققتها هي العودة للنشاط الرئاسي. فهل تخبرنا بتقييمك للحراك الرئاسي الآن، آخذا في الاعتبار الفارق الزمني؟

ـ أعتقد أن ذلك ما زال قائما، وأعتقد كذلك أن فترة رئاستي قد أنقذت سمعة الحكومة. تذكر أن هيمنة الجمهوريين على السياسة القومية التي بدأت بانتخاب نيكسون في عام 1968 قد بدأت فعليا من خلال المكاسب الهائلة التي حققوها في سباق الكونغرس في عام 1966 وكانت تعتمد في البداية على الجدال الاجتماعي ـ الأغلبية الصامتة، والصراعات الكامنة المتعلقة بالعرق، والحرب، وقضية المرأة وغيرها من القضايا. ثم عندما جاء ريغان، عزز ذلك كله ولكنه شن حملة بيع بالجملة على الحكومة، وكانت هيئة حماية البيئة في أسوأ حالتها؛ حتى إن الشجر كان فعليا أحد مسببات التلوث، وكانت وزارة الزراعة تتسم بالجنون، فقد أصبح «الكاتشاب» من الخضراوات.

وكانت الفكرة الأساسية هي أن الحكومة سوف تخسر المنافسة، وبالتالي، فكان الخيار الوحيد هو تخفيض الضرائب، واتخاذ مواقف صلبة، ومساندة وزارة الدفاع.

وبالتالي فكان أمامهم ـ وبالطبع كان هناك فارق بين هذا وذاك ـ فكرة كانت قائمة على تقسيم الناخبين الأميركيين بطريقة تأتي لصالحهم، ثم العمل على تشكيك الناس في كل شيء تقوم به الحكومة. وبالتالي، كان ما فعلته هو أنني استخدمت الخطاب الذي طرحوه وعكست اتجاهه، لكي أظهر أنهم قالوا إنهم يرغبون في تحقيق توازن في الميزانية ولكنهم في الحقيقة ضاعفوا عجز الميزانية لأربعة أضعاف، وأسهموا في زيادة دين الدولة وقالوا إنهم يكرهون الاستهلاك الحكومي ولكن انظر إلى ما استهلكته وزارة الدفاع في ظل أننا كان يمكن أن نحظى بحكومة أصغر أكثر فعالية ونشاطا قادرة على إدارة التحديات التي تواجهها في نهاية القرن العشرين. وقد حاولت تطوير رؤية للمصالحة وللمجتمع الذي يمكنه تجاوز سياسات الانقسام، بالإضافة إلى أنني حاولت التقليل من حدة تفاوت الدخول والتي كانت تتفاقم منذ السبعينات. وبطريقة مضحكة، تسببت سياستهم في أن يصبح الأمر أسوأ وقد استغلوا ذلك كحجة ضمن جدالهم الكبير المتعلق بأن الحكومة لا يمكنها عمل أي شيء.

وبالتالي، حاولت في البداية أن أبدأ عصرا تقدميا من خلال التنشيط الحكومي المؤسس على حقائق القرن العشرين. ولكي نستطيع النظر لهذه الفترة بطريقة توحد الناس على المستوى السياسي والاقتصادي وتعيد البلاد لموقعها في قيادة العالم من أجل السلام والرخاء. وأعتقد أننا عملنا بنجاح على ذلك. فقد كانت لدينا نتائج الانتخابات الضخمة في 1994، نظرا لأن الشكوك المتعلقة بالحكومة لم تكن قد انتهت وكانت المشاركة ضعيفة ولم نتمكن من تمرير قانون إصلاح الرعاية الصحية لنفس السبب البسيط وهو أن الجمهوريين قد فازوا بهامش يمكّنهم من التصدي لمشروعاتنا في مجلس الشيوخ.

وبالمناسبة، فإن كل ما يكتب حول ذلك الموضوع حاليا خاطئ، فالأمر مماثل تماما للتاريخ الذي يدونه المنتصرون في الحرب. فجميع الذين يكتبون حول هذه القضايا اليوم يكررون السطر نفسه الذي كانت تستخدمه جماعات الضغط في القضايا المتعلقة بالرعاية الصحية من عام 1994: «لقد كان مشروع القانون طويلا ومعقدا». ويقولون إننا قد فرضنا القانون على الكونغرس وهذا غير صحيح. فقد طلبت من الكونغرس أن يكتب مشروع القانون وقد طلب دان روستنكوسكي رئيس لجنة الطرق والوسائل بمجلس النواب من هيلاري أن ترسل له مشروع القانون كاملا. وقال: «لن أقبله إن لم تفعلي ذلك. فنحن لا نعرف الكثير حوله. وبالتالي فيمكن أن تأكلنا جماعات المصالح أحياء، سوف نعدل المشروع الذي سوف ترسلينه ولكن عليك إرسال المشروع كاملا». فقد كان ذلك بناء على طلب أهم لجان مجلس النواب؛ ومع ذلك فقد قرأت مئات المقالات التي تفيد بأننا قد ارتكبنا خطأ فادحا. ولكننا فعلنا ما طلبه منا الكونغرس. وكانت تلك المرة الأولى على الإطلاق التي نحصل فيها على مشروعين للقانون من لجنتين مختلفتين بالمجلس. لقد حاول هاري ترومان أن يفعل ذلك، كذلك ريتشارد نيكسون، ولم يحاول ليندون جونسون رغم أنه كان يحظى بأكبر أغلبية في الكونغرس على الإطلاق. لكنه لم يحاول ـ فقد تخلى عن مشروعات الرعاية الصحية لأنه كان مدركا مدى صعوبة المشروع.

وبالتالي، أعتقد أنه كانت أمامي صعوبات، وبصفة عامة لقد تمكنا من إعادة ثقة الناس في الحكومة.

* يبدو وكأن فترة التسعينات كانت هي الفترة الأخيرة التي شعرت فيها أميركا بالثقة في نفسها، حيث لم تكن هناك مشكلة لا نستطيع التعامل معها. ولكننا في القرن الحادي والعشرين لم نعد نشعر بأننا قادرون إلى هذا الحد على تجديد مصيرنا؟

ـ نعم، لقد كان الناس يؤمنون بإمكانياتهم. وأعتقد أن ذلك كان أفضل إنجاز تم تحقيقه. فأنا أعتقد أنه كان من الضروري أن نمنح الشعب الأميركي فكرة عن شكل القرن الحادي والعشرين ونوعية التحديات التي ستواجهه خلاله والفرص كذلك وبعد ذلك نقنعهم أننا نستطيع مواجهته. وأعتقد أن ما يؤثر سلبا على الناس ليس هو مرورهم بالمحن ولكنه الاعتقاد بأن الغد سوف يماثل الأمس تماما. فالأسوأ على الإطلاق هو أن تشعر أنك لا تستطيع التغيير، وأنك لا يمكن أن تصبح أفضل. ولم أكن أحب ذلك أبدا.

فقد كان هناك إحساس بعدم الثقة كامن ـ كما قلت قبل ذلك ـ وكانت لدينا بعض الحوادث المروعة. ليس فقط في مدينة أوكلاهوما ولكن كذلك فيما يتعلق بالناجين في ميشيغان. وفي النهاية، لا يمكن أن تحب دولتك وتكره حكومتك في الوقت نفسه. فيمكنك أن تنتقد بلدك بالطبع، فهذا هو حق أصيل لكل أميركي وقد مارس ذلك الحق 100% من الشعب الأميركي. ولكنني أعتقد أننا كنا سوف نصبح في النهاية دولة ليست بالضرورة أكثر حرية، وإنما أكثر تعاونية مع الاعتقاد بأننا علينا التقدم أو التراجع معا. وسوف ندرك أن مصيرنا واحد وأن حكومتنا هي جزء مهم ـ ليس وحيدا ولكنه جزء مهم ـ في خلق مستقبل إيجابي لنا. وهذا هو نوع الأغلبية التي لدينا الآن.

تستطيع أن ترى ذلك، ففي فترة ولايتي الثانية، كانت وجهة النظر العالمية تلك قد تلاقت مع وجهة نظر الجمهوريين وهي وجهة النظر التي أسفرت عن الفوز بالانتخابات في الفترة من نيكسون في عام 1968 وحتى بوش الابن.

وبحلول عام 2000، كانت وجهات نظرنا حول العالم متكافئة إلى حد كبير ولذلك كان لدينا سباق رئاسي متكافئ. فقد حصل كلا الحزبين على نسبة 45%، ثم فاز بوش بعد تدخل المحكمة العليا. وفاز لاحقا بانتخابات 2004، ولكنها كانت أصغر عملية إعادة انتخاب أخذا في الاعتبار احتلالهم للمنصب منذ وودرو ويلسون في 1916، قبل الحرب العالمية الأولى ونحن لم نخذل أبدا رئيسا خلال الحرب. وبالتالي فإنه في عام 2006، وعندما فاز الديمقراطيون في انتخابات الكونغرس، أتذكر أنني أخبرت هيلاري في الصباح التالي للانتخابات «ما لم نرشح مجرما مدانا، فسوف يصبح مرشحنا هو الرئيس القادم». لأننا أخيرا حصلنا على الأغلبية المجتمعية التي كنا نعمل من أجلها.

وعندما حققنا التعادل خلال ولايتي الرئاسية الثانية، كان النجاح جزئيا نظرا لأداء الإدارة. فكان لنا دور فيه، الناس كانوا يعتقدون أنني أؤدي عملي بنجاح وكانوا يؤمنون بذلك، ولكن لكي أكون صادقا فقد كانت هناك الكثير من التمايزات التي قد نشأت على مستوى العرق، والثقافة، والدين، والتحديات المشتركة. فقد كان هناك مهاجرون في كافة الأحياء وكانت هناك مشكلات اجتماعية في الضواحي وفي المدن الداخلية، وبالتالي فقد أصبح الأمر أكثر تعقيدا. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك شعور عام بأننا متواصلون مع بقية أنحاء العالم وأننا لا نستطيع تجاهل ما يفكرون به أو يشعرون به. وأعتقد أنه في الانتخابات الأخيرة على سبيل المثال، كان الناس يحبون السيناتور ماكين ولكنني أعتقد أن الناخبين قد نظروا إلى السيناتور أوباما باعتباره أكثر عصرية. فهو مؤهل أكثر من غيره ـ ليس فقط لأنه أصغر ـ للتعامل مع الطبيعة المتغيرة للعالم، وقادر على اللعب بعدة كرات في الوقت نفسه. هذا ما كنت أحاول القيام به من أجل الناس. فقد حاولت أن أمنح الناس إحساسا بأنهم قادرون على التحكم في مصيرهم. وبالطبع ليست سيطرة كاملة على المصير. فلا أعتقد أنه يوجد على الإطلاق من لديه مثل هذه السيطرة الكاملة.

لقد وصلت إلى مرحلة من العمر؛ حيث يصعب أن يمر أسبوع دون أن يتعرض أحد أصدقائي لوعكة صحية ربما لا يستطيع الشفاء منها على الإطلاق، ولكنه إيقاع الحياة. هل تفهم ما أقصده؟ أنا لا أفرط في الحديث حول التحكم في المصير والحياة كما كنت أفعل من قبل، ولكنني أعتقد أننا نوجه حياتنا، فنحن يمكن أن نجعلها أحسن أو أسوأ وفقا لما نفعله أو لما لا نفعله ولما نعتقده أو لما نرفض أن نعتقده.

* في أعقاب توليك الرئاسة، اتخذ التاريخ منحى جديدا تماما. إلى أي مدى تعتقد أن الأوضاع كانت ستتبدل حال وجود قيادة مختلفة؟

ـ أعتقد الكثير. أعتقد أنه حال تولي آل غور الرئاسة... في البداية، دعني أبدي بعض التواضع هنا: لا أحد يدري ما كان يمكن حدوثه على وجه اليقين. لكن على سبيل المثال، مثلما قال كولين باول عندما كان وزيرا للخارجية، فإن سياستنا تجاه كوريا الشمالية أعادتنا من على الحافة، وقد كنا على شفا إقرار حظر كامل على عمليات إطلاق الصواريخ وإنجاز عملية القضاء الكامل على الأسلحة النووية بشبه الجزيرة الكورية. أعتقد أن ذلك كان سيحدث، وحال حدوثه، أعتقد أن الاحتمال الأكبر أن نمط التوترات التي شهدناها خلال الشهور القليلة الماضية، بما في ذلك قضية اختطاف الشابتين، ربما لم يكن ليحدث مطلقا. لكن لا يمكنني الجزم بذلك، ولا أحد بمقدوره ذلك. أعتقد أنه حال انتخاب آل غور، حتى إذا رفض الكونغرس «معاهدة كيوتو»، مثلما تعهد أعضاؤه، كنا سنظل في مقدمة صفوف النضال في مواجهة التغييرات المناخية، بل كنا سنكون سابقين قليلا للأهداف الزمنية المحددة. ورغم ثنائي على الرئيس بوش لتوجيهه مزيدا من الأبحاث لهذا المجال، أعتقد أنه حال تولي آل غور الرئاسة، كنا سنخلق أعدادا أكبر من الوظائف الصديقة للبيئة في وقت مبكر عما عليه الحال بالفعل، وكان ذلك سيخفف حدة تداعيات تباطؤ عجلة النمو الاقتصادي التي نعانيها الآن. أعتقد أن في ظل رئاسة آل غور، كانت «لجنة الأوراق المالية والبورصة» كانت ستتميز بنشاط أكبر بكثير. والتساؤل الآن، هل ما زال ممكنا تحقيق بعض من ذلك؟ ربما، لكننا كنا نعمل على إنجاز بعض من هذا عام 2000 داخل الكونغرس، حيث حذرنا من أن «فاني ماي» و«فريدي ماك» عُرضة بصورة مفرطة للخسائر، بينما لم تظهر المشكلات الحقيقية في المؤسستين سوى بعد أربع سنوات لاحقة. لذا، أعتقد أنه بغض النظر عن تداعيات الانحسار الاقتصادي، فإنها كانت ستتسم بحدة أقل. أشعر بالتردد حيال الحديث عن الفترة السابقة مباشرة لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) لأنني لم أكن متواجدا هناك، لكن بإمكاني التأكيد على أن آل غور كان سيتميز بقدر هائل من اليقظة والحذر في متابعة التقارير الاستخباراتية، علاوة على قدرته الممتازة على تفهم السياسات الدفاعية والأمنية. أعتقد أنه كان سيبلي بلاء حسنا للغاية. وأظن أنه كان سيتردد حيال خوض حرب على جبهتين، وإنما كان سيفضل إنجاز مهمة التعامل مع تنظيم «القاعدة» وأفغانستان، مع السماح لمفتشي الأمم المتحدة إنجاز مهمتهم في العراق. لذلك أعتقد أن الأوضاع كانت ستتبدل كثيرا. إلا أنه على الجانب الآخر، فإن أحد الأمور التي توصلت إليها والتي أثبتتها انتخابات عام 1994 أنه عندما انتخبت رئيسا عام 1992، ظن المواطنون أنني متوافق مع آرائهم، وكانوا قد تخلوا بداخلهم عن السياسات الاقتصادية المميزة لحقبة ريغان. وراودتهم الرغبة في العودة إلى ميزانية متوازنة، وأرادوا حصول الطبقة الوسطى على وضع أفضل، وأن يحظى الفقراء بالقدرة على العمل وشق طريقهم داخل صفوف الطبقة الوسطى، وليس التعرض للاحتجاز داخل الطبقة الفقيرة إلى الأبد. إلا أنه على الصعيد الثقافي، كان هناك بعض الوجود لسياسات الانقسام والفرقة، وكان هناك بعض النزوع للاعتقاد بأن الحكومة لن تحسن إدارة شؤون البلاد الاقتصادية. في ظل هذا المناخ العام، ربما أتحمل بعض المسؤولية عن محاولة إقرار كثير من التغييرات بالنظام في وقت واحد، وانتهى الحال بتعرضنا للعقاب في انتخابات عام 1994 لما فعلناه، فيما يتعلق بالخطة الاقتصادية، التي تضمنت بعض الزيادات الضريبية، رغم حصول معظم الأفراد على خصومات ضريبية، وليس زيادة ضريبية، ولم يكن الناس قد لمسوا بعد تحسن الأوضاع الاقتصادية أو تقلص العجز بالميزانية. كان مشروع قانون برادي وحظر الأسلحة الهجومية قد طرحا لتوهما، وعمد «الاتحاد الوطني للصيد بالبنادق» إلى استغلالهما في تخويف الصيادين، الذين لم يكونوا قد مروا بموسم صيد للظباء بعد، لذا لم يدركوا أن كل ما كان يتفوه به الاتحاد كاذب. أحرزت النصر في انتخابات عام 1996، وخسر الكثير من أعضاء الكونغرس مقاعدهم في الانتخابات لأنهم كانوا على علم بأن «الاتحاد الوطني للصيد بالبنادق» لم يكن يقول الحقيقة حيال حظر الأسلحة الهجومية ومشروع قانون برادي. وبذلك، تعرضنا للأذى بسبب ما فعلناه، ثم تعرضنا للقتل جراء ما لم نفعله؛ أننا لم نمرر قانون الرعاية الصحية. وندرك الآن، وأنا على ثقة من ذلك أكثر من أي شيء آخر، أنه لم يكن بمقدورنا القيام بذلك طالما ينافس بوب دول على منصب الرئاسة. إنه شخص جيد وصديق لي، والمرة الوحيدة التي تعاملت فيها معه ولم يكن على مستوى كلمته كان بخصوص هذا الأمر. عندما طلب روستنكوسكي مشروع قانون، طلبت شخصيا من بوب أن نجلس معا ونعكف على كتابة مشروع قانون وإرساله إلى الكونغرس. وقد كان يتعامل على نحو جيد للغاية مع قضية الرعاية الصحية بالنسبة لعضو بالحزب الجمهوري، وقال «كما تعلم، أنت بحاجة لإرسال مشروع قانون ونحن بحاجة إلى طرح مشروع قانون، بحيث يتمكن الناس من ملاحظة وجود اختلافات بين الحزبين وتوجهاتهما. ثم نتحد معا ونصل لتسوية بين المشروعين». عندما قال ذلك، أعتقد أنه كان على قناعة بهذا القول. بعد ذلك انضم إلى مذكرة بيل كريستوف الشهيرة التي تقول، كما تعلم، أنه إذا سمحتم لبيل كلينتون بتمرير أي صورة لمشروع قانون يعنى بالرعاية الصحية، سيبقى الديمقراطيون حزب الأغلبية لجيل قادم، وعليكم أن تنسوا آمالكم في الرئاسة، الخيار الوحيد أن تسقطوا أي شيء يقترحه، أن تقضوا عليه. وعليك أن تضع نصب عينيك أن توزيع أصوات الحزبين داخل مجلس الشيوخ كان 55 ـ 45، ولم يكن 60 ـ 40 مثلما الحال الآن. لذلك، تميز الجمهوريون بأصوات يمكنها تعطيل مشروع القانون داخل مجلس الشيوخ. اليوم، يكمن السبب وراء دخول الكثير من الجمهوريين في مفاوضات حول الرعاية الصحية أننا نحظى بـ60 صوتا. وقد صاغ المعاونون لأوباما التشريع هذا العام في إطار حزمة الميزانية، وهو أمر بالغ المهارة. لقد قاموا بذلك بحيث يخرجون الرعاية الصحية والتغييرات المناخية عن مسارهما المعتاد. لقد أدركت متأخرا للغاية أنه ليس بإمكاني تمرير إصلاح الرعاية الصحية عبر المسار المعتاد. لو كنت علمت من البداية ما اكتشفته بعد توغلي في الأمر، كنت سأخبر الشعب الأميركي أنني سأعجز عن الوفاء بتعهدي أمامهم بتمرير مشروع القانون ذلك بسرعة، وأنني سأشكل مجموعة من الحزبين لتناول القضية وأن عليهم إدراك أن الكونغرس القائم حينها لن يمرر إصلاح الرعاية الصحية. لذا، عليهم أن ينصتوا للجمهوريين وينصتوا إلينا واتخاذ قرار بمن يتفقون معه ويصوتون في انتخابات التجديد النصفي للجانب الذي يميلون لتأييده. وكنت سآمل أن يؤيدوا الديمقراطيين، لكن بالطبع كنت سأستجيب بناء على قرارهم.

لكن بخوضنا القتال ضد جهات مختلفة من دون أن أشرح للمواطنين ما أدركته، جعلنا الديمقراطيين أكثر عرضة لخطر الهزيمة عما كانوا عليه بالفعل. وتسبب ذلك في تقلص أعداد ناخبينا المشاركين بالانتخابات، وعندما مررنا قانون الأسلحة في إطار ميزانيتنا، زاد ذلك من إقبالهم على المشاركة في الانتخابات.

* قلت منذ تسعة أعوام إنك تعلمت كرئيس أن هناك تغييرا كبيرا يمكن للنظام استيعابه، فهل تعلّم الرئيس أوباما هذا الدرس أيضا؟ وألا يذكرك هذا العام بالعام الأول لك في الحكم؟

ـ نعم، لكن ليس هناك وقت أفضل للقيام بأمر أكثر صعوبة مثل الرعاية الصحية من الآن، وعندما حاولت ولم أفلح ـ لكن تمكننا من صياغة حجة مقنعة ضد الوضع القائم ـ وكنا قادرين حينها على العودة والأخذ ببعض أجزاء تلك الخطة ومحاولة تطبيقها. ولقد أنجزنا شيئا لم نحققه خلال 20 عاما من قبل عندما أعدنا معدلات التضخم وتكاليف الرعاية الصحية مرة أخرى كي تتوافق مع التضخم. وقد جرى كل ذلك خلال التسعينات. أما الآن فقد بلغت معدلات التضخم ثلاثة أضعاف المعدلات السابقة وتضاعفت نفقات الرعاية الصحية خلال السنوات السبع الأولى من حكم إدارة بوش. وعندما توليت الرئاسة في التسعينات كنا ننفق 14% من الدخل القومي على الرعاية الصحية فيما لم تكن أي دولة أخرى في العالم تنفق ما يزيد على 10%. تلك كانت الأرقام عام 1993. ولقد بلغ معدل إنفاقنا عام 2009 على الرعاية الصحية 16.5% من الدخل وما من دولة أخرى في العالم تنفق أكثر من 11%. لذا فإن الهوة تتسع ونتيجة لذلك حللنا في المرتبة 36 أو 37 في جودة الرعاية الصحية في المسح العالمي الذي أجري في الآونة الأخيرة.

لذا فإن الرئيس يقوم بالأمر الصائب سواء من الناحية الأخلاقية والسياسية، ولقد زرت 300 مدينة دعما لهيلاري في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) ومايو (آيار) من العام الماضي ـ وقمت بالدعاية لها ـ في مدن متناثرة لكنني كنت أذهب إلى المدن الصغيرة التي أفضل العمل بها، واعتقدت أن بإمكاننا الحصول على أصوات أكثر عبر عملها في المدن الكبيرة وإرسالي فقط إلى الأماكن الريفية.

أنا أعلم أن الرئيس أوباما سمع القصص نفسها التي نمت لمسامعي. فعندما كانت هيلاري في المؤتمر الحزبي في مجلس الشيوخ، كنت في كل كلمة ألقيها أذكر التوحد. وأقول لك إنني في كل مدينة زرتها من بين الـ 300 كان هناك شخص ما من بين هؤلاء السكان ممن له تجربة مع مرض التوحد وتحدث عنه وسأل عما يفترض بنا أن نفعله. وهل بمقدورنا الاهتمام بذلك؟ ولماذا لا يأتي ضمن سياساتنا؟ وأعتقد أنك تعلم كل هذه الأمور.

لذا اعتقد أنه يقوم بالأمر الصائب على الرغم من تعطيله الكثير من التغيير في النظام. وقد تعلم من بعض المشكلات التي واجهتها. على سبيل المثال، أنا متأكد من أنه يؤيد قانون منع الأسلحة لكنه ترك الكونغرس يمضي في قراره وأبدى موافقة، وقال «حسنا أيها القرويون يجب علينا أن نعقد اتفاقا بشأن تغير المناخ والرعاية الصحية وقروض الطلاب لتوفير مصاريف الدراسة بالجامعات لذا سأقدم لكم بعض التنازلات حول قانون الأسلحة الهجومية».

لذا فهناك الكثير من التشابه بين ما يحدث الآن والعام الأول لي في الحكم، لكن النهاية فيها ستكون مختلفة، فسوف يقر قانون الرعاية الصحية.

* كانت انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس ذات تأثير كبير على مسار رئاستك، لذا كيف ترى العام القادم؟

ـ أعتقد أن العام القادم سيكون حافلا. فهل من الممكن أن يخسر بعض المقاعد؟ ربما؟ لكن هل سيخسر الكونغرس؟ لا أعتقد ذلك. لكنني أعتقد ـ وأنا لا أعلم الأعداد تحديدا ـ أن القاعدة الثقافية لحزبنا أكبر من نظيرتها لدى الحزب الجمهوري وستظل أكبر حتى يصيغوا توجها أكثر حداثة، وحتى يصبح لديهم كيان مشابه لمجلس القيادة الديمقراطي.

* كيف حدث ذلك؟ وبعدما هيمنوا كل تلك الفترة الطويلة كيف تحولوا إلى حزب متطرف وهزيل؟

ـ حدث ذلك لسببين: لأن أميركا تغيرت وجانبتهم، وأصبحت أميركا أكثر تنوعا من الناحية العرقية والثقافية والدينية، وأصبحت أكثر شبابا وأكثر اتصالا عبر الإنترنت وبدأ الأفراد في التفكير بصورة مختلفة.

الأمر الثاني أن الرئيس بوش انتخب بأغلبية مجلس الشيوخ الذي ينفذ ما كان يأمر به لذا كانت تلك المرة الأولى منذ فوز ريتشارد نيكسون على الأغلبية الصامتة وفوز رونالد ريغان على رؤيته بتقسيم أميركا. وأدرك العامة ما يمكن أن يحدث إذا نفذوا بالفعل ما كانوا يتحدثون عنه. وأعتقد أنك سمعت المثل العربي القديم الذي يقول «أسوأ لعنة في الحياة هو الدعاء المستجاب».

لذا فقد كانوا يتحدثون إلى ناخبين أقل إدراكا ولديهم بالفعل الكثير من الأخطاء حيث رأى الناس ما حدث عندما نفذوا ما وعدوا به. وأعتقد أن هذين الأمرين يشكلان فارقا ضخما، وهذا هو ما رأيته في انتخابات التجديد النصفي عام 2004 والحجم الكبير في الانتصار الديمقراطي في 2006، والانتصار الكبير في 2008. فلدينا مرشحون أفضل ولدينا مقومات أفضل لحزب متحد، لكن الثقافة تغيرت. لذا لم نعرف أبدا ما سيحدث حقا إذا ما نفذوا ما تحدثوا عنه وأعطاهم بوش والكونغرس التابع له جرعة كاملة. ولم يكن الحال يختلف عما وعد به ريغان، لكن الفارق بينهما أن ريغان لم يستطع أن يحقق ما تحدث عنه.

* هل تعتقد أن كان يتوجب علينا المعاناة حتى نتمكن من التغيير؟

ـ كلا، لا أعتقد ذلك. المسألة بوضوح أن آثار هذه الأمور ستظهر في الانتخابات القادمة، والانتخابات التي تليها. وأعتقد أن ذلك يعتمد على ما إذا كان الناخبون الذين لم يحسموا أمرهم يرون السنوات الثماني كنتاج لسياسة شخصية للرئيس بوش أم أنها نتيجة لسياسته الخارجية والسياسات المحلية التي عكس عليها أفكار الحزب الجمهوري.

وأنا أفكر بهذه الصورة بالنسبة لحزبنا، ولا أفكر بشأن ذلك في الوقت الحالي. لكنني في كل مرة عندما أشارك في حملة لجمع الأموال لمرشح ديمقراطي سواء أكان في مجلس الشيوخ أو من أجل الكونغرس أو حاكما أقول هذه الأمور نفسها. فأقول «على مدى أربعين عاما كانت لديهم ميزة فطرية علينا في السياسات الرئاسية ولم تكسر سوى مرة واحدة من قبل كارتر ومني مرتين عندما سقطوا في مشكلات. فعندما وقعوا في مأزق ووترغيت وفاز الرئيس كارتر، وعندما دخلوا في مأزق الاقتصاد فزت أنا وعندما أحب الأميركيون ما أقوم به انتخبوني مرة أخرى، لكن أميركا كانت تتغير في هذه الفترة وكانت العداوة تجاه الحكومة في تناقص.

وقد أدار جورج بوش حملة ذكية في عام 2000 أسهمت في حصوله على نسبة مساوية تقريبا لما حصل عليه آل غور حتى إن الأمر وصل إلى المحكمة العليا التي أصدرت قرارها والذي أعتقد أنه أحد القرارات الخمسة التي أصدرتها المحكمة العليا تستحق اللوم عليها. ولقد تعرضوا للإحراج بسبب ذلك لأنك إذا ما قرأت القرار الذي يقول «الآن، على عكس قراراتنا السابقة ليس لذلك أي قيمة كسابقة، فلا يمكن الاستشهاد به في أي قضية أخرى على الإطلاق وهذا قرار مختص بهذه الحالة فقط» ستعلم ذلك. وأعني أنهم كانوا يعلمون جيدا. كانوا يعلمون جيدا أن بمقدورهم التصرف بأفضل مما كانوا يقومون به. لقد كان اتفاقا سياسيا محضا، لكن على أية حال فقد وقع الأمر وآل غور رجل جيد واحترم التقاليد الأميركية واعتقد أن مبدأ مراجعة الأحكام القضائية ودور المحكمة العليا مهم بما يكفي لئلا نهاجمها وقد استحق التقدير على ذلك.

لكن بالنسبة لهم فإن الفوز مرة أخرى يعني الظهور بنظرية جديدة تماما في الحكم ومجموعة من الأفكار مرتبطة بالأغلبية الآن وبأشخاص مثل آنغل (استشهد الرئيس كلينتون بآنغل يورينا نائب مدير الاتصالات في مؤسسة كلينتون). حيث يبدو آنغل أكثر شبها بأميركا القرن الحادي والعشرين مما أنا عليه وهذا أمر جيد وليس لدى الجمهوريين أي شيء ليقولوه له الآن. فاستراتيجيتهم الأساسية، كما أعلم، الترقب وتحيّن الفرصة والأمل في حدوث زلة للرئيس. لكن أكثر ما يقلقني هو عدم اكتراث المواطنين ونسيان تجربة 1994، ومن ثم فإنه من الضروري تمرير قانون الرعاية الصحية وأن يبذلوا قصارى جهدهم قدر استطاعتهم، وإن لم ينته الأمر على الوجه الأكمل فسوف نعود لنصلحه، لكن الناس تستأجرك لتقوم بذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز» عن مجلة «أسكواير»