زيارة الرئيس غل إلى باريس تعيد تأكيد أولوية أنقرة لعضويتها الكاملة في الاتحاد الأوروبي

فيما يدعو أوباما إلى تسريع تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا

TT

حث أمس الرئيس الأميركي باراك اوباما الأتراك والأرمن على تسريع خطى التقارب بين بلديهما في وقت بدأ فيه الرئيس التركي عبد الله غل زيارة رسمية إلى باريس تستغرق ثلاثة أيام.

وكان البيت الأبيض الأميركي قد توقع أمس أن يؤدي التقارب التركي ـ الارمني إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين أنقرة ويريفان. وقال بيان البيت الأبيض الذي صدر مساء أول من أمس إن اوباما ابلغ نظيره الارمني سيرج سركيسيان خلال اتصال هاتفي بينهما بأن واشنطن تأمل أن «يتقدم الحوار الجاري (مع أنقرة) والرامي إلى تطبيع العلاقات بين البلدين من دون شروط مسبقة وفي فترة زمنية معقولة». وأضاف البيت الأبيض أن «الرئيس اوباما أكد انخراطه المطلق في عملية تؤدي في نهايتها إلى تطبيع العلاقات بين البلدين»، مشيرا إلى إشادة الرئيس الأميركي بـ«شجاعة» نظيره الارمني.

وكانت أنقرة ويريفان توصلتا نهاية أغسطس(آب) إلى بروتوكولين يرميان إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين وإعادة فتح الحدود بينهما. ومن المفترض أن يصادق برلمانا البلدين على هذين الاتفاقين كي يصبحا نافذين.

وكانت تركيا قد أقفلت حدودها مع أرمينيا عام 1993 دعما لأذربيجان التي دخلت يومها في نزاع عسكري مع أرمينيا للسيطرة على منطقة ناغورني قره باخ وهي عبارة عن جيب أذربيجاني انفصالي تعيش فيه أكثرية من الأرمن تطالب بالاستقلال.

إلا إن زيارة الرئيس التركي عبد الله غل إلى باريس أعادت التذكير بان القضية الخارجية الأكثر أهمية بالنسبة لأنقرة لا يزال موضوع انضمامها إلى العضوية الكاملة لدول الاتحاد الأوروبي.

وتكتسي زيارة غل طابعا حساسا بسبب المواقف التي اتخذها نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي جعل خلال سنتين من فرنسا رأس حربة المعارضة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وقد أثارت المعارضة الفرنسية غضب القادة الأتراك الذين ينتمون إلى حزب العدالة والتنمية المحافظ والمنبثق عن التيار الإسلامي.

وقال ديدييه بيليون من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية «منذ أربع أو خمس سنوات لوحظ تدهور حقيقي، فالأسس قد تزعزعت ولن تغير الألفاظ الجميلة شيئا». وتحدث الخبير عن «فصام» بالنسبة لباريس التي تنظم تظاهرات «موسم تركيا في فرنسا» وفي الوقت نفسه «لا تكف عن توجيه الانتقادات إلى تركيا». ولمناسبة الموسم الثقافي استقبل عبد الله غل المقرب جدا من رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في فرنسا.

وسيدشن غل مع ساركوزي غدا، في غران باليه (القصر الكبير) في باريس، معرض «من البيزنطية إلى اسطنبول، جسر بين قارتين»، قبل إجراء محادثات سياسية. كما من المرتقب أن يجتمع الرئيس التركي بعد الظهر مع رئيس الوزراء فرنسوا فيون وأوساط رجال الأعمال الفرنسيين.

ومن المتوقع أن يدافع عبد الله غل عن ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي مؤكدا من جديد أن نتيجة المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي التي بدأت في 2005 يجب أن تبقى مفتوحة.

وقال لوكالة الصحافة الفرنسية، قبل مغادرته أنقرة «أولويتنا هي تطبيق المكتسبات الأوروبية في تركيا. فنحن نركز على هذا الأمر».

ويقول القادة الفرنسيون إنهم يريدون إقامة شراكة وثيقة إلى ابعد حد بين أنقرة والاتحاد الأوروبي من دون الذهاب حتى الانضمام. لكنهم لا يوضحون اطر هذه الشراكة.

وفي تقرير صدر في سبتمبر (أيلول) انتقدت «اللجنة المستقلة حول تركيا» برئاسة الرئيس الفنلندي السابق مارتي اهتيساري باريس آخذة عليها نقض تعهداتها التي أبطأت بنظرها الإصلاحات في تركيا.

وحذر وزير الشؤون الأوروبية التركي اجمين باغيس من خطر التطرف الإسلامي. وقال في هذا الصدد لصحيفة «لاكروا» الفرنسية إنه «بإبعاد تركيا ستجازف دول الاتحاد الأوروبي ببناء جدار تمييز مع العالم الإسلامي».

وبحسب سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية بيار لولوش فان الأوروبيين يفكرون بغالبيتهم العظمى مثل فرنسا لكن من دون أن يفصحوا عن ذلك. أما المستشارة الألمانية انجيلا ميركل فقد تبدي من ناحيتها حزما اكبر حيال المسألة مع ائتلاف جديد مع الليبراليين في الحزب الديمقراطي الحر.

لكن فرنسا تقدر أيضا الدور الإقليمي المعتدل الذي تلعبه تركيا تجاه إيران وسورية أو في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

كما ترحب باريس بالتقدم بشأن المسألة الكردية وبالالتزام التركي في أفغانستان وكذلك التطبيع الجاري مع أرمينيا. لكن «إبادة» الأرمن في 1916 التي اعترف بها البرلمان الفرنسي في 2001، تشكل موضوعا آخر ساخنا بين باريس وأنقرة.

في المقابل عبر القادة الفرنسيون عن صدمتهم إزاء معارضة تركيا في الربيع لتعيين رئيس الوزراء الدنماركي السابق اندرس فوغ راسموسن على رأس الحلف الأطلسي بذريعة انه لم يدن نشر الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد في بلاده.

إلى ذلك تعاني الاستثمارات الاقتصادية الفرنسية في تركيا بقوة من الخلافات بين البلدين. ولفت ديدييه بيليون في هذا الخصوص إلى انه «منذ 2005 تتجه الأمور من سيئ إلى أسوأ، والشركات الفرنسية ترى استدراجات عروض تمر تحت انفها».

وعلى سبيل المثال فشركة غاز فرنسا استبعدت من مشروع أنبوب الغاز الأوروبي التركي نابوكو فيما يشكل امن الإمدادات بالطاقة إحدى الحجج الرئيسية لأنصار الانضمام.