مادلين أولبرايت: تحول السياسة النووية الإيرانية يثبت نجاح سياسة أوباما

نبدأ في أفغانستان من الصفر ومصالح الأمن القومي الأميركي تملي علينا القضاء على «القاعدة»

TT

قالت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، في حوار مع موقع «غلوبال فيوبويت» الإخباري الأميركي، إن التحولات في السياسة الإيرانية وسماح طهران لمفتشي وكالة الطاقة تفتيش موقع «قم» والموافقة المبدئية على إرسال اليورانيوم الإيراني للخارج لتخصيبه بدرجة أعلى تثبت نجاح سياسة الحوار التي اتبعها الرئيس الأميركي باراك أوباما حتى الآن. كما دافعت عن قرار أوباما المفاجئ بإلغاء مشروع الدفاع الصاروخي في شرق أوروبا، الذي أثار بعض الذعر في بولندا وجمهورية التشيك، موضحة أنها كانت منذ البداية ضد المشروع، الذي طرحته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. كما تحدثت عن التحدي الأميركي في أفغانستان، موضحة أن الإدارة يجب أن تبدأ بمحاربة «القاعدة». وهنا جانب من الحوار:

* قالت إيران إنها ستسمح الآن لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش داخل منشأة لتخصيب اليورانيوم الواقعة بالقرب من قم في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وتناقش إرسال اليورانيوم المخصب إلى روسيا لإعادة معالجته بهدف الاستفادة منه في أغراض طبية. هل تعتقدين أن ذلك يعني نجاح إستراتيجية «القوة الذكية» التي انتهجها أوباما القائمة على التعاون بدلا من الدخول في مواجهة مع إيران؟ ـ بالفعل أعتقد ذلك. مثلما قال أوباما نفسه، فإننا لم نحصل بطبيعة الحال حتى الآن سوى على مجرد كلمات من إيران. وسنرى إذا كانوا سيلتزمون بها. أعتقد أن أي نجاح ينبغي إيعازه إلى مجمل إستراتيجية أوباما. وبالنظر إلى الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، نجد أنه أقر إطارا مهما، حيث دعا إلى التعاون الدولي بشأن مجموعة متنوعة من القضايا ـ بما في ذلك إيران ـ وقال إذا كانت السياسات الانفرادية الأميركية لا تروق لكم، فعليكم تقديم العون. وعندما ترأس مجلس الأمن، تمكن من حشد إجماع حول قضية منع انتشار الأسلحة النووية والضغط على إيران.

* أثار تحول إدارة أوباما المفاجئ تجاه مشروع الدفاع الصاروخي في شرق أوروبا بعض الذعر في بولندا وجمهورية التشيك. ويبدو أن البعض يتشككون في التزام الولايات المتحدة بحمايتهم من نطاق النفوذ الروسي. هل تتفقين مع خطة الدفاع الصاروخي الجديدة؟ ـ إنني من الأنصار المتحمسين لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأتفهم وضع بولندا وجمهورية التشيك على نحو جيد. ساورني الاعتقاد بأن خطة الدفاع الصاروخي التي اقترحتها إدارة بوش، والتي راجعتها وبدلتها إدارة أوباما الآن فقط، كانت خاطئة منذ البداية. لم نكن على دراية بشأن ما إذا كانت تلك الأنظمة ناجعة، علاوة على أن المعاهدات المبرمة جرى التفاوض بشأنها على نحو بالغ السوء، خاصة وأنها كانت اتفاقات ثنائية بين هذه الدول والولايات المتحدة، وليس حلف «الناتو» ككل. من ناحيتي، لدي دراية كافية بالمشهد السياسي في بولندا وجمهورية التشيك تمكنني من التعرف على مدى صعوبة تقبلهم هذا الأمر. لقد خاطرت الحكومة التشيكية بدعمها الخطة الأصلية، وسقطت من السلطة جراء ذلك. وعليه، كان قرار أوباما بتغيير السياسة مع توجيه الصواريخ على نحو أقرب وأدق لاستهداف إيران صائبا. إلا أنني أرى ضرورة مشاركة «الناتو» بدرجة أكبر في الأمر.

* هل يعني ذلك أن البولنديين والتشيك الذين ينظرون إلى التحول الذي أقره أوباما باعتباره مؤشرا على تضاؤل التزام واشنطن بأمن أوروبا الشرقية جانبهم الصواب؟ ـ إنهم على خطأ، لكن في الوقت ذاته من الواضح أن أبناء شرق ووسط أوروبا بحاجة إلى تنمية قدر أكبر من الشعور بالثقة بالنفس. مؤخرا، التقيت بعض القيادات التي وقعت خطابا يشكو من أن واشنطن لا توليهم اهتماما كافيا. وأخبرتهم أنه أمر جيد أن مشكلاتهم تضاءلت لدرجة أنها باتت تستلزم اهتماما أقل من جانب الولايات المتحدة.

* يدور نقاش قوي داخل إدارة أوباما بين المؤيدين لزيادة أعداد القوات وتعزيز إستراتيجية بناء الدولة في أفغانستان ـ مكافحة التمرد ـ في مقابل الراغبين في إتباع إستراتيجية لمكافحة الإرهاب أضيق نطاقا، تركز بصورة كاملة على محاربة تنظيم القاعدة. إلى أي صف تنحازين؟ ـ بطبيعة الحال تشكل المعضلات القائمة حاليا نتاجا لعدم توجيه اهتمام كاف لأفغانستان أثناء خوض القتال في العراق على مدار ثماني سنوات. وعليه، فإننا بصورة ما نبدأ من الصفر هناك. وتملي علينا مصالح الأمن القومي الأميركي أن القضاء على «القاعدة» يعد محور التركيز الأساسي. ويعني ذلك تناول علاقتنا بـ«طالبان» وتحديد ماهية الصلة الحقيقية أو التداخل بين الجانبين. من وجهة نظري، أرى أن الخطوط الفاصلة بين الجماعتين مبهمة للغاية ـ وبالتالي فإن الخطوط المميزة بين مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب غير واضحة هي الأخرى. بدلا من التعامل مع هذه الإستراتيجيات باعتبارها بدائل، فإن ما نحتاجه التركيز على تجنب خلق مزيد من الإرهابيين. من ناحية، إذا أخطأت عمليات القصف الهجومية أهدافها وأسقطت الكثير من المدنيين، فإن ذلك يخلق مشاعر عداء ويخدم في تجنيد مزيد من الإرهابيين. ومن ناحية أخرى، إذا لم نوفر الأمن للشعب الأفغاني، فإن الفزع سيسيطر عليهم، وسيضطرون للتعاون مع الإرهابيين انطلاقا من هذا الخوف. أعتقد أن أوباما يفعل الصواب بدراسته قراراته الإستراتيجية بحرص. ودائما ما ساورني الاعتقاد بأنه من الأفضل أن تحظى واشنطن برئيس على ثقة من نفسه، ذلك أن هذا النمط من الرؤساء يشعر بثقة كافية في قدرته على إصدار الأحكام تمكنه من الاستفادة من مجموعة واسعة النطاق من الآراء الخاصة بمستشاريه الذين قد يخالفونه الرأي.

* على ما يبدو، تتفقين في الرأي مع القائلين بضرورة توسيع نطاق الالتزام الأميركي تجاه أفغانستان لرغبتك في إقرار الأمن والاستقرار هناك كشرط مسبق للانسحاب. ـ لا يمكن للولايات المتحدة ولا «الناتو» تحمل مسؤولية أفغانستان إلى آخر الزمان. يتمثل العنصر الأساسي على هذا الصعيد في ضرورة اكتساب الأفغان القدرة اللازمة للعمل اعتمادا على أنفسهم. لكن ينبغي أن نساعدهم على الوصول إلى هذا المستوى ـ عبر تدريب الجيش الأفغاني وقوات الشرطة، علاوة على توفير مساعدة لإعادة الإعمار وهيكل حكومي قادر على البقاء. إننا بحاجة لعقد مثل هذا النقاش الآن بحيث يتفهم الرأي العام الأميركي المخاطر القائمة. لقد أهدرت ثمانية أعوام، ولم يعد هناك مزيد من القوت لإهداره. علينا رسم سياسة والالتزام بها.

* خدمة: غلوبال فيوبوينت خاص بـ «الشرق الأوسط»