إطلاق يد الأجهزة لملاحقة المتورطين في حادث عين الرمانة.. والتمسك بفرض الأمن في طرابلس

القوى السياسية تطوّق ذيول انهيارين أمنيين متتاليين في لبنان

الرئيس اللبناني ميشال سليمان خلال اجتماعه أمس في القصر الرئاسي في بعبدا بوزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال زياد بارود (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

فيما وضعت الأجهزة القضائية والأمنية يدها على حادثة عين الرمانة في ضاحية بيروت التي أودت بحياة الشاب جورج أبو ماضي، وعملت على توقيف عدد من المشتبه بعلاقتهم فيها وبدأت تحقيقات مكثفة معهم لكشف ملابسات الجريمة، نجحت القوى السياسية على ضفتي الأكثرية والمعارضة في تطويق ذيول الحادثة وتداعياتها، إضافة إلى حادثة إطلاق ثلاث قذائف صاروخية على منطقة جبل محسن العلوية في مدينة طرابلس (في شمال لبنان)، وسقوط عشرة جرحى، من خلال الإجماع على أن الأولى مجرد حادث فردي لا خلفيات سياسية له، ورفع الغطاء عن كل من يثبت التحقيق ضلوعه فيه، والتمسك بفرض الأمن في طرابلس وإقفال الأبواب في وجه أي فتنة.

فعلى صعيد التحقيقات كلف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر مديرية المخابرات في الجيش اللبناني التوسع في التحقيق مع أربعة موقوفين في حادثة عين الرمانة، والاستماع إلى الشهود الذين يقتضي التحقيق إحضارهم في ضوء إفادات الموقوفين.

وأفاد مصدر قضائي مطلع أن «عدد الموقوفين لم يتعدّ أربعة أشخاص، وأن بقية المستمع إليهم والمستجوبين هم شهود»، مؤكدا أن التحقيق «متواصل حتى معرفة كل الملابسات المحيطة بالحادث وتحديد هوية قاتلي الشاب جورج أبو ماضي وإحالتهم إلى القضاء». وأشار إلى أن «الموقوفين على ذمة التحقيق قدموا معلومات تفيد هذا التحقيق الذي ستتضح معالمه خلال الساعات المقبلة».

وفي هذا السياق شدد وزير العدل إبراهيم نجار على «وجوب اعتماد السرعة والحزم في التحقيقات في حادثة عين الرمانة التي أدت إلى مقتل الشاب جورج أبو ماضي وجرح عدد آخر من المواطنين». وأكد أن «هذه التحقيقات لا تحتمل التأخير»، مشيرا إلى أن «أحدا من المتورطين في الحادث لا ينعم بأي تغطية سياسية من أي فريق».

وفي اتصال مع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، أبدى وزير العدل حرصه على «اقتلاع بذور الفتنة، إضافة إلى الضرورة القصوى لمعرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الحادث، وتحديدها في شكل وثيق، إذا تبين أن هناك أسبابا مختلفة عن تلك التي تم الإفصاح عنها في التحقيقات الأولية». بدوره أبلغ صقر وزير العدل أن «القضية هي مؤقتا من صلاحية المحكمة العسكرية، لأن مخابرات الجيش هي المولجة بإجراء التحقيقات، على أن تحال على المحاكم العدلية المختصة بعد القبض على الفاعلين والشركاء والمتورطين في الحادث».

وكانت قيادتا حركة أمل و«حزب الله» قد أدانتا في بيان مشترك «الحادث الأليم الذي وقع في منطقة عين الرمانة وذهب ضحيته المواطن جورج أبو ماضي»، ودعتا السلطات الأمنية والقضائية المختصة إلى «اتخاذ الإجراءات الكاملة لكشف تفاصيل الجريمة وتحقيق العدالة وحفظ أمن البلد». ورأت القيادتان «في الأبواق الكثيرة التي انطلقت لتنفخ باتجاه تأجيج النار الطائفية أمرا غرائزيا لا يصب في مصلحة الوطن ولا يعكس حقيقة ما جرى بما هو حادث فردي ليست له أي خلفيات طائفية أو مناطقية، بل إن المواقف التي تتسم بدرجة عالية من الشحن والتحريض سواء تلك التي صدرت عقب الحادثة أو قبلها، إنما تساهم في زرع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد وتخلق أجواء من النفور والاستنفار والتعبئة الطائفية». وجددت قيادتا حزب الله وحركة «أمل» دعوتهما الفرقاء كافة «لتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والوطنية والتحلي بأعلى درجات الوعي لتحصين الساحة وتعزيز العيش الواحد حفظا لمصالح الوطن وأهله».

واستنكر لقاء الأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية بشدة حادثة عين الرمانة، داعيا القضاء إلى «إنزال القصاص العادل بحق المرتكبين ليكونوا عبرة لغيرهم، ولمنع تكرار مثل هذه الحوادث التي تعكر مناخات الأمن والاستقرار، وتسيء إلى الوحدة الوطنية». كما أدان «بشدة الأصوات التي سارعت إلى استغلال هذه الحادثة وتوظيفها سياسيا».

وأشار حزب الكتلة الوطنية اللبنانية في بيان له إلى أن «الحادث الأمني الذي وقع في عين الرمانة والذي ذهب ضحيته شاب واعد، أظهر أن الاعتداءات تأخذ دائما مسارا واحدا من المربعات الأمنية باتجاه المناطق الأخرى، ولا أحد يقدر على الرد، لأن لتلك المربعات أمنها الخاص». واعتبر أن «هناك بلدين وحدودين، إحدى هاتين الحدودين مغلقة أمنيا، والحدود الأخرى سائبة»، سائلا: «هل يستطيع شباب عين الرمانة الدخول بدراجاتهم إلى مناطق الضاحية؟». ورأى أن «هذه الحادثة أتت نتيجة إضعاف معنويات الجيش والقوى الأمنية منذ حادثة مار مخايل، التي أتت لتقوية الميليشيات المسلحة التي بدأت تعتبر أن الإفلات من العقاب أصبح من المسلمات».

أما إطلاق قذائف صاروخية على منطقة بعل محسن في طرابلس، وتفجير قنبلة قرب جامع الناصري في باب التبانة، فحظيتا بمتابعة نواب طرابلس وشمال لبنان، فأبدى النائب أحمد فتفت اعتقاده «أن هناك اختلافا بين ما حصل في بعل محسن وما حصل في عين الرمانة، حيث اتخذ موضوع عين الرمانة طابعا أمنيا يستلزم أن يكون التقرير الأمني واضحا حوله، أما في طرابلس فالعملية استفزازية خطيرة قد يكون وراءها متضررون من التقارب السوري ـ السعودي أطلقوا ثلاث قذائف على بعل محسن».

وطالب بـ«أن تكون القوى الأمنية فاعلة وتحظى بمساندة شعبية، وأن لا نسمع أصواتا تشهّر بالقوى الأمنية التي لم تعط كل الإمكانات لتمكينها من السيطرة على الأرض في كل لبنان، وهذا ما يعمل عليه الرئيس (سعد) الحريري». وقال النائب رياض رحال: «نعتقد أن على القوى الأمنية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة اتخاذ القرار بأن أي شخص أو مؤسسة أو حزب أو تنظيم يفتعل مثل هذا الحادث الأمني سواء في بعل محسن أو عين الرمانة، يتم اعتقاله وتوقيفه ومحاكمته بتهديد النظام والانتظام العام في البلد ليحكم عليه بالسجن المؤبد».

من جهته قال النائب بدر ونوس: «إن ما حصل ضد منطقة بعل محسن من اعتداء سقط بنتيجته عدد من الجرحى لا يختلف أبدا عما حصل في بيروت بين منطقتي الشياح وعين الرمانة من خلاف اصطنع لإثارة الفتنة والنعرات. ويأتي الاعتداء على جبل محسن ليثير الفتنة التي اعتاد الأصوليون المتشددون على إشعالها حيثما وجدوا، فهذا دورهم وهذه مهمتهم التي يقومون بها بتكليف من الصهاينة».

واستنكر عضو كتلة «تيار المستقبل» النائب خضر حبيب «عودة حلقات التوتر الأمني ومسلسل التفجيرات إلى منطقتي جبل محسن والتبانة عبر إمطار هذه المناطق بوابل من القذائف والقنابل عند كل استحقاق أو فراغ سياسي». واستغرب «جهوزية بعض الأطراف عتادا وكثيرا لضرب الاستقرار الأمني في أي لحظة يختارونها». وقال: «يوما بعد يوم يتأكد لنا وجود أيادٍ إرهابية خفية تعمل من داخل الأقبية السوداء لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية لزعزة الوضع الأمني والسياسي، وقد جاء تفجير هذه المرة محاولة يائسة وفاشلة للتأثير على القمة السعودية السورية لإجهاض المصالحة العربية ـ العربية، لما لهذه المصالحة من تأثير إيجابي على تأليف الحكومة اللبنانية برئاسة النائب سعد الحريري». وإذ جدد ثقة الناس بالجيش وقوى الأمن الداخلي، دعا «القوى الأمنية لحسم الأمور عبر الضرب بيد من حديد».

وعلى الصعيد القضائي أرجأت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن نزار خليل إلى العاشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل محاكمة أربعة ضباط و16 عسكريا من الجيش اللبناني، في أحداث مار مخايل ـ الشياح التي وقعت في 28 يناير (كانون الثاني) 2008، وأدت إلى سقوط سبعة قتلى مدنيين في أثناء مواجهة بين متظاهرين والجيش اللبناني.