أعضاء المجالس المحلية في بغداد: الأميركيون تركونا بلا قوة.. والعراقيون ينبذوننا

بعضهم أكدوا أنهم سيطلبون اللجوء إلى أميركا

حسين شمة رئيس المجلس المحلي في مدينة الصدر ببغداد (واشنطن بوست)
TT

بعد أسابيع من الغزو الأميركي للعراق في ربيع عام 2003، في الوقت الذي كانت فيه أجزاء من العاصمة تشتعل، لجأ الجنود والدبلوماسيون الأميركيون إلى رجال مثل حسن شمة وعمر رحمن رحماني سعيا منهم إلى وضع بذور الديمقراطية.

وفي بغداد، عقدوا مؤتمرات سياسية مرتجلة في الأحياء لتعيين مجالس استشارية في الأحياء والمناطق. ولم تمنح تلك الأجهزة الحكومية المحلية أي ميثاق رسمي، أو سلطة تشريعية، أو ميزانية عامة. وفي الأعوام التالية، التي شهدت تحول العاصمة إلى ميدان معركة دامية وسقطت فيه البلاد فيما يشبه الفوضى، كان أعضاء تلك المجالس من بين أقوى حلفاء الجيش الأميركي. فكانوا يقدمون له معلومات عن الإرهابيين وعن المجتمع العراقي ويضفون على الإجراءات الأمنية التي يفرضها الأميركيون صبغة شرعية عراقية.

وفي الوقت الذي تنسحب فيه القوات الأميركية يقول الممثلون المحليون إنهم يشعرون بأنهم بلا قوة وأنهم منبوذون. ولم تتخذ الحكومة العراقية أي خطوات في سبيل إجراء انتخابات للمجالس، ويستبعد المجلس المحلي في بغداد من تلك المجالس الأعضاء الذين يعتبرهم غير مؤهلين أو غير مناسبين للعمل.

وينضم أعضاء تلك المجالس، الذين أصبحوا في الأعوام الأخيرة من أوائل المستهدفين من قبل الجماعات الإرهابية، إلى أعداد متزايدة من العراقيين الذين يشعرون بأن الانسحاب الأميركي الوشيك سيتركهم عاجزين ومعرضين للخطر.

ويقول شمة، رئيس مجلس منطقة مدينة الصدر: «لم أتوقع مطلقا أن نصل إلى تلك المرحلة. لقد تخلى عنا الجيش الأميركي والسفارة الأميركية. وبعد ستة أعوام من العمل بجهد كبير، أصبحنا بلا قيمة. وهم يطلقون علينا عملاء، جواسيس للأميركيين».

وتقول ندم نعيم، عضو مجلس مدينة الصدر، إن أيامها في العمل العام صارت معدودة. ولا تغادر السيدة الصغيرة، التي تعيش في الجزء الشمالي من ذلك الحي الشيعي الكبير، منزلها مطلقا دون مسدس أعطاه لها قائد فرقة أميركية سابق كان مسؤولا عن مدينة الصدر. وقالت في حوار هامس بعد اجتماع للمجلس عقد في الفترة الأخيرة نوقش خلاله الكثير ولكن لم يتحقق سوى القليل: «الوضع الأمني ليس مستقرا. وإذا غادر الأميركيون، سأطلب اللجوء. وحتى إذا لم أحصل على اللجوء، بالتأكيد لا يمكنني أن أظل هنا. فلدي الكثير من الأعداء لأنني أعمل مع الأميركيين».

وقد تشكلت تسعة مجالس للمناطق وما يزيد على 100 مجلس استشاري للأحياء على عجل في الوقت الذي كانت فيه الحكومة العراقية وقواتها الأمنية مفككة أو مصابة بالشلل. ووجد رحماني، وهو عراقي درس في بريطانيا ويعيش في حي الأعظمية في غرب بغداد، عملا كمترجم لدى القوات الأميركية وسريعا ما وصل إلى عضوية مجلس المنطقة. ويقول: «لم تكن لدينا الديمقراطية الكاملة. ولم تكن هناك وسائل إعلام أو كهرباء. ولكني قلت لنفسي: لا يهمني إن كان علي التعاون مع الشيطان، فيجب أن أعيد بناء بلادي».

وعلى مدار الأعوام الستة التالية، كان مسؤولو الجيش الأميركي يحضرون اجتماعات المجالس الاستشارية في المناطق والأحياء بانتظام. وكانوا يلتمسون المعلومات من أعضاء المجالس عند توزيع مليارات الدولارات في صناديق إعادة الإعمار. وجعلهم القادة الأميركيون يتصدرون العناوين الرئيسية في مناسبات افتتاح المشروعات التي يمولها ويشرف عليها الأميركيون. وفتح أعضاء المجالس نافذة أمام الجنود الأميركيين للتعرف على الديناميكيات المتغيرة في أحياء بغداد، التي أصبح العديد منها واقعا تحت حصار المتمردين من السنة والميليشيات الشيعية.

وفي الأحياء التي تسكنها أغلبية سنية مثل الأعظمية، والتي أصبحت مهملة إلى حد كبير في الأعوام الأخيرة من جهة الحكومتين الوطنية والمحلية اللتين يسودهما الشيعة، كان القادة الأميركيون مؤيدين ووسطاء، حيث كانوا يجبرون مسؤولي المجلس المحلي والوزارات على التعامل مع المشاكل التي يذكرها أعضاء المجالس الاستشارية. ويقول رحماني: «اعتادوا حضور اجتماعاتنا، وكانت كافة السلطات في أيديهم. وحاليا ليست لدينا أي سلطة».

وقد زار رحماني البيت الأبيض في عهد بوش في العام الماضي في وفد من الساسة العراقيين المحليين. وعندما حان الدور عليه ليصافح جورج بوش، كما يروي، قال للرئيس إن الديمقراطية في العراق ليست متأصلة. وقال رحماني إنه قال لبوش أيضا إن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي والمجلس المحلي في بغداد، وتقودهما أيضا أغلبية شيعية، يبدوان غير مهتمين بالعمل مع مجالس الأحياء.

وتقع مجالس المناطق والمجالس الاستشارية شكليا تحت سيطرة المجلس المحلي في بغداد، والذي اتخذ رئيسه في الشهور الأخيرة خطوات من أجل حل بعض المجالس وأمر بإجراء مراجعة لتحديد عدد الأعضاء غير المؤهلين. وقال كامل الزيدي، رئيس المجلس المحلي في بغداد، إن المجالس الاستشارية المحلية تعاني من نقص المواهب لأن معظم السكان المؤهلين قد هربوا من البلاد في بداية الحرب. وقال في مقابلة معه: «لقد تشكلت تلك المجالس على عجل بعد انهيار النظام».

ويوجد الكثير من الأعضاء الذين اختارهم الأميركيون من الأميين والذين يعملون في وظائف بدوام كامل خارج مهام عملهم في المجالس، على حد قول الزيدي الذي ينتمي إلى قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي السياسية، التي تعرف باسم دولة القانون.

وقال دبلوماسي أميركي رفيع المستوى عمل مع العديد من المجالس إن بعض الأعضاء أعربوا عن خيبة أملهم، في الوقت الذي ينسحب فيه الجيش الأميركي من السياسة المحلية في بغداد. وقال المسؤول، الذي اشترط عدم ذكر اسمه كما هو الحال في معظم المقابلات مع الدبلوماسيين الأميركيين: «لم يعد وجودي في مكان ما يمثل مساعدة ممكنة. ومن الغريب أن يعتقد الناس في بغداد أننا سنظل هنا إلى أجل غير مسمى».

وقال شمة إنه يريد الحصول على حق اللجوء السياسي إلى الولايات المتحدة. وقال وهو يجلس خلف مكتبه الخشبي في مبنى المجلس الذي أعاد الأميركيون ترميمه، إنه لا يجد رجاء في أن تحافظ القوات العراقية على السلام عندما ينسحب الأميركيون. وأضاف: «في الوقت الحالي، تنتظر الميليشيات خلف الجدران، وعندما يعرفون أن الأميركيين غادروا المدينة، سيعودون ويلتهمون الجيش العراقي».

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»