مظاهرات تعم يريفان.. عشية استعداد الحكومة الأرمينية للتوقيع على اتفاق تقارب تاريخي مع تركيا

دعوا حكومتهم لعدم التنازل عن حقوقهم للأتراك

TT

في وقت تستعد تركيا وأرمينيا للتوقيع على سلسلة من البروتوكولات التاريخية في مدينة زيوريخ الألمانية اليوم، من شأنها إفساح الطريق أمام إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد عقود من العداء، تظاهر آلاف الأرمن في العاصمة يريفان أمس احتجاجا على نية الحكومة توقيع الاتفاقية.

وقالت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية، إن المتظاهرين الذين بلغ عددهم عشرة آلاف شخص رفعوا لافتات كتب عليها «لا تنازلات للأتراك». وتوجه المتظاهرون إلى وسط العاصمة وتحديدا إلى النصب التكريمي لضحايا المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن إبان السلطنة العثمانية. ومن المقرر أن توقع تركيا وأرمينيا اليوم بوساطة سويسرية اتفاقات تاريخية تهدف إلى تطبيع العلاقات الثنائية. وفي وثيقة سلموها إلى الرئاسة الأرمينية، دعا المتظاهرون الرئيس سيرج سركيسيان إلى عدم توقيع تلك الاتفاقات بالأحرف الأولى.

وأوردت الوثيقة أن «هذه البروتوكولات تتضمن عناصر بالغة الخطورة على أمتنا ودولتنا، تهدد مصالحنا». وأضافت أن الرئيس «سيحمل مسؤولية تداعيات» هذا التوقيع. وقال أحد المتظاهرين فاغيناك يرانيان «من العار ألا تستمع حكومتنا ورئيسنا إلى إرادة الشعب». وأضاف الرجل الستيني «لن نوقف معركتنا، حتى لو وقعوا بروتوكولات غدا أو بعد غد. إذا استمر رئيسنا في سلوكه هذا فسنجبره على الاستقالة».

وتم تنظيم المظاهرة بدعوة من أحزاب معارضة عدة بينها الاتحاد الأرميني الثوري الذي كان انسحب هذا العام من الائتلاف الحاكم إثر خلافات في شأن عملية المصالحة مع تركيا. وبعد توقيعها، تتطلب البروتوكولات مصادقة برلماني البلدين عليها. ورغم الاعتراضات، أعلن الائتلاف الحاكم في البرلمان الأرميني أنه يؤيد الحكومة، مما يضمن المصادقة على الاتفاقات من دون معوقات.

وقد يمثل هذا التوقيع نقطة تحول لمنطقة القوقاز المضطربة، غير أن الخبراء يحذرون من عقبات خطيرة تقف حقيقة في طريق إعادة فتح الحدود بين البلدين. وكانت أنقرة ويريفان قطعتا العلاقات بينهما في عام 1993، عندما أغلقت تركيا حدودها مع أرمينيا بعد غزو الأخيرة إقليم ناغورنوكاراباخ في أذربيجان. غير أن العداء بين البلدين يرجع إلى ما قبل ذلك بعقود، لما تسميه أرمينيا بـ«الإبادة الجماعية» بحق ما يقدر بنحو 1.5 مليون أرميني في ظل عهد الأتراك العثمانيين إبان الحرب العالمية الأولى.

وتصر تركيا على أن ما يقرب من 200 ألف فقط لقوا حتفهم، وترفض بشدة أي اتهامات لها بالإبادة الجماعية. وبينما تعترف أنقرة بحدوث عمليات القتل، فإنها تقول إن تلك العمليات لا تمثل «إبادة جماعية»، بل جاءت نتيجة لانتفاضة مدنية عندما تعاون الأرمن مع الروس خلال الغزو الروسي لتركيا العثمانية.

وتدعو البروتوكولات المنتظر توقيعها إلى تجديد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإعادة فتح الحدود المشتركة بينهما، وتشكيل لجنة للتحقيق في الأحداث التي جرت إبان الحرب العالمية الأولى.

ويشير بعض المحللين إلى أن المشكلة الوحيدة تكمن في أن البروتوكولات لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد تصديق البرلمانين الأرميني والتركي عليها. غير أن المعارضة المحلية في كلا البلدين قد تقف في طريق هذا التصديق. وتقول أماندا أكاكوغا، وهي خبيرة تركية في مركز السياسة الأوروبية الذي يتخذ من بروكسل مقرا له: «إن الطريق إلى إعادة العلاقات التركية الأرمينية تعترضه صعاب كثيرة». وأضافت لوكالة الأنباء الألمانية: «إن توقيعها (البروتوكولات) ليس كالتصديق عليها في البرلمان.. سيكون ذلك (التصديق) هو الجزء الصعب».

وفي تركيا، ربما تقف قضية إقليم ناغورنوكاراباخ في طريق التصديق على البروتوكولات، حيث إن تركيا هي الحليف الأقوى لأذربيجان، وقد فرضت أنقرة حصارا اقتصاديا على أرمينيا في عام 1993 لدعم جهود باكو بشأن استعادة سيطرتها على كاراباخ. وفي كلمة ألقاها أمام برلمان أذربيجان في 14 مايو (أيار) الماضي، صرح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بأنه «لن يتم فتح الحدود بين تركيا وأرمينيا إلا بعد التحرير الكامل للأراضي المحتلة في أذربيجان».

ورغم أن تلك البروتوكولات التي طرحت مؤخرا لم تذكر رابطا بين تطبيع العلاقات التركية الأرمينية وعملية السلام الخاصة بإقليم ناغورنوكاراباخ، حذر برلمانيون من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا من صعوبة تمرير تلك البروتوكولات ما لم يتم إحراز تقدم في هذه القضية.

وفي السياق ذاته، اضطرت الحكومة الأرمينية إلى مواجهة معارضة شديدة للاتفاق مع تركيا على الصعيد المحلي ومن جانب رعاياها بالخارج. وفي رد فعل منه على ذلك، بدأ الرئيس الأرميني سيرجي ساركسيان جولة عبر القارات تستمر لمدة أسبوع بهدف حشد الدعم للاتفاق مع تركيا، بيد أن جماعات أرمينية في فرنسا والولايات المتحدة ولبنان لا تزال تنظم احتجاجات ضد البروتوكولات.