عالم آثار إسرائيلي لـ«الشرق الأوسط»: لا خطر على الأقصى وإبعاد الخبراء المسلمين عن الحفريات يثير الشبهات

قال: مشكلتنا هي أن المتطرفين من الجانبين هم الذين يسيطرون على الشارع المقدسي

صبي فلسطيني يتحدى جنديا اسرائيليا خلال مواجهات في «يوم الغضب الفلسطيني»، امس (ا ف ب)
TT

دعا عالم الآثار الإسرائيلي، مئير بن دوف، حكومة إسرائيل إلى فتح الأنفاق التي حفرتها تحت الحي الإسلامي في القدس القديمة وسائر منطقة الحرم الشريف أمام خبراء فلسطينيين ومسلمين آخرين، حتى تنزع فتيل التوتر من هذه البلدة التي تضم مجموعة من أقدس مقدسات اليهود والمسلمين والمسيحيين. وقال بن دوف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، انه من خلال عمله لنحو ثلاثين سنة في اكتشاف الآثار القديمة في القدس الشرقية، مقتنع تماما بأن الحفريات تتم بطريقة لا يمكن أن تهدد أساسات المسجد الأقصى المبارك. ولذلك فهو يستغرب تصرفات الحكومة الإسرائيلية وامتناعها عن القيام بإجراءات مطمئنة للمسلمين. وأضاف ردا على سؤال: «أنا أقول بكل مسؤولية إنني لا أعتقد أن إسرائيل يمكن أن تسمح بانهيار المسجد. لكنني أستهجن إصرار أوساط إسرائيلية غير رسمية، ولكن مدعومة بأوساط رسمية، في إجراء حفريات بهذه الكمية الضخمة تحت القدس. على كل حال، على حكومتنا أن تعرف أنها بمنعها مشاركة الخبراء المسلمين، في المعلومات حول هذه الحفريات ونتائجها، تخلق شبهات بأنها تنفذ أعمالا غير قانونية وغير أخلاقية بتلك الأماكن المقدسة».

وانضم إلى هذا الرأي الكاتب والصحافي، يهودا ليطاني، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن الحفريات تحت القدس القديمة تستهدف البحث عن آثار يهودية. وقال إن سلطة الآثار الإسرائيلية تعمل في السنوات الأخيرة لصالح تنظيم استيطاني يميني وليس في مهمة رسمية للدولة. وهذا التنظيم يحاول جاهدا العثور على آثار يهودية. ولكن هذه الحفريات مراقبة من أعلى سلطات في الدولة. وأنا أعرف من المصدر الأول أن «الشاباك» (جهاز المخابرات العامة) يقيم دائرة خاصة في الجهاز مهمتها منع إلحاق أي أذى بالأقصى. ولذلك، فإنني أستغرب لماذا تصمت الحكومة إزاء الاتهامات الموجهة لإسرائيل من الطرف الفلسطيني. فتترك الساحة للمتطرفين المسلمين حتى يتهمونا بتدنيس وتهديد المقدسات الإسلامية ويشعلوا نار الصدام هنا ويحرضوا العالم كله ضدنا. فلو لم أكن واثقا أنها حكومة ضعيفة أمام المتطرفين مثل سابقاتها من الحكومات الإسرائيلية، لكنت قلت إنها معنية بمثل هذا التفجير». يذكر أن التوتر في القدس خلال الأسبوعين الماضيين نشأ، كما أعلن قائد شرطة القدس، فرانكو، عقب إعلان مجموعات متطرفة الإزماع على دخول الحرم القدسي خلال عيد العرش وإرسال ممثلين عنهم لدراسة المكان. وردت الحركة الإسلامية في إسرائيل بقيادة الشيخ رائد صلاح بتجنيد آلاف المصلين للاعتكاف في الحرم، تحت عنوان «الأقصى في خطر». وبدأت الشرطة الإسرائيلية تستعد لمواجهة «خطر انفجار انتفاضة ثالثة»، فراحت تقمع المحتجين. بينهم الشيخ صلاح نفسه، الذي قررت محكمة إبعاده عن القدس لثلاثين يوما.

ومر «يوم الغضب»، بسلام نسبيا، بسبب أصوات التهدئة التي صدرت عن رجال دين يهود ومسلمين. لكن قضية القدس وما يجري فيها، بقيت عالقة. ويقول مئير بن دوف، إن «القدس مدينة مميزة، لا يوجد لمكانتها مثيل في العالم. ويفترض أن تكون سببا في تحقيق السلام، كونها ملتقى الديانات الثلاث. ولكن يوجد في الطرفين متطرفون يسيطرون مجانين يتحكمون بمصائرنا. بعضهم شيوخ وحاخامات وبعضهم سياسيون وجنرالات. كل يحاول الشد إلى طرفه. المتطرفون اليهود يحاولون تشويه التاريخ فيقولون بنكران الوجود الفلسطيني في المدينة وان مقدسات المسلمين في مكة ومقدسات المسيحيين ببيت لحم والقدس لليهود فقط. ويزعمون أن قبة الصخرة مبنية مكان الهيكل اليهودي الثاني. وهذا ببساطة غير صحيح وتشويه للحقيقة ولا يستند إلى أي شيء علمي. فكل الأبحاث والحفريات تؤكد أن الهيكل لم يكن مكان الصخرة وبالطبع لا يمكن أن يكون تحت الأقصى، بل إلى الجنوب الغربي منهما. ولا أحد يستطيع أن يحدد مكان الهيكل بدقة. وبالمقابل، تجد المتطرفين المسلمين ينكرون وجود الهيكل تماما وينكرون الوجود اليهودي في القدس، مع أن القرآن الكريم نفسه يتحدث عن بيت المقدس، ويقول إن الله عاقب اليهود على انحرافهم فهدم لهم بيت المقدس».

ويقول ليطاني إن «إثارة التوتر حول القدس هو مسألة سياسية. فالأماكن المقدسة لا تعاني من خطر، ولكن السياسيين الذين يستخدمون الدين أداة في معاركهم الحزبية والشخصية وربما الاقتصادية أيضا، سواء أكانوا يهودا أو مسلمين، يحاولون إلهاءنا في القضايا الدينية حتى ننسى القضية السياسية. فاليمين الإسرائيلي المتطرف يريد بالأساس الاستيطان في القدس وتهويد أكبر رقعة فيها. والحركة الإسلامية، تريد بالأساس إفشال مفاوضات السلام. وكما تلاحظ، فإن الصدام الذي يقودان إليه يخدم مصالح كليهما. لكن من يدفع ثمنه هم أبناؤنا وأبناؤكم». ويضيف مئير بن دوف سببا آخر، فيقول إن غالبية الحفريات تحت القدس والأبحاث الأثرية فوق الأرض أيضا كشفت آثارا عربية. ففي القدس مر الكثير من الشعوب، كل منها ترك أثرا ما. وآخر هذه الشعوب هم العرب، الذين تركوا أكبر آثار. فربما تمتنع إسرائيل عن فتح الباب أمام زيارات خبراء عرب حتى لا يكتشفوا هذا الكم الكبير من الآثار العربية.