الجيش الأميركي يخصص سدس قوته في العراق لمواجهة تحديات الانسحاب

المهمة تتضمن تفكيك 300 قاعدة.. وشحن 1.5 مليون قطعة من المعدات

صندوق شحن بداخله معدات عسكرية أميركية يوضع على متن شاحنة في قاعدة بلد شمال بغداد («نيويورك تايمز»)
TT

تتمثل أبرز المؤشرات على أن الولايات المتحدة تعمد إلى ترك حرب العراق وراء ظهرها في جهودها الهائلة لسحب أبنائها العاملين تحت لوائها من البلاد. وقد خصصت واشنطن 20 ألف جندي، ما يقرب من سدس القوة المتمركزة هنا، للجهود اللوجستية الرامية لتفكيك حوالي 300 قاعدة وشحن حوالي 1.5 مليون قطعة من المعدات، تتنوع بين دبابات وأجهزة إعداد القهوة، إلى أرض الوطن. وأكدت المؤسسة العسكرية أن هذه الجهود تعد أضخم حركة نقل لجنود ومعدات على مدار أكثر من أربعة عقود. والمؤكد أن هذا الانسحاب يشكل مهمة بالغة الجسامة، إلا أنها تزداد تعقيدا جراء الهجمات التي تشنها حركة تمرد لا تزال نشطة حتى الآن، والحساسيات التي تبديها الحكومة العراقية إزاء الوجود العسكري الأميركي الواضح، والخلافات مع الجانب العراقي حول المهام التي سيضطلع بها الأخير وتحديد المعدات اللازمة على نحو عاجل في أفغانستان. ويتحتم على الجيش توفير الإمدادات اللازمة لقواته الراهنة البالغة قرابة 124 ألف جندي في مختلف أرجاء البلاد، من وقود وطعام وإمدادات أخرى ضرورية، مع تحديد ما ستتركه القوات المنسحبة وراءها لـ50 ألف جندي سيبقون في العراق للاضطلاع بدور يغلب عليه الطابع الاستشاري حتى عام 2011. ويقول البريجادير جنرال بول إل. وينتز، قائد القوات اللوجستية التابعة للجيش «إن الأمر لغز حقيقي». وانتهت المؤسسة العسكرية بوجه عام من تحديد المواد التي لم تعد ذات ضرورة وشرعت في نقلها إلى خارج العراق، في بعض الحالات إلى أفغانستان. على سبيل المثال، هناك حاجة ماسة في أفغانستان إلى العوائق والذخائر والحواجز التي جرى استخدامها في الحماية ضد تفجيرات السيارات المفخخة. وأوضح القادة العسكريون أنه مع تفكيك القواعد العسكرية في العراق، باتت تلك جزءا من المواد التي يجري إرسالها للقوات المقاتلة في أفغانستان. وفي أغسطس (آب)، جرى شحن حوالي 3 آلاف حاوية شحن و2000 مركبة إلى خارج العراق. وأشار الجنرال وينتز إلى أنه «عند رحيل الفرق المقاتلة، أود أن أكون في وضع لا يحتم علي التعامل مع كميات مفرطة من المعدات والمواد في ذات الوقت». من ناحية أخرى، وداخل قاعة مؤتمرات هنا في القاعدة، يعكف عشرات الجنود على مراقبة تحركات كل شاحنة أميركية في البلاد على شاشتين مسطحتين كبيرتين، اعتمادا على تقنية تحديد المواقع واتصالات راديو، إضافة إلى حصولهم على معلومات فورية عن الهجمات التي تقع وتقدم القوافل العسكرية. بوجه عام، يجري التخطيط لجميع التحركات قبلها بحوالي 96 ساعة لتوفير وقت مناسب للتدريب عليها وإدخال التعديلات اللازمة. ومع تسارع وتيرة الانسحاب، يجب أن تعمل المؤسسة العسكرية الأميركية على تخفيف حدة قلق السياسيين العراقيين الراغبين في الحد من ظهور القوات الأميركية، بحيث يجري تنفيذ غالبية المهام ليلا تحت جنح الظلام. من جهتهم، يأمل الأميركيون في أنه بحلول الربيع القادم، سيكونون قد شرعوا في العمل بناء على نظام يتألف من ستة قواعد بالغة الضخامة و13 قاعدة أصغر. إلا أن تضاؤل أعداد القواعد يعني التنقل لمسافات أطول، مما يخلق بالتالي مخاطر أكبر. وبمرور الوقت اتضح أن تسليم القواعد الأميركية السابقة للعراقيين وتحديد ما ينبغي تركه لهم كان من بين أكبر التحديات أمام القوات الأميركية. وحتى مايو (أيار)، لم يكن هناك نظام يوضح الجهة التي تعود إليها ملكية المناطق التي أقامت فيها واشنطن قواعد عسكرية. وأدى ذلك إلى مشاهد على غرار ما حدث في «فورورد أوبريتنغ بيس وارهورس»، حيث ظهر قائد عراقي محلي مطالبا بقائمة بالمواد التي لا ينوي الأميركيون تسليمها للعراقيين. وعليه، جرى تشكيل لجان تضم مسؤولين عراقيين وأميركيين الربيع الماضي لتسوية بعض من هذه القضايا. من جهته، حدد الكونغرس إجمالي قيمة المعدات ـ مثل أجهزة الحاسب الآلي والأثاث ـ التي يمكن للقوات العسكرية تركها للعراقيين بحوالي 15 مليون دولار للقاعدة الواحدة، لكن هذا المبلغ لا يشمل المواد التي تعد جزءا من البنية التحتية، مثل المباني ومواسير الصرف ومنشآت الطاقة. إلى جانب ذلك، من الصعب تقدير قيمة بعض الاستثمارات الأميركية نظرا لأن التكاليف المبدئية تضخمت جراء المصروفات الضخمة الموجهة إلى الجانب الأمني. وأعرب القادة العسكريون عن اعتقادهم بأنه في أغلب الأحوال يكون من الأفضل، من حيث التكلفة الاقتصادية، تسليم مزيد من المعدات إلى العراقيين نظرا للارتفاع البالغ للنقل. الشهر الماضي، أعلنت المؤسسة العسكرية إنهاء عمليات الاحتجاز الخاصة بها في معسكر بوكا على الحدود الكويتية، وأشارت أنها ستترك للعراقيين بنية تحتية ومعدات بقيمة 50 مليون دولار. إضافة إلى ذلك، توصلت واشنطن لاتفاق مع شبكة نقل عراقية تعتمد على الشاحنات، يترأسها ائتلاف من شيوخ قبليين، لنقل معدات تعدها المؤسسة العسكرية غير حساسة بين القواعد. وحاليا، ينقل سائقو الشاحنات حوالي 3% من جميع المواد الأميركية هنا، حسبما أوضح القادة. كما أكد القادة العسكريون أنهم يراقبون من كثب انتخابات يناير (كانون الثاني) للتعرف على إلى أي مدى يمكن الاعتماد على قوات الأمن العراقية والتوجه الذي تتحرك نحوه البلاد. لكن بالنسبة لمخططي الانسحاب، لم يعد الوقت المتبقي يسمح برفاهية الانتظار. وفي هذا الصدد، قالت البريجادير جنرال هايدي براون، نائب القائد المشرف على الانسحاب: «لا يمكننا الانتظار لفرصة كبرى. هذا الانتظار لا يمنحنا مرونة، وإنما يقيدنا».

* خدمة: «نيويورك تايمز»