نائب رئيس «التجمع الوطني»: الجنوب صار دولة يدير شؤونه من دون تدخل من الخرطوم

عبد الرحمن سعيد لـ«الشرق الأوسط»: الحركة الشعبية فشلت في إدارة الجنوب.. ونتائج الاستفتاء ستفاجئ الجميع

TT

قال نائب رئيس التجمع الوطني (تجمع المعارضة) الفريق عبد الرحمن سعيد، إن الجنوب تحت حكم الحركة الشعبية لتحرير السودان، بات أقرب إلى الانفصال عن الشمال وتكوين دولة، مشيرا إلى أن سياسات الحركة الشعبية فشلت في جعل الوحدة جاذبة، كما دعت إليها نصوص اتفاقية السلام التي وقعت عام 2005، وأنهت عقدين من الحرب الأهلية.

وقال سعيد، الذي يتولى حاليا وزارة «الحكم الاتحادي»، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن وزارته لا تمارس أي صلاحيات في الولايات الجنوبية العشر، إلا عبر حكومة الجنوب، أو رئاسة الجمهورية، ملمحا إلى أن الجنوب بات مثل دولة منفصلة، «يتولى الآن إدارة شؤونه كافة من دون تدخل من الخرطوم». وكشف سعيد عن أن رئيس التجمع محمد عثمان الميرغني أبلغ شريكي اتفاقية السلام (المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير والحركة الشعبية بزعامة نائب الرئيس سلفا كير) في نيروبي قبل توقيع السلام، بأن التجمع مع إحلال السلام الشامل ويدعم جهودهما «ولكنهما غير مفوضين» في تقرير مصير السودان كله، وطالبهما بإشراك القوى السياسية في القضايا الرئيسية. وانتقد سعيد مؤتمر جوبا الذي رعته الحركة الشعبية، وشاركت فيه فصائل شمالية معارضة، وقال إنه تجاهل قضيتي تقرير المصير ووحدة السودان، ولم يعطهما الاهتمام المطلوب، وقال إنه لم ينجح كذلك في تعميق الفرقة بين الشريكين، كما كانت تسعى بعض القوى، «بدليل أن قيادات الحركة الشعبية حرصت على الحضور والمشاركة في المؤتمر العام للمؤتمر الوطني حيث أكدت الالتزام بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل». وكشف أن التجمع الوطني إبان نشاطه في الخارج تلقى دعما ماليا من الولايات المتحدة، وصفه بأنه أمر غير موفق وأن التجمع نادم عليه.

* كيف يجري التعامل بين وزارة الحكم الاتحادي وبين الجنوب ؟ وهل الجنوب دولة أم ولايات؟

ـ هذه الوزارة (الحكم الاتحادي) على الرغم من أهميتها ومسؤولياتها المتعددة مع ولايات السودان، ليس لها علاقة مباشرة مع ولايات الجنوب العشر، الوزارة تتعامل مع 15 ولاية في الشمال، وتنسق بين شؤونها وتتابع ما يجري فيها وهو أمر لا ينعكس في التعامل مع ولايات الجنوب. أما عن سؤالك هل الجنوب دولة أم ولايات؟ فأقول إن الجنوب يتولى الآن إدارة شؤونه كافة من دون تدخل لا من الحكومة الاتحادية، ولا من وزارة الحكم الاتحادي، ولا توجد صلة مباشرة معه إلا عبر حكومة الجنوب أو رئاسة الجمهورية.

* كيف يجري التعاون أو التنسيق إذا ما استلزم أمر ما التشاور والتعاون المشترك؟ ـ لا توجد علاقة عمل ولا تنسيق مباشرة، لا مع وزارة الحكم الاتحادي ولا مع الولايات في الشمال إلا بقدر ضئيل، وهذا ما نص عليه الدستور المؤقت لعام 2005. وإذا اقتضى الأمر فالوزارة تجري اتصالها عبر حكومة الجنوب أو رئاسة الجمهورية. هذه الصيغة الاستقلالية نصت عليها اتفاقيات نيفاشا بحسبان أن اتفاقية السلام الشامل أقرت الحكم الفيدرالي للسودان.

* ما تأثير هذا الشكل من الحكم في الجنوب على الأقاليم الأخرى في السودان؟ ـ بالطبع إن نموذج الحكم القائم الآن في الجنوب دفع أقاليم، منها دارفور، إلى طلب الأخذ به وليس الأخذ بنظام الحكم الولائي في الشمال الذي يتمتع بصلاحياته، ولكن في إطار التنسيق مع الولايات وبإشراف الحكم الاتحادي.

* هل تعتبر هذه الصيغة عملية لإدارة السودان؟

ـ من خلال تجربتي، فإن الوضع الأفضل للحكم الفيدرالي أن يركز على قيام حكومات إقليمية، عوضا عن حكومات ولائية، فبدلا من عشرات الحكومات الولائية في الشمال مثلا تكون هناك حكومات إقليمية أقل، وكذا الحال في الجنوب. هذا النوع يسهل على الحكم المركزي الإشراف والتنسيق والتعاون والمتابعة.

* هل تعتقد أن الوضع الحالي في الجنوب يؤدي إلى وحدة جاذبة بين الشمال والجنوب؟

ـ أستطيع القول وعبر المتابعة المباشرة، إنه وضح تماما أن أسلوب الحكم الآن في جنوب السودان لا يميل إلى جعل الوحدة جاذبة. وللأسف فإننا تجاوزنا الآن أكثر من ثلثي الفترة الانتقالية وهي ست سنوات، ولم تظهر خلالها أي بوادر بأن السياسات المتبعة من جانب حكومة الجنوب تدعو إلى وحدة جاذبة.

* هل توجد سابقة دولية لإجراء تقرير مصير في منطقة أو إقليم في بلد نال استقلاله واعترفت الأمم المتحدة بحدوده؟

ـ حسب علمي ومتابعتي لا يوجد سابقة لإجراء استفتاء ينص عليه الدستور في بلد أو دولة مستقلة، ولكن لاعتبارات كثيرة اكتنفت المفاوضات بين الطرفين، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، في نيفاشا وربما للحرص الشديد على وقف الحرب وإحلال السلام جاءت الاستجابة لمطلب الحركة الشعبية في تقرير المصير ولكن مع إلزام والتزام بالعمل على وحدة جاذبة في حالة الاستفتاء على تقرير المصير، ولكن هذا النص الخاص بتقرير المصير مخالف للمواثيق الإقليمية والدولية.

* هل تعتقد في إطار هذه الظروف والصلاحيات التي كفلتها اتفاقية السلام الشامل للجنوب أن الانفصال أصبح أمرا حتميا؟ ـ أعتقد أن العناصر التي ترغب في الوصول إلى انفصال للجنوب عن الشمال أو تدعو له ستواجه موقفا مفاجئا، لأن أغلبية المواطنين داخل الجنوب لا يعرفون غير السودان، وأعتقد أن المواطنين الجنوبيين الذين يعيشون في ولايات الشمال، إلى جانب المواطنين في خارج السودان في حالة إجراء الاستفتاء وتقرير المصير في مطلع 2011 سيقترعون لصالح الوحدة الطوعية مع الشمال. وأذكر بأن الحركة الشعبية أو بعض قياداتها طلبوا أن يقتصر إجراء الاستفتاء على الجنوبيين في الداخل وليس المواطنين الموجودين في الشمال أو الجنوبيين في الخارج، ولكن هذا المطلب تراجع وأصبح من حق المواطن الجنوبي في الجنوب أو الشمال أو في الخارج المشاركة في استفتاء تقرير المصير.

* بوصفك نائبا لرئيس التجمع الوطني، هل ترى أن الحركة الشعبية لا تزال عضوا فاعلا في التجمع؟

ـ لا أعتقد أن الحركة الشعبية أضحت عضوا فاعلا في التجمع الوطني لعدة أسباب، فالصلة انقطعت إلى حد كبير بين الحركة والتجمع منذ مطلع 2005، أي بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل في 9 يناير (كانون الأول) 2005 في نيروبي، وقد دعونا الحركة الشعبية للمشاركة في اجتماعات مهمة للتجمع، وكانت الاستجابة ضعيفة جدا. وأذكر أنه عندما طرح على التجمع الوطني المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية ودعينا لاجتماع في أسمرة للبت في الأمر طلبنا من الحركة الشعبية باعتبارها جزءا من التجمع وجاء الرد سلبيا، وقالت (الحركة) إنها لن تجلس مع المعارضة (أي مع التجمع الوطني) الذي كانت عضوا فاعلا فيه، كما أن الحركة الشعبية خرقت اتفاقا استهدف مشاركة التجمع الوطني (معها) في مفاوضات نيفاشا ولكنها فضلت التفاوض بمفردها مع المؤتمر الوطني في نيفاشا.

* وكيف كان موقف التجمع الوطني؟

ـ أحب أن أسجل أن رئيس التجمع الوطني محمد عثمان الميرغني قرر الذهاب إلى نيفاشا، والتقى برئيسي الوفدين المتفاوضين النائب الأول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه وزعيم الحركة الشعبية جون قرنق، وأبلغهما أنه لم يأت للمشاركة وإنما لإبلاغ رسالة لكليهما، وهى أن التجمع الوطني مع وقف الحرب وإحلال السلام الشامل، وأنه يؤيد الجهود كافة لتحقيق الهدف المطلوب، ولكن لا يعني هذا أن للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية الحق والبت في تقرير مصير السودان كله، وأنه لا بد من إشراك القوى الوطنية والسياسية كافة في القضايا الرئيسية. لأن السودان هو ملك لكل أهل السودان وهم أصحاب الحق في اتخاذ القرار والمشاركة التامة والكاملة.

* التجمع الوطني قائم أم انتهى دوره بعد خروج حزب الأمة وتجميد الحركة الشعبية؟ ـ التجمع لم ينته دوره، ولكنه ليس في أحسن حالاته، والجهود مستمرة ليكون فاعلا ومؤثرا بها، ولا تزال هنالك مهام وطنية كبيرة يتعين الاضطلاع بها حاليا ومستقبلا لتأمين مصالح الوطن وحمايته من المهددات كافة.

* كيف يسير أمر تنفيذ اتفاقية القاهرة بين التجمع الوطني والمؤتمر الوطني؟ ـ هناك ما يشبه الجمود فيما يتعلق بتطبيق اتفاقية القاهرة، ولكن استؤنفت لقاءات واجتماعات جادة مع المؤتمر الوطني لحسم القضايا كافة وأهمها التحول الديمقراطي، ورد المظالم، والقوانين المقيدة للحريات، وإنصاف المفصولين تعسفيا. وهذه القضايا يتبناها التجمع الوطني باعتبارها تهم شعب السودان كله، والتجمع أشد ما يكون حرصا على الوصول إلى نتائج إيجابية وبتنفيذ ما تم التوصل إليه.

* ما موقف التجمع الوطني من إجراء الانتخابات العامة في موعدها في أبريل (نيسان) المقبل؟ ـ نحن أشد ما نكون حرصا على إجراء الانتخابات والمشاركة فيها في إطار الحرص على التحول الديمقراطي وضمانات السلامة والتأمين والشفافية والحيدة التامة لدى إجراء الانتخابات.