«نوبل» للسلام تثير مفاجأة باختيار أوباما لمنحه الجائزة.. والرئيس الأميركي يقبلها كنداء للعمل

واجه المنتقدين مؤكدا أنه لا يعتبرها إقراراً بانجازاته الشخصية

أوباما يعلن قبوله لجائزة نوبل للسلام في البيت الأبيض أمس (أ.ب)
TT

أكد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمس، أنه مثل باقي الشعب الأميركي، استيقظ على مفاجأة منحه جائزة «نوبل» للسلام، قائلاً إنه يقبل الجائزة كـ«نداء للعمل» بدلاً عن «اعتراف بانجازات شخصية» قام بها. وعدد أوباما أولوياته، من بينها «التزام كامل» بعملية السلام في الشرق الأوسط وإقامة دولة فلسطينية. واستهل أوباما خطابه أمام البيت الأبيض أمس قائلاً: «إنني متفاجئ، لقد أخجلتم تواضعي»، ليضيف: «دعوني أكون واضحاً، لا اعتبر (الجائزة) اعترافاً بانجازاتي الشخصية، بل كتأكيد على القيادة الأميركية نيابة عن طموحات شعوب في كل الدول». وشدد على فكرة التواضع في تصريحه، وقال: «لا اشعر أنني استحق أن أكون برفقة الكثير من الشخصيات التي غيرت العالم»، في إشارة إلى من حصل على الجائزة في السابق، لكنه قال إنها تدفعه للعمل. وأضاف: «أعرف أن خلال التاريخ، جائزة نوبل للسلام لم تمنح فقط لتكريم انجاز محدد، بل استخدمت أيضا لإعطاء دفع لعدد من القضايا، ولهذا سأقبل هذه الجائزة كنداء للعمل، نداء لكل الدول لمواجهة التحديات المشتركة للقرن الواحد والعشرين». ومن اللافت، في خطابه لم يشكر أوباما لجنة «نوبل»، في إشارة إلى أنه يشعر بأن الجائزة تزيد من العبء عليه لتحقيق طموحات كبيرة.

وكانت لجنة نوبل للسلام قد اختارت أوباما لمنحه الجائزة هذا العام «أملا في مستقبل أفضل من خلال عمله من أجل السلام ومن أجل نزع السلاح النووي»، وهو نبأ أثار إشادات وانتقادات حادة. وقال رئيس لجنة نوبل النرويجية للسلام، ثوربيورن ياجلاند، أمام الصحافيين: «قررت لجنة نوبل النرويجية منح جائزة نوبل للسلام لعام 2009 للرئيس باراك أوباما على جهوده غير العادية لتعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب».

وثارت دهشة الصحافيين في أوسلو لدى إعلان قرار منح الجائزة - وهي من أرفع الجوائز في العالم - إلى رئيس لم تمض تسعة أشهر على توليه الحكم ولم يحقق بعد انجازا كبيرا في مجال السياسة الخارجية. وسأل صحافي ياجلاند: «إذا كان بإمكاننا استعراض نفس الحقيقة التي تفيد بأنه لم يكمل حتى الآن عاما واحدا في المنصب ولم يف بأي من وعوده .. وقد لا يفي بها مطلقا.. وكما يقال بالإنجليزية.. هل بإمكانكم إعلان السبب في تأكدكم من صواب الاختيار مبكرا إلى هذا الحد؟». ورد ياجلان بالقول إن منح الجائزة لأوباما هو إبداء لدعم العمل الذي يعتزم القيام به. وقال: «لأننا نريد تعزيز ودعم ما يحاول أن يفعله وما يحاول تحقيقه. وهي أيضا إشارة واضحة للعالم بأننا نريد أن نساهم.. كما يفعل هو.. في تعزيز الدبلوماسية الدولية وتعزيز المؤسسات الدولية للعمل من أجل عالم خال من الأسلحة النووية وكل الأشياء من هذا القبيل».

وكان أوباما (48 عاما)، وهو أول أميركي أسود يصبح رئيسا للولايات المتحدة، دعا لنزع السلاح، كما عمل على استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط منذ توليه منصبه في يناير (كانون الثاني). وسأل صحافي ثانٍ ياجلاند: «يستعد أوباما لاتخاذ قرار مهم كما تعرفون وسوف ينتهي به الأمر على الأرجح إلى زيادة القوات في أفغانستان. كيف سيكون شعور اللجنة إزاء هذا الأمر في هذا التوقيت؟». ورد ياجلاند قائلا: «الصراع في أفغانستان يقلقنا جميعاً ويحدونا الأمل في إمكانية أن يساعد في تحسن الأجواء العالمية والتأكيد على المفاوضات في حل هذا الصراع. لا أزعم أنه يتعين أن يساعد أو أنه سيساعد، لكن يمكن أن نأمل في إمكانية أن يساعد هذا في حل ذلك الصراع أيضا». وطالب أوباما في كلمته أمس بمساعدة العالم في تحقيق أهداف محددة حول العالم، أولها منع انتشار الأسلحة النووية والتخلص منها حول العالم، وهي نقطة أشارت إليها لجنة «نوبل» في بيانها حول منح أوباما الجائزة، كما طالب العالم بمواجهة تهديد التغيير المناخي. وبينما لم يشر مباشرة إلى العلاقات مع العالم الإسلامي، إلا أنه ألمح إلى خطابه في القاهرة في يونيو (حزيران) الماضي الذي سمي بخطاب «البدايات الجديدة»، قائلاً: «علينا السعي إلى بداية جديدة مع الناش من أديان وأعراق مختلفة، مبنية على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل».

وبعد ذلك، أكد أوباما التزامه بعملية السلام في الشرق الأوسط، قائلاً: «علينا أن نفعل كل ما بوسعنا لحل النزاعات التي تسببت بالكثير من الأذى والمعاناة خلال سنوات كثيرة، وذلك الجهد يجب أن يشمل التزاماً كاملاً يحقق حقوق كل الإسرائيليين والفلسطينيين للعيش بسلام وأمن في دولة خاصة بهم». وأشار أيضا إلى الأوضاع في أفغانستان والعراق، و«حل النزاعات بسلام» هناك، بالإضافة إلى منح جميع الشعوب الفرصة للعيش بكرامة. وقال أوباما إنه يشارك جائزته مع الذين يناضلون من أجل الحرية من دون تسمية شخصيات معينة. إلا أن إشارته إلى «الشابة التي تسير صامتة في الشارع للتعبير عن حريتها» اعتبرت إشارة إلى المتظاهرة ندا الإيرانية التي قتلت الصيف الماضي في صدام مع الشرطة الإيرانية، كما أنه شارك الجائزة مع «القائدة المسجونة في بيتها بسبب رفضها التخلي عن التزامها بالديمقراطية» في إشارة إلى الناشطة السياسية في بورما الخاضعة للإقامة الجبرية، آنغ سو تشي، وشارك «الجندي الذي يضحي دورة بعد دورة من الخدمة من أجل شخص يبعد نصف العالم عنه، وكل الرجال والنساء حول العام الذي يضحون بأمنهم وحريتهم وأحيانا حياتهم بهدف السلام». ومن بين 205 أسماء رشحت للجائزة، 33 منها مؤسسات والباقي شخصيات عالمية، في فبراير (شباط) الثاني، راقبت اللجنة سياسات أوباما خلال الأشهر التسعة الماضية وقررت منحه الجائزة. وأوباما هو ثالث عضو بارز في الحزب الديمقراطي الأميركي يحصل على جائزة نوبل للسلام خلال السنوات العشر الماضية بعد فوز نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور بالجائزة عام 2007 مناصفة مع لجنة المناخ التابعة للأمم المتحدة والرئيس الأسبق جيمي كارتر، الذي فاز بها عام 2002. وتبلغ قيمة الجائزة عشرة ملايين كرونة سويدية (1.4 مليون دولار) وستسلم له في أوسلو في العاشر من ديسمبر (كانون الأول).

وقالت الدكتورة جوهانا ماندلسون- فورمان، خبيرة في الشؤون الأميركية في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية، إن منح الجائزة يعود إلى ما قام به أوباما حتى قبل الوصول إلى البيت الأبيض يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث أعلى أملاً لجهود السلام وجعل الولايات المتحدة تعمل في إطار دولي مع مجموعة واسعة من الحلفاء. وأضافت ماندلسون فورمان لـ«الشرق الأوسط» «إن الجائزة هي رد فعل أوروبي على ما يطرحه أوباما، منذ إلقائه خطابه الشهير في برلين عام 2008، أوروبا أحبت أوباما ولم يكن لها الفرصة للتعبير عن دعمها له في التصويت الانتخابي، فعبرت من خلال هذه الجائزة.

وفي وقت يعاني أوباما من ضغوط شديدة داخلياً، خاصة في ما يخص إصلاح نظام الرعاية الصحية والحرب في أفغانستان، جاءت الجائزة لتعبر عن الدعم الدولي لأوباما. وقالت ماندلسون- فورمان، وهي مسؤولة سابقة في الأمم المتحدة: «النرويج من الدول التي تشدد على أهمية الأمم المتحدة وقد ارتاحت كثيرا لالتزام أوباما بالعمل من خلال الأمم المتحدة واحترام القانون الدولي». وأضافت: «أرادت اللجنة أن ترسل رسالة إلى منتقديه في الولايات المتحدة ومنتقدي سياساته الخارجية أنه ليس بوحده».

وانقسمت ردود الفعل الأميركية بين جهات أيدت منح الجائزة وجهات أخرى اعتبرتها مبكرة، وآخرون انتقدوا الخيار كلياً. وقال كارتر إن منح أوباما الجائزة «تصريح شجاع للدعم الدولي لرؤيته والتزامه». وأضاف في بيان أن الجائزة تمثل الأمل ليس فقط للأميركيين، بل للناس حول العالم. وبينما اعتبرت قناة «فوكس» الأميركية اليمينية أن أوباما لن يحقق ما سيتحق الجائزة، كتب كاتب الرأي في صحيفة «نيويورك تايمز» ومن المؤيدين المعروفين لأوباما نيكولاس كريستوف «إنني احترم جهوده تجاه السلام في الشرق الأوسط، لكن تبدو الجائزة مبكرة جداً». وكرر الكثير من كتاب الرأي والمعلقين الأميركيين الاعتقاد بأن الجائزة قد تكون مبكرة وتصعب من عمل أوباما على الطموحات والتوقعات المتصاعدة أمامه وسط أجواء صعبة مع تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي وتشديد لهجة الحزب الجمهوري المعارض له. وبينما امتلأ موقع «تويتر» بتعليقات الصحافيين ومستخدمي الموقع حول العالم، كانت هناك عبارة واحدة فقط على صفحة أوباما على الموقع الإلكتروني منذ صباح أمس وقبل إلقائه خطابه، وهي «أخجلتم تواضعنا».