السلطات تتحضر لإعلان خطوات للسيطرة على الدرجات النارية المخالفة.. خارج الضاحية الجنوبية

بعد التوترات في عين الرمانة وازدياد عمليات سرقة ينفذها سائقو الدراجات

جنود ومدرعات آلية في منطقة عين الرمانة الأسبوع الماضي (أ.ب)
TT

أعادت حادثة عين الرمانة وجريمة قتل الشاب جورج أبو ماضي قبل بضعة أيام، واقع الدراجات النارية في لبنان إلى التداول، لتصنف وسيلة النقل هذه مدانة ومسؤولة عن تردي الأوضاع الأمنية، ويصبح البحث عن إجراءات لقمعها ومنعها من التحرك في الشوارع بابا من أبواب القضاء على الجريمة والفتنة المتنقلة. ولعل استخدام رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» ميشال عون عبارة «لن نسمح بأن تصبح دراجة عين الرمانة مكان بوسطة عين الرمانة»، يحمل دلالة مباشرة على ضرورة اتخاذ القرارات الحاسمة والكفيلة بردع أي «دراجة» تهدد السلم الأهلي. ويبدو أن قيادتي الجيش وقوى الأمن الداخلي، توافقتا عقب حادثة عين الرمانة على اتخاذ إجراءات أمنية مشددة في العاصمة بيروت والضواحي، تتعلق بالدراجات النارية ومواعيد سيرها والتدقيق في أوراقها وأوراق سائقيها. وفي حين لم تتطرق المعلومات بشكل مباشر إلى مكمن الداء المرتبط بالأداء الميليشوي لهذه الدراجات التي يستقلها شبان محسوبون على أطراف سياسية معينة يواصلون القيام بارتكابات تستهدف الآخرين، اكتفت الجهات الأمنية بتبرير تحركها بحيث يؤدي إلى «ضبط التجاوزات وأعمال السرقة والنشل التي تزايدت في الآونة الأخيرة».

وأشارت المصادر الأمنية إلى أنها بصدد وضع خطة سيُبدأ إلى تنفيذها خلال 48 ساعة الهدف منها تجهيز حملة قمع لكل التجاوزات والمخالفات التي يقوم بها سائقو الدراجات النارية أو بعض العصابات والشلل في أحياء معينة. وفي حين أشارت المصادر الأمنية إلى أن «الخطة منسَّقة وشاملة، لا سيما بعد التنسيق مع حزب الله وحركة (أمل) اللذين أبديا موقفا واضحا بأنهما مع إطلاق يد القوى العسكرية والأمنية لضبط التجاوزات التي تسيء إلى الاستقرار العام»، علمت «الشرق الأوسط» أن الخطة تشمل بيروت الإدارية من دون الضاحية الجنوبية التي لن يتم التعرض لدراجاتها شرط أن يقتصر تحرك هذه الدراجات على داخل الضاحية. والمعروف أن ظاهرة قيادة الدراجات النارية في لبنان لها خصوصيتها. وأبرز ملامحها ارتبط بحزب الله، وقد برزت خلال حرب يوليو (تموز) 2006، لتنحسر ثم تعود إلى الظهور مع اعتصام الحزب وحلفائه في وسط بيروت، وتصل شبكة الدراجات النارية إلى ذروة دورها مع اقتحام بيروت في السابع من مايو (أيار) 2008، ليتبين أنها لا تقل أهمية في حسابات الحزب وحركة «أمل» عن أي وسيلة عسكرية أخرى. ومن ثم انتقلت عدوى استخدامها بشكل منظم إلى منطقة الطريق الجديدة المحسوبة على تيار «المستقبل»، إلا أنها تجاوزت هذا الدور مع غياب هيبة الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية، لتصبح وسيلة لكل من تسوّل له نفسه استخدامها بمعزل عن القوانين المرعية الإجراء.

والإجراءات لتنظيم سير الدراجات النارية في لبنان، وتحديدا في العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية، ليست جديدة، ولا تقتصر على المنحى الأمني لتتجاوزه إلى السلامة العامة لارتباط الدراجات بالنسبة المرتفعة لحوادث السير المميتة في معظم الأحيان، خصوصا أن عدد القتلى الذين خلّفتهم حوادث الدراجات قد فاق خلال العام الماضي مائة قتيل. وقد بيّنت الإحصاءات أن الدراجات النارية تسبّب إصابات تبلغ 35 ضعفا مما تسببه السيارات. وراكبو الدراجة النارية الذين لا يستعملون الخوذات الواقية معرَّضون لكسور في الرأس بنسبة أربع مرات أكثر من الذين يستعملونها. ففي مطلع العام الحالي أصدر وزير الداخلية والبلديات زياد بارود قرارا يقضي بتكثيف الحملة الأمنية لحجز الدراجات النارية المخالفة. كما يقضي بتحديد تجوّل الدراجات النارية في بيروت ليلا، لكن في تطبيق هذا القرار تراجعا كبيرا، إذ إن سائقي الدراجات يقتحمون الشوارع والأحياء ليلا بأعداد كبيرة دون أن تعترضهم القوى الأمنية. فقد بقي تنفيذ القرار موسميا ومقتصرا على أيام أمنية أشبه بالغزو تكون حصيلتها عدة مئات من الدراجات النارية التي تفتقر إلى المواصفات القانونية والتي يصار إلى مصادرتها ورميها في مواقف خاصة تابعة لقوى الأمن الداخلي، على أن يصار إلى فرزها فتتلف تلك التي تفتقر إلى مقومات السلامة العامة أو لا يملك أصحابها أوراقا ثبوتية. أما الدراجات الصالحة للسير فتطبق عليها أحكام المادة 7 من المرسوم المعدّل رقم 8949 بتاريخ 1974 التي تنصّ على طرح أي سيارة أو دراجة مضى على حجزها ما بين سنة وسنتين للبيع بالمزاد العلني. إلا أن لقرار منع سير الدراجات النارية التي تزداد انتشارا بسبب الأزمة الاقتصادية ضحايا، منهم الذين يعتمدونها وسيلة للانتقال إلى أعمالهم ويلتزمون القوانين المرعية الإجراء. فغالبا ما تشملهم القوى الأمنية بتدابيرها.

وكل من يجول في بعض أحياء بيروت الغربية والضاحية الجنوبية يلاحظ أن خطر الدراجات النارية يكمن في أنها أصبحت سمة من سمات «الشارع» بكل أبعاده السلبية، فهي ملازمة لـ«الزعران» والعصابات المحمية من جهات سياسية تعتمد عليها عندما تدعو الحاجة إلى افتعال أي اضطراب أمني. وهي وسيلة لفت نظر واستعراض قوة ترهيب مع «فعل التشفيط» في الأزقة والأحياء لجذب الأنظار، وكأن من يشفّط» يقول للجميع: «أنا هنا، ولا أحد يستطيع مخالفتي». وغالبا ما يكون صاحب هذه العنتريات مراهقا لم يبلغ سن الرشد بعد ولا رخصة سوق لديه. وتشير إحصاءات غير رسمية إلى وجود أكثر من 400 ألف دراجة نارية بحسب تقديرات مؤسسة الأبحاث العلمية من الأحجام والأنواع المختلفة على الطرق اللبنانية معظمها موجود في الضواحي الشعبية والفقيرة، وبعضها يُستعمل في عمليات النشل والتحرّش على أنواعها، في حين أن 25 ألفا منها فقط مسجَّل قانونيا في وزارة الداخلية والبلديات. كما أن قلّة قليلة من الدرّاجين تلتزم قوانين السير وتعليماته، سواء لجهة احترام الإشارات الضوئية أو التزام إشارات السير عموما أو السرعة المحددة بـ30 كيلومترا في الساعة، كذلك فإن معظم سائقي الدراجات النارية لا يتورّعون عن نقل الأطفال بما يعرضهم للخطر الأكيد، ويستعملون أجهزة اتصال في أثناء قيادتهم كما يقومون بنقل ركاب وأمتعة تعجز سيارة صغيرة عن نقلها. وما يرسّخ صورة «الزعران» التي تلصق بسائقي الدراجات النارية هؤلاء أن غالبيتهم بلا مدرسة أو عمل ثابت. فهم إما أجراء أو عمال ميكانيكا... وغالبيتهم لا تلم بألف باء القيادة فنراهم يخترقون الطرق بالاتجاه المعاكس ويسببون زحمة سير في الشارع.

يبقى أن مدينة صيدا في جنوب لبنان تشكل حالة خاصة، فهي «نظيفة» من الدراجات النارية منذ ما يقارب عشر سنوات بعد صدور قرار يقضي بمنع تجولها في المدينة بناء على قرار اتخذه محافظ الجنوب لدوافع أمنية عام 1999. وذلك غداة اغتيال القضاة الأربعة. وقد طُبّق القرار بحزم، ولا يزال. والسبب يكمن في رغبة الأجهزة الأمنية في الحد من الأعمال الإرهابية التي يمكن لمن يرتكبها الفرار بسهولة على متن دراجته النارية.