إمام الحرم المكي يحذر الغيورين على مصالح الأمة من الانسياق خلف الشائعات المغرضة والإثارة المحرضة

قال إن الدين الإسلامي لم يقف يوما ما عائقا أمام العلوم والمعارف الدينية أو الدنيوية

TT

حذر إمام وخطيب المسجد الحرام القادة والعلماء وحملة الأقلام ورجال الصحافة والإعلام وشباب الأمة والغيورين على مصالحها، من الانسياق خلف الشائعات المغرضة والإثارة المتعمدة المحرضة، حيث يريد أعداء الأمة وخصومها أن تتقاذف سفينتها الآمنة أمواج الفتن المتلاحمة وتيارات الأهواء المتلاطمة. وقال الشيخ عبد الرحمن السديس، في خطبة الجمعة بالحرم المكي أمس، مع بداية العام الدراسي، إن الدين الإسلامي العظيم لم يقف يوما ما عائقا أمام العلوم والمعارف، دينية كانت أو دنيوية، وإن الأمة التي رفع الله شأنها بالعلم لا يحق لها أن تنحدر إلى مستوى الجهل والأمية والتخلف عن ركب الحضارة والتقدمية، وإذا كان العصر عصر ثورة العلوم والثقافات فإن أمتنا الإسلامية مطالبة بأن تدرك مسؤولياتها التاريخية في أهمية استثمار علوم العصر وتقنياته في أداء رسالتها العالمية العظمى، فهي الرحمة للعالمين، والعالم بأسره والإنسانية برمتها تتطلع إلى الإفادة من إرثها الحضاري العريق.

وبين السديس أن العلوم والمعارف المقترنة بالتربية على الأصول والثوابت هي خير وأمضى سلاح في عصر يموج بالفتن والتحديات ويعاني المشكلات والأزمات، فطرائق العلوم ومناهج التربية إنما تنبثق من عقيدة الأمة ومبادئها وتنسجم مع مقاصدها وغاياتها، وقيمها تقود إلى إصلاح النفوس وتهذيب الأخلاق وإعلاء شأن المثل والفضائل، لافتا النظر إلى أن مظاهر الحضارة المادية في معزل عن ذلك، ولذلك فلا بد لطلاب العلوم والمعارف ورواد الفكر والثقافة من إعداد العدد ورسم الخطط لمستقبل واعد يربط الأجيال بعقيدتهم وحضارتهم، ويجمع لهم في العلوم والمعارف بين الأصالة والمعاصرة في قلاع علم ومعرفة وصروح بناء وتربية هي محاضن الجيل وصمام الأمان لحماية عقيدة الأمة وأمنها وثوابتها والحفاظ على أصالتها وتاريخها وتراثها، وأن هذه المسؤولية العظيمة تأتي لتحفظ هذه الأمة في أعز ثرواتها وأثمن ممتلكاتها وهو الاستثمار في ثروتها البشرية وهو استثمار أمثل تتضاءل أمامه كنوز الدنيا بأسرها. وقال «إن أخطر ما تعانيه هذه الحصون والمعاقل أن تؤتى من قبل المؤتمنين على الحفاظ عليها ورعايتها فيتسلل منها لواذا لصوص المعرفة والثقافة وقراصنة الفكر وسماسرة الرذيلة فيحصل للأمة ما لا تحمد عقباه.. فيا رجال التربية والتعليم ليس بخاف على شريف علمكم أنه بحفظ الأذكار والمثل وإحاطة هذا المجال المهم بسياج العقيدة والمبادئ والقيم فلسوف يؤتي أكله كل حين بإذن ربه عطاء ونماء ورقيا وازدهارا وإصلاحا وتنمية، فلا بد من الوعي بعظم المسؤولية وثقل الأمانة وضخامة التبعة، لا سيما في ظل المتغيرات المعاصرة ولكنها يسيرة بفضل الله إذا حسنت النوايا وصلحت المقاصد واتحدت المواقف بعيدا عن الخلافات والانقسامات والصراعات التي لا يستفيد منها إلا أعداء الأمة وخصوم المجتمع».

وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن «من فضل الله علينا في بلادنا ما ننعم به من خصوصية مميزة في مناهج التربية والتعليم وأهدافه وغاياته والتواؤم الفذ بين مدخلات التعليم ومخرجاته، المقررات والمناهج مفاخر بحمد الله تغرس في نفوس الطلاب الولاء لله ثم لدينهم وولاة أمرهم وعلمائهم وبلادهم وتعزز فيهم الجانب العقدي والأمن الفكري والانتماء الوطني لبلادهم المباركة التي هي قبلة المسلمين ومهبط الوحي وأرض الحرمين الشريفين والرسالة الخالدة، أدام الله عليها وعلى سائر بلاد المسلمين الأمن والأمان».

وقال السديس إن إنشاء وافتتاح جامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز بما تمثله من مصدر إشعاع حضاري ومنارة سامقة في سماء العلم والمعرفة نقلة نوعية كبرى، وإن كل محب للعلوم والمعارف ليبارك هذه النقلة النوعية الكبرى والوثبة الحضارية العظمى والقفزة التاريخية الجلى، بما يحقق الأصالة والمعاصرة ويعيد للأمة بإذن الله سالف مجدها وفخرها وحضارتها.. إنها جامعة رائدة في أهدافها، سامية في مقاصدها، نبيلة في غاياتها، شاملة في أقسامها وتخصصاتها، ولعل الله يري رائدها وقائدها ما تقر به عيناه وينشرح به صدره وتبتهج به نفسه بل ونفوس الأمة جميعا في تحقيق رسالتها الحضارية السامية وآثارها العلمية المباركة، وليطمئن الجميع في حسن ظن بديع إلى أن هذا المشروع الحضاري العملاق في أيد أمينة وربان مهرة بحمد الله، فما هي إلا شجرة مباركة في دوحة غناء عظيمة تجعل من العقيدة والشريعة منطلقا لها في أعمالها لتحقق لها كل تطلعاتها وآمالها.

وأضاف يقول «فلتهنأ البلاد وليسعد العباد، فعطاء متدفق وحلم متحقق في هذا المنجز التاريخي العظيم، وإن واجب الجميع من القادة والعلماء وحملة الأقلام ورجال الصحافة والإعلام وشباب الأمة والغيورين على مصالحها أن يباركوا بإجماع واتفاق هذه الجهود الخيرة، في ظل مقاصدنا الإسلامية وضوابطنا الشرعية، وفيما يحقق الحفاظ على ثوابت الأمة وقيمها وليحذروا من الخوض في ما لم يتبين لهم أمره والانسياق خلف الشائعات المغرضة والإثارة المتعمدة المحرضة حيث يريد أعداء الأمة وخصومها أن تتقاذف سفينتها الآمنة أمواج الفتن المتلاحمة وتيارات الأهواء المتلاطمة، فلا أعظم ولا أجل من تأليف قلوب الرعاة والرعية، وتوارد أهل الحكم وأهل العلم، بل وكل شرائح المجتمع وأطيافه على تحقيق المصالح للأمة ودرء المفاسد والفتن عن المجتمع.

ودعا السديس الله أن يديم على بلاد الحرمين الشريفين رموز حكمها ورموز علمها ورموز أمنها ويحفظ لها عقيدتها وشريعتها وقيادتها وقيمها وأصالتها وأمنها واستقرارها، وسائر بلاد المسلمين، وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين على ما يبذله في العناية بالعلم وصروحه خير الجزاء وأوفره، وأن يجعله في موازين حسناته.