رئيسة الأونروا لـ «الشرق الأوسط»: مشكلاتنا المالية هي الأخطر.. ويجب أن يشارك اللاجئون في التفاوض

قالت إن تقرير غولدستون صلب ومتوازن ويتفق مع تقييم باقي المنظمات الدولية لما حدث على الأرض

كارين أبو زيد (أ.ب)
TT

بعد 9 أشهر من انشغال الإدارة الأميركية بعملية سلام الشرق الأوسط، لم يتحقق شيء حتى الآن، سوى أن بعض الأطراف المعنية بالملف وصلت إلى قناعة أن الأفضل هو البدء ببحث قضايا الحل النهائي فورا، بدلا من إضاعة الوقت في «خطوات تعكس حسن النية». إلا أن السؤال الذي بات يطرح الآن هو: هل قرار البدء بقضايا الحل النهائي «هروب للأمام» بعد فشل ضغوط واشنطن على تل أبيب لوقف بناء الاستيطان وعلى العرب لتقديم خطوات تصالحية مبدئية؟ ربما الإجابة هي أنه فعلا «هروب للأمام». ويعزز هذا ما قاله وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قبل لقائه جورج ميتشل المبعوث الأميركي للسلام يوم الخميس الماضي في إسرائيل: «التوصل لتسوية شاملة في قضايا الحل النهائي مستحيل.. في السنوات الماضية منذ أوسلو (اتفاقات السلام المؤقتة الموقعة عام 1993) حاول كل زعيم إسرائيلي التوصل لسلام شامل ولكنه لم يفلح؟.. لماذا لم يصلوا لاتفاق شامل؟.. لأنه يبدو من المستحيل التوصل إليه.. سأقول له (ميتشل) بوضوح إن هناك صراعات كثيرة في العالم لم تصل لحل شامل وتعلم الناس أن يعيشوا معها مثل قبرص (المقسمة إلى قسمين تركي ويوناني). نحتاج أن نكون واقعيين.. ما هو ممكن هو التوصل إلى اتفاق مرحلي طويل المدى يترك القضايا الصعبة لمرحلة متأخرة جدا. والترتيب الصحيح هو أولا وقبل كل شيء الأمن والاقتصاد والاستقرار وبعد ذلك يأتي اتفاق سلام». فهل يعني هذا أن على المعنيين بقضايا الحل النهائي، بما في ذلك اللاجئون الفلسطينيون في الخارج، إبطاء توقعاتهم ببحث قريب لأوضاعهم؟ ليست هناك وكالة أو هيئة دولية مهتمة بمسار مباحثات السلام والكيفية التي ستتم معالجة قضايا الوضع النهائي فيها، ومن بينها القضية الأكثر تعقيدا وهى مصير أكثر من 4 ملايين لاجئ فلسطيني في الشرق الأوسط فقط بخلاف أميركا وأوروبا وأستراليا، أكثر من وكالة الأونروا التي ربت 4 أجيال من اللاجئين الفلسطينيين على مدار الأعوام الستين الأخيرة، تولت المهام التي تقوم بها الدولة عادة من توفير التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية لما يربو على 4.1 مليون لاجئ فلسطيني في الشرق الأوسط. وتقول المفوضة العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كارين أبو زيد إنه يجب إعطاء قضية اللاجئين الفلسطينيين «أولوية في سلم أولويات قضايا مباحثات السلام»، موضحة في حوار مع «الشرق الأوسط» في نيويورك بمناسبة الذكرى الستين لإنشاء الأونروا، التي احتفل بها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر (أيلول) الماضي، أنه يجب منح اللاجئين خيارات حقيقية يختارون بينها، معبرة عن تشككها في أفكار طرحت قبل أسابيع بإعطاء اللاجئين الجنسية الفلسطينية وجواز سفر فلسطيني، لكن مع بقائهم في البلاد الموجودين فيها حاليا، واصفة الفكرة بأنها «محيرة». كما حثت أبو زيد دول العالم على زيادة الدعم المالي السائل للأونروا، موضحة أن المتاعب المالية الحالية التي تواجهها المفوضية هي الأخطر، وأدت إلى وقف بعض أنشطتها المهمة مثل برنامج المنح الدراسية. وانتقدت كارين أبو زيد ضمنا قرار السلطة الفلسطينية تأجيل نظر تقرير القاضي ريتشارد غولدستون حول جرائم الحرب التي ارتكبت من قبل إسرائيل وحماس خلال حرب يناير (كانون الثاني) الماضي، موضحة أن «العدالة يجب أن تكون أساس السلام». كما وصفت الأوضاع الإنسانية في غزة بأنها سيئة جدا، محذرة أيضا من التدهور الشديد في وضع مخيم «نهر البارد» في لبنان الذي ما زالت الأونروا ممنوعة من إعادة بنائه بسبب مشكلات قانونية مع السلطات في لبنان. وهنا نص الحوار:

* جرت احتفالات الأونروا بالذكرى الستين لتأسيسها بحضور الملكة رانيا ملكة الأردن والرئيس الفلسطيني محمود عباس وغالبية وزراء خارجية الدول العربية والإسلامية ومن بينهم وزراء خارجية مصر والأردن وتركيا وسورية.. فهل كانت مناسبة حزينة أم سعيدة؟ ـ مناسبة حزينة جدا من زاوية أننا نحيي ذكرى 60 عاما من معاناة اللاجئين الفلسطينيين. 40 عاما منها تحت الاحتلال الإسرائيلي. بهذا المعني نحن نحيي الذكرى، لكننا نستغلها أيضا لتذكير الناس بالقضية وبما حققه اللاجئون وما تفعله الأونروا وما تحتاج إلى فعله وكيف نتوسع أكثر في أنشطتنا بما في ذلك التمويل. فبعد 60 عاما من عملنا بدأنا نواجه مشكلات في التمويل، حتى في تمويل أنشطتنا الأساسية.

* عندما تقولين أنشطتنا الأساسية. ماذا تعنين بذلك؟ ـ أنشطتنا الأساسية تشمل التعليم وبرامج الرعاية الصحة الأساسية، والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وتطوير مخيمات اللاجئين والقروض الصغيرة. هذا هو الجانب الأكبر من علمنا الأساسي، بجانب خدمات الطوارئ التي نقوم بها عندما تستدعي الحاجة. هناك 500 ألف تلميذ فلسطيني في الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وغزة تحت رعاية وإدارة الأونروا. وملايين المرضى يتوجهون لمستشفيات الأونروا سنويا وهؤلاء يعتمدون كليا على المساعدات التي تقدمها الأونروا.

* ما الميزانية السنوية للأونروا؟ وكم تحتاجون لتغطية كل هذه الأنشطة؟ ـ الخدمات الأساسية أو الأنشطة الأساسية والتي نسميها «التمويل العام» والتي تشمل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية والقروض الصغيرة، ميزانيها 500 مليون دولار سنويا. وبإضافة ميزانية خدمات الطوارئ في لبنان والضفة وغزة يكون إجمالي ميزانيتنا السنوية مليار دولار. لكننا لا نتحصل على كل هذا المبلغ. هناك عجز بنحو 100 مليون دولار، وهذا، مثلا، يعطل أنشطة مثل تحسين البنية التحتية، وهى مسألة ملحة جدا بعد نحو 50 عاما على بنائها. كما لا نحصل على ميزانية كافية لأنشطتنا الطارئة، لكن ما يثير قلقنا أكثر هو عدم حصولنا على أموال تكفي تغطية أنشطتنا الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية. هذا العام مثلا، ونحن بالفعل في نهايته، لدينا عجز بـ17 مليون دولار. نأمل أن تؤدي اتصالاتنا في نيويورك وخلال الجمعية العامة إلى سد العجز ومساعدتنا حتى نهاية العام. لكن هذا يثير قلقنا البالغ على العام المقبل 2010 حيث نبدأ العام وليس لدينا شيء.

* هل سبب العجز في ميزانية الأونروا سياسي أم إنها مجرد الأزمة الاقتصادية؟ ـ أعتقد أنها أكثر من مجرد أزمة اقتصادية عالمية. فحكومات العالم وضعت ميزانيات مكنتها من عبور أزمات وصعوبات العام الحالي، لكن هذه الحكومات بدأت أيضا تحذرنا من أنها ستقدم لنا العام المقبل مساعدات مماثلة للمساعدات التي منحتها لنا العام الحالي وهذا لا يكفي. فنحن لدينا لاجئون أكثر، ونحتاج إلى مدرسين أكثر، وعدد الطلبة يزداد. دائما أملنا أن تعطينا الدول المانحة أكثر قليلا كل عام، والكثير من الدول كانت تفعل هذا حتى الآن. كذلك هناك التكلفة المتزايدة للنقل والبنزين والطعام وتقلب أسعار العملات، وهى كلها تحولات أثرت على العالم كله وزادت في تكلفة كل شيء، وهذا أحد الأسباب الأساسية لعجز الميزانية.

* هل أثرت سيطرة حماس على غزة على الدعم الذي يقدم للأونروا؟ ـ لا. بل على العكس جاءت للأونروا منح أكبر بعد سيطرة حماس، لأن الدول المانحة لم ترد أن تترك حماس تنفرد بتقديم الخدمات، ولأنهم يعرفون المشكلات الحقيقة التي تواجه القطاع، خاصة بعد حرب غزة في يناير (كانون الثاني). كثير من الأموال خصصت، أو على الأقل قيل إنها ستخصص لإعادة البناء، وسنتمكن في الأونروا من إعادة بناء الكثير إذا فتحت الحدود وإذا دخلت المواد اللازمة للبناء. فإذا فتحت الحدود، فإن لدينا كثير من الأموال التي يمكن استخدامها في إعادة البناء، إضافة إلى أنشطة أخرى مثل دعم المدارس وغير ذلك. وبالتالي لا أعتقد أن سيطرة حماس على غزة أثرت سلبيا على مسألة المساعدات الممنوحة لنا، بل العكس بالعكس.

* بخلاف غزة، ماذا عن أنشطة الأونروا في الأردن وسورية ولبنان؟ ـ شكرا لسؤالك لي هذا السؤال، لأني أحب أن أتحدث عن اللاجئين في الأردن وسورية. فكثيرون لا يتحدثون أو يسمعون عن اللاجئين في هذين البلدين لأنهم يعيشون في أوضاع مستقرة إلى حد كبير، ويتلقون رعاية أكبر من قبل الدولتين المضيفتين. في الأردن هم تقريبا مواطنون وكذلك في سورية. اللاجئون في هذين البلدين يمكنهم دخول المدارس والجامعات والانخراط في سوق العمل، أى إنهم يعيشون نسبيا بشكل جيد جدا وبطريقة أقرب لحياة المواطنين في تلك البلاد. وتستحق حكومتي الأردن وسورية كثيرا من الثناء. أما لبنان، فكانت في الماضي مشكلة فيما يتعلق بالطريقة التي كان يعامل بها اللاجئون والطريقة التي كان ينظر بها إليهم، فلم يكن مسموحا لهم بالعمل في كثير من القطاعات أو المناصب، ولم يكن مسموحا لهم بتحسين الأوضاع في المخيمات التي يعيشون فيها. لكن منذ 2005 مع تولي حكومة فؤاد السنيورة تغيرت القوانين وبات من حق اللاجئين الفلسطينيين البحث عن عمل، وسمح للأونروا بتحسين ظروف الحياة في المخيمات. وعملت الحكومة اللبنانية معنا في التواصل مع المانحين، وحصلنا على نحو 250 مليون دولار لتحسين مستويات المعيشة في المخيمات.

لكن المشكلة الحقيقية في لبنان هي الأوضاع في مخيم نهر البارد الذي تم تدميره تماما في صيف 2007 وقد قمنا بتنظيف الأرض من مخلفات الحرب، وعندما اقتربنا من نقطة البناء وإعادة التعمير، رفعت قضية تمنعنا من البناء في أرض ملكيتها حكومية. وعدتنا الحكومة بأن القضية ستحل وسيكون بإمكاننا أن نبني. لقد مر عامان كاملان وهؤلاء اللاجئون يعيشون في مخيمات مؤقتة، وهذا تغيير عن أحوال مخيم نهر البارد قبل الحرب، فقبل الحرب كان المخيم من أفضل المخيمات حالا وكان في وضع اقتصادي جيد، ومركزا للتجارة، وغالبية اللاجئين فيه كانوا في حال جيدة، ولديهم أعمالهم المزدهرة، ونريد أن نساعدهم على العودة إلى ذلك الوضع قريبا.

* كيف تقارنين بين أنشطة الأونروا منذ 60 عاما واليوم؟ ـ يمكن الاستدلال على هذا من اسمها. فقد بدأت تحت اسم «أعمال الإغاثة» وكانت الفكرة هي أن يقام مشروع تنمية ضخم في باقي الأراضي الفلسطينية على غرار «مشروع وادي تينيسي» في الولايات المتحدة (مشروع دشنه الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت عام 1933 لمواجهة آثار الكساد الكبير عام 1929 وذلك بضخ أموال حكومية في مشروعات تنموية تتبع للدول وبعد نجاحه في أميركا تحول إلى نموذج للتنمية في العالم)، إلا أن الأمر لم يفلح لعدة أسباب؛ منها أن اللاجئين لم يحبذوا أن يتم توطينهم في مكان آخر غير وطنهم فلسطين، كما أن البلاد المضيفة لم ترد أيضا أن تمنحهم حق المواطنة، وأرادت أن يعودوا إلى ديارهم يوما ما. لكن مع مرور السنوات، ومع عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم أصبحت الأونروا وكالة «تنمية إنسانية» تقدم كل الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة أو الحكومة من التعليم الأساسي إلى الصحة والبنية التحتية. ومع مرور الزمن أكثر ومع الانتفاضة الأولي صدرت قرارات من الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي تقول إن على الأونروا «حماية ومساعدة» اللاجئين. وبالتالي أصبحنا بمثابة مؤسسة تنطلق في جانب من عملها من منظور «حقوقي» أى التعريف بحقوق اللاجئين بموجب القوانين الدولية، فنحن حريصون على أن نعرف اللاجئين بحقوقهم وأن نروج لحقوق الفلسطينيين ولمبادئ حقوق الإنسان عموما إلى جانب عملنا في الخدمات الأساسية من مدارس ومستشفيات.

* بخصوص حقوق الإنسان.. ما رأيك في تقرير القاضي ريتشارد غولدستون حول الحرب في غزة بين إسرائيل وحماس؟ ـ لقد رحبنا به كثيرا في الأونروا، ونعتقد أنه تقرير صلب متماسك، فيه كثير من التفاصيل وكثير من التوثيق. في الأونروا أجرينا تحقيقنا الخاص حول الحرب فيما حدث من دمار في البنية التحتية، لكن تقرير غولدستون يركز على الناس وما حدث لهم. ونراقب عن كثب ما سيحدث للتقرير.

* ما رأيك في قرار السلطة تأجيل نظر مجلس حقوق الإنسان لتقرير غولدستون؟ ـ يمكنني فقط أن أقول إن الفلسطينيين في قطاع غزة أصيبوا بخيبة أمل عميقة، وإحباط شديد، وشعروا مرة أخرى بإنكار حقهم في العدالة. فيما يتعلق بالأونروا، ستواصل المفوضية الدفاع عن مبدأ المساءلة والمحاسبة، وهو مبدأ ضروري جدا لدفع عملية السلام. أخذ توصيات تقرير غولدستون بجدية كان سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح.

* هناك حديث عن تأثير الحملة الدولية التي قادها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك ضد تقرير غولدستون؟ ـ لقد قاما بحملة حول العالم، خاصة في أميركا. إنهما لا يريدان للتقرير أن يذهب لمجلس الأمن، ويسعيان لذلك بكل الطرق. علينا الانتظار لمعرفة ما إذا كانا أفلحا في هذا.

* هل تعتقدين أن نتائج التقرير وإدانته لإسرائيل وحماس تعكس حقيقة ما حدث في الحرب على غزة؟

ـ بحسب ما رأينا ونعلم، فإن التقرير يعكس فعلا حقيقة ما حدث على الأرض. أعتقد أن المهم فيه أنه يؤكد معلومات كانت لدينا حول الحرب، ومعلومات كانت لدى المنظمات الدولية الإنسانية مثل «مراقبة حقوق الإنسان» و«العفو الدولية» وكذلك الجامعة العربية. إذا كانت كل تلك الهيئات توصلت للنتيجة نفسها، فإن هذا يشير إلى أن معلومات تقرير غولدستون صحيحة.

* كيف تصفين الوضع الإنساني في غزة اليوم؟ ـ سيئ جدا. هناك مواد طبية وغذائية أساسية دخلت القطاع، لكن الناس لا تستطيع أن تعيش على المواد الغذائية أو الطبية الأساسية. أكثر من 60% من سكان غزة يعيشون على الحصص الغذائية التي تقدمها الأونروا، وذلك منذ الانتفاضة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) 2000، بعدما توقفت إسرائيل عن استقبال عمال فلسطينيين وتوقف حصول غالبية الفلسطينيين على أجور منتظمة. الناس بلا عمل ويعيشون على الدقيق والعدس والزيت وبودرة اللبن والقليل من السكر. وهذا سيئ جدا، خاصة أنه مستمر منذ نحو 10 سنوات. غالبية الناس ما زالت تعيش في خيام أو منازل مستأجرة. الشتاء مقبل والأوضاع ستصبح أصعب جدا على الفلسطينيين في غزة. والناس تحتاج إلى مياه وإلى كهرباء. غزة كمدينة يعيش الناس فيها في عمارات من عدة طوابق ويحتاجون إلى كهرباء ومياه جارية وتدفئة وغاز. لكن هذه أشياء شحيحة جدا، وعندما يتم تهريبها عبر الأنفاق تصبح أثمانها مرتفعة جدا. كما أن أحد الأشياء الشحيحة في غزة هي السيولة المالية بسبب القيود التي تفرضها إسرائيل وتسريح العمال. ربما يكون لديك مال في البنك، لكنك لا تستطيع أن تحوله إلى سيولة في يدك وتذهب به إلى محل لشراء مواد غذائية.

* هل تتدخلون في السياسات الداخلية في الأراضي الفلسطينية. مثلا إذا لاحظتم فسادا في إحدى الهيئات الحكومية هل تتحدثون عن هذا للسلطات؟ ـ لا. هذا ليس شأننا. نحن نلاحظ أشياء من هذا القبيل لكننا لا نتدخل في شؤون السلطات.

* ماذا عن التمويل العام.. من يعطي أغلب التمويل؟

ـ أكبر المانحين هما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، نحو 90% من التمويل العام يأتي من 50 دولة، هم الدول التي تمول عموما المنظمات الإنسانية في العالم. أيضا نحصل على دعم عربي، خاصة الموجه للمشروعات وخدمات الطوارئ. نحاول أن نحث الدول العربية على أن تساعدنا أكثر في التمويل العام، وتوضيح أننا نحتاج إلى مخصصات مالية معروفة ومضمونة سلفا للتخطيط لأعمالنا كل عام. هذا ما نحب أن نراه من دول الخليج مثلا. فكما نحب أن تتم مساعدة الأونروا في بناء مدرسة، نحب أن تساعد الأونروا في توفير السيولة المالية لتسهيل إدارة المدرسة ودفع مرتبات المدرسين.

* هل تعتقدين أن أحد أسباب التردد في منح الأونروا أموالا سائلة هو التحسب من وصول جزء منها إلى حماس؟ ـ أعتقد أن الأمر متعلق بالطريقة التي ينظر بها لأعمال الخير. فالزكاة هي شيء معين تعطيه لجارك لأنه يحتاجه. ولا أعتقد أن الأمر متعلق بمخاوف من أن يصل جزء من الأموال لحماس بطريقة ما. فالجميع يعرف أن الأونروا تنفق على المشروعات التي قالت إنها ستنفق عليها. فنحن ننفق على مشروعات وأنشطة معروفة ونلتزم بما نتفق عليه مع الدول المانحة.

* ما النسبة التي تشارك بها الدول العربية في تمويل الأونروا.. هل هي 10% مثلا؟ ـ أتمنى لو كانت. الجامعة العربية لديها قرار بأن الدول العربية ينبغي أن تمنح الأونروا 7.8% من ميزانيتها، إلا أن هذا لم يحدث إلا مرة واحدة منذ العشرين عاما التي صدر حينها القرار. في الميزانية العامة، فإن التمويل العربي نحو 2% أو حتى 1% مثل العام الماضي. إلا أن الأمر يتحسن، فلدينا متخصص في جمع التبرعات من العالم العربي وهو سفير بريطاني سابق عمل لدى الدول العربية يعمل معنا الآن وهو يحاول أن يساعد في تمويل الأونروا، وهو جيد في التمويل ويعرف لمن يتوجه فيما يتعلق بالتبرعات، والآن نحصل على تمويل جيد جدا من منظمات الهلال الأحمر، وهى بالطبع مرتبطة بالحكومات في دول الخليج العربي. الأشياء تتحسن تدريجيا.

* خلال الأسابيع الماضية حدث كثير من الاجتماعات مثل القمة الثلاثية بين أوباما ونتنياهو وأبو مازن. كمسؤولة عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين هل تقلقك الحلول النهائية لأوضاع 4 ملايين لاجئ في الشرق الأوسط؟ وهل من ضمن عملك الخوف على مصير اللاجئين؟ ـ طبعا من عملي أن أجذب الانتباه ليس إلى المبادئ العامة لحقوق اللاجئين، لكن إلى الحق الرئيسي لهم وهو حق العودة. طبعا هذا يعود للاجئين وللجانب السياسي لقضية اللاجئين. ولا أعتقد أنه يمكن لعملية سلام أن تنجح من دون انخراط اللاجئين. اللاجئون قضية للحل النهائي مثل القدس والمياه والحدود، لكن لا أحد يتحدث إلى اللاجئين. هناك كثير من المباحثات الجارية الآن، اللاجئون غير منخرطين فيها. تجرى تلك المباحثات من دون حتى التشاور مع اللاجئين أو معرفة ماضيهم. ما ندعو إليه هو ضرورة وضع موضوع اللاجئين في قائمة متقدمة للأولويات. يجب أن نبدأ بحث الموضوع ووضع معالم أساسية له وإعطاء اللاجئين فرصة الاختيار. فيجب أن يختار اللاجئون مصيرهم بشكل حر. ويجب أن يشاركوا في التفاوض ويجب أن يتم التشاور معهم. يجب أن يقولوا: هذا ما نريده. ولن نعرف ماذا يريد اللاجئون حتى نعطيهم حق الكلام ونعطيهم خيارات متعددة. هل يعيشون في الدولة الفلسطينية؟ هل يظلون في البلاد التي هم فيها؟ هل يتوجهون إلى دولة ثالثة؟

* هل الأمر متعلق بإجراء استطلاع لمعرفة توجهات اللاجئين؟ ـ لا. البعض بالفعل أجرى استطلاعات ووجد أن الأمر حساس جدا ودخل في مشكلات. بعض منظمات الاستطلاع الجيدة جدا في الأراضي الفلسطينية حاولت هذا ثم تراجعت بسبب الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها. عندما تسأل اللاجئين عن خياراتهم، الغالبية العظمي تقول: أريد حق العودة.. أريد أن يكون لدي خيار العودة إذا أردت، وأريد تعويضا أيضا لأن قرار 194 نص على التعويض.

* تسربت تقارير عن أن أحد الحلول المقترحة لمسألة اللاجئين هي منحهم الجنسية والجواز والهوية الفلسطينية بكل ما يترتب على ذلك من حقوق، لكن مع بقائهم في بلاد المهجر التي يعيشون فيها. هل ترين هذا عمليا أو قابلا للتطبيق؟ ـ يمكن أن يحصلوا على الجواز الفلسطيني، لكن أي نفع سيعود عليهم إذا لم يكن لهم دولة يمكن أن يعودوا إليها.

* الفكرة أشبه بحل وسط. فطالما أن الكثير من اللاجئين لن يتمكنوا من العودة. فلماذا لا يعوضوا بجواز سفر وهوية فلسطينية حتى إذا استمروا في العيش في الأردن أو لبنان أو الأردن؟ ـ لا أدري كيف يمكن أن يتمتعوا أو يستفيدوا من الهوية الفلسطينية إذا ظلوا في الخارج.

* هذه إحدى الصيغ.. ـ تبدو لي كصيغة محيرة.

* في رأيك ما أفضل حل؟ ـ هذا سؤال لا يمكنني الإجابة عنه. فلا ينبغي أن أتحدث نيابة عن اللاجئين ولا أستطيع أن آخذ منهم إجابة واضحة سوى: أريد أن أعود. فعندما أسال يقولون: أريد حق العودة. يجب أن يتم إخبار اللاجئين عن المعالم المتوقعة لعملية السلام. أو بمعني آخر: ما هي النهاية المتوقعة.

* تبدين فخورة جدا بما أنجزه اللاجئون الفلسطينيون والأبناء الذين تخرجوا من مدارس الأونروا.. ـ لدينا كثير من قصص النجاح. لكن الوضع في غزة أصعب الآن، لأن الناس لا تستطيع أن تخرج من القطاع. فحتى إذا حصلوا على منح دراسية لا يستطيعون الخروج من غزة أو الحصول على تأشيرة للسفر. لكن هناك كثير من قصص النجاح لأشخاص تخرجوا من مدارس الأونروا ويعملون مديرين ورجال أعمال وهو يقولون: نعم نحن لاجئون تربينا في المخيمات وكبرنا مع الأونروا. والشيء نفسه في الأردن؛ كثير من المسؤولين المهمين في الحكومة ذهبوا إلى مدارس الأونروا. نجد هؤلاء في كل مكان في العالم تقريبا.

* ما نسبة أصحاب التعليم العالي أو الجامعي في غزة والضفة الغربية؟ ـ لا أعلم النسبة. لكنني أعلم أن ما يحدث في غزة هو أن الكثير يتوجهون للتعليم الجامعي وحتى ما بعد الجامعي لأنه لا يوجد عمل. يعني تنتهي المدرسة الثانوية أو الجامعة، ثم لا تجد ما تفعله، فتتجه لدراسة الماجستير، ثم الدكتوراه وهكذا. هناك الكثير من الجامعات في غزة.

* الاعتقاد هو أنه بسبب الوضع الاقتصادي في غزة فإن الناس تترك المدرسة أو الجامعة بحثا عن العمل؟

ـ نعم ربما. لكن ليس هناك قوى عاملة في غزة اليوم. فليس هناك وظائف أو حتى اقتصاد بمعني الكلمة. وإذا لم يكن لديك عمل، تذهب للتعليم. طبعا إذا لم تكن لديك شهادة جامعية يمكن أن تجد عملا يدويا في مكان ما أو في إطار برامج التوظيف التي تتبع الأونروا، فهي تعطي 3 أشهر دورات عمل، لكن إذا أردت عملا ملائما فإنك لا تجد، لأنه ليس هناك اقتصاد في غزة خاصة بعد القصف الإسرائيلي لغزة وتدمير كل مصنع وكل ورشة في القطاع الخاص. إذا لم يكن هناك نوافذ للتصدير أو للاستيراد، فليس هناك اقتصاد، كل الأنشطة الآن مرتبطة بالمعونات.

* ستغادرين منصبك في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. هل هناك أي فكرة عمن سيخلفك في منصبك؟ ـ لدي نائب ممتاز من ضمن المرشحين للمنصب (هو الإيطالي فيليب غراندي) يمكن أن يصبح مفوضا عاما ممتازا للأونروا.

* هل منصب المفوض العام للأونروا منصب سياسي؟ هل ينبغي أن يحدث توافق سياسي على من يشغل المنصب؟ ـ لا. أي دولة يمكن أن ترشح شخصا لشغل المنصب. والأمين العام للأمم المتحدة شفاف جدا فيما يتعلق بهذا التعيين، وأرسل أكثر من 190 خطابا إلى دول الأمم المتحدة كي يسأل: هل لديكم شخص تريدون ترشيحه لهذا المنصب؟. وبحسب معرفتي، فإن هناك عددا من الأشخاص تقدموا بترشيحاتهم، لكن نائبي رشح من قبل حكومته وستكون هناك مقابلة تجرى له حول المنصب، كما يحدث مع كل التعيينات التي تتم تحت إدارة الأمين العام للأمم المتحدة.

* هل تطغى أحيانا مشاعرك خلال عملك؟ ـ نعم. هذا عمل إنساني ويثير المشاعر، خاصة عندما أفكر أنني على وشك المغادرة.

* هل تتوقعين البكاء عندما تغادرين منصبك؟ ـ نعم.. أتوقع هذا. لكن أتمني أن لا يحدث هذا أمام الناس (تضحك). سيكون الأمر صعبا جدا عليّ. فعندما كنت في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لم أقض في أي بلد أكثر من عام أو عامين. أنا في غزة منذ أكثر من تسعة أعوام ولديّ الكثير من الارتباطات بالناس. وستكون المغادرة صعبة جدا، فالطبع هذه منطقة من العالم تتغلغل في دمك.

* حقائق أساسية عن الأونروا

* تأسست وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 في 8 ديسمبر (كانون الأول) عام 1949 لغرض تقديم الإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل للاجئين الفلسطينيين. وقد بدأت الوكالة عملياتها الميدانية في أول مايو (أيار) عام 1950. وفي غياب حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، تقوم الجمعية العامة بالتجديد المتكرر لولاية الأونروا.

* يستأثر التعليم بنصيب الأسد من بين أنشطة الأونروا، فهو يستقطع نصف ميزانيتها الاعتيادية وثلثي موظفيها. ومن أجل التوسع في فرص التعليم العالي لشباب اللاجئين، تستمر الأونروا في توفير منح للدراسة الجامعية لنحو 56 طالبا سنويا. غير أن الوكالة لم تعد قادرة على تقديم منح دراسية جديدة بسبب ما تتعرض له من قيود مالية.

* تقدم الأونروا الرعاية الصحية الأساسية للاجئين المسجلين من خلال شبكة المستشفيات التابعة لها وتستقبل سنويا في المتوسط نحو 9 ملايين مريض.

* يأتي معظم التمويل للأونروا من تبرعات طوعية من الدول المانحة. وأكبر المانحين للأونروا هي الولايات المتحدة الأميركية والمفوضية الأوروبية والمملكة المتحدة والسويد ودول أخرى مثل دول الخليج العربي والدول الاسكندنافية واليابان وكندا.

* سبب عدم وجود ميزانية ثابتة للأونروا هو أنه عندما تم تأسيس الأونروا كوكالة مؤقتة، رأت الأمم المتحدة والدول الأعضاء أنه من صالح الأونروا واللاجئين أن تقوم الوكالة بجمع تبرعات طوعية غير محددة من الدول الأعضاء. ومع ذلك تقوم الأمم المتحدة بتمويل كافة الوظائف الدولية لدى الأونروا.

* عملت السيدة أبو زيد مفوضاً عاماً للأونروا منذ شهر يونيو (حزيران) 2005 وكنائب للمفوض العام بين 2000 ـ 2005 وستنتهي خدماتها لدى الأونروا في نهاية هذا العام.