توقيع اتفاقية سلام تاريخية بين تركيا وأرمينيا.. بعد جدل حول «جملة»

بسبب مخاوف يريفان من صيغة البيان التركي الختامي

TT

وقعت أرمينيا وتركيا اتفاقية تاريخية لاعادة تطبيع العلاقات بينهما, بعد قرن من المقاطعة بين البلدين. ووقع الإتفاقية وزيرا خارجية البلدين بحضور وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والسويد (رئيسة الاتحاد الاوروبي الحالية). وكانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون عادت الى فندقها في وقت كان من المفترض ان تشارك فيه باحتفال التوقيع إثر تأجيله في آخر لحظة بسبب جملة في الإعلان الصحافي. وقال ناطق باسم الخارجية الاميركية ايان كيلي: «نحن نسهل لكي يتوصل الطرفان الى اتفاق حول البيان الختامي الذي ستتم تلاوته في نهاية الحفل». وحتى وقت متأخر من مساء أمس، كانت المفاوضات لا تزال جارية لحل العقدة. وقال ديبلوماسيون ان ارمينيا كانت قلقة من الصيغة في البيان التركي الذي كان من المفترض ان يلقيه وزير الخارجية التركي أحمد داوود أغلو في ختام الحفل. وتوسط الوفد الاميركي لمحاولة حل الخلاف، وكان أحد أعضاء الوفد المرافق لكلينتون يلتقي بالوفد الارمني ويجري اتصالات بالوفد التركي لحل المسألة. وقال مسؤول اميركي لوكالة أسوشييتد برس رفض الافصاح عن اسمه لحساسية المباحثات، أن سيارة تابعة لشرطة زوريخ أوصلت رسميين من الوفد التركي الى الفندق حيث تنزل كلينتون، ليقدما لها نسخة جديدة من البيان. وأضاف المسؤول ان فيليب غوردن، مساعد وزيرة الخارجية، التقى بعد ذلك مع الاتراك والوسيط السويسري مايكل أمبويهل، للبحث في حلّ. وتنهي الاتفاقية قرنا من العداء الناجم عن قيام القوات العثمانية بقتل جماعي للارمن في الحرب العالمية الاولى. لكن يتعين بعد ذلك أن يقره برلمانا البلدين في مواجهة معارضة من القوميين في الجانبين وارمن الشتات الذين يتمتعون بنفوذ قوي ويصرون على اعتراف تركيا بان عمليات قتل الارمن كانت ابادة جماعية. ويعزز الاتفاق سطوة تركيا في منطقة جنوب القوقاز المضطربة، وهي ممر رئيسي لنقل امدادات النفط والغاز الى الغرب. وكان قد وصل الى جامعة زوريخ نخبة من دبلوماسي العالم لحضور حفل التوقيع، وكان الى جانب كلينتون، وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ووزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري، وخافيير سولانا منسق السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي وبرنارد كوشنير وزير الخارجية الفرنسي. وكانت أرمينيا وتركيا قد أعلنتا قبل نحو ستة أسابيع عن عزمهما توقيع هذه الاتفاقات التي تم التوصل إليها بوساطة سويسرية. ولم يبدأ التقارب بين تركيا وأرمينيا سوى قبل نحو عام عندما زار الرئيس التركي عبدالله جول العاصمة الأرمينية يريفان كأول رئيس تركي يقوم بمثل هذه الخطوة منذ الجمود الذي بدأ في علاقاتهما عام 1993 عندما انقطعت العلاقات بين البلدين بسبب النزاع بين أرمينيا وأذربيجان على تبعية إقليم ناجورنو كاراباخ وانحياز تركيا إلى جانب أذربيجان. غير أن العلاقات بين تركيا وأرمينيا كانت باردة للغاية قبل وقوع هذا النزاع وذلك بسبب تهجير تركيا ما يصل إلى مليوني أرميني من أراضيهم داخل الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى. واتفق الطرفان في أبريل (نيسان) الماضي على تطبيع العلاقات بينهما بشكل تدريجي. وجاء ذلك بعد أشهر من المفاوضات بين ممثلين عن الجانبين. وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد الأرمينيين الذين كانوا يعيشون داخل الدولة العثمانية حتى أواخر القرن التاسع عشر، وصل إلى مليوني ونصف أرميني. غير أن الأرمن أصبحوا حاليا مجرد أقلية صغيرة داخل تركيا بعد زوال الدولة العثمانية.

وحسب البيانات الأرمينية فإن نحو مليون ونصف مليون أرميني قتلوا أثناء عمليات الترحيل التي حدثت عام 1916/1915 في حين تذهب تركيا إلى أن عدد ضحايا عمليات الترحيل لا يتعدى 200 ألف شخص. وبررت تركيا عمليات التهجير بأن الأرمن المسيحيين وقفوا إلى جانب أعداء الدولة العثمانية في حربها. واعتبرت الكثير من الدول الفظائع التي وقعت بحق الأرمن أثناء عمليات التهجير بمثابة تطهير عرقي ولكن تركيا ترفض هذا الوصف. وستستفيد كل من تركيا وأرمينيا من التقارب الحالي في العلاقات بينهما حيث سيحصل الأرمن على طرق تجارية جديدة ناحية الغرب من خلال فتح الحدود التركية أمامهم. ولن تضطر الصادرات التركية لروسيا لقطع طرق أطول وأضيع للوقت عبر جورجيا.

وعلى الرغم من أن أرمينيا ستحقق مكاسب كبيرة من الاتفاق نتيجة لانفتاح اقتصادها للتجارة والاستثمار الا أن الرئيس سيرج سركسيان يواجه احتجاجات في الداخل ومن عدد كبير من الارمن في الشتات، بسبب تخلي أرمينيا عن حقها بمطالبة تركيا بالاعتراف بعمليات الابادة خلال الحرب. وفي المقابل، تتعرض تركيا التي تتطلع الى عضوية الاتحاد الاوروبي وأرمينيا الجمهورية السوفيتية السابقة، لضغوط أميركية وأوروبية لتوقيع اتفاق السلام الذي يضع جدولا زمنيا لاعادة العلاقات الدبلوماسية وفتح الحدود بين البلدين.