مسرحيون عراقيون يقترحون على السياسيين حل خلافاتهم فوق كوكب نبتون

عرض مسائي يناقش بأسلوب كوميدي مشكلات حياتية ويجتذب مئات العوائل البغدادية

جمهور عراقي يتابع بحماسة عرضا مسرحيا ببغداد («الشرق الأوسط»)
TT

وجد مسرحيون عراقيون الأسلوب الأمثل لمعالجة مشكلاتهم السياسية والاجتماعية وحل الخلافات بين الكتل والأحزاب والشخصيات المختلفة حد الاقتتال. الطريقة التي عالج بها مؤلف وأبطال المسرحية الكوميدية (اللي يريد الحلو) تبدو سحرية وغريبة، إذ لم يجد هؤلاء أي طريقة أو مكان يحل مشكلات العراق سوى اجتماعهم فوق كوكب نبتون، بعد أن يتم اختطافهم إلى هناك حيث يجتمعون ويتصالحون، ولا ندري إن كانت هذه دعوة للسياسيين العراقيين للذهاب إلى كوكب آخر أم لحل مشكلاتهم وخلافاتهم، أو البقاء هناك للأبد.

العرض المسرحي المستمد عنوانه من مثل شعبي عراقي، حوله الفنان كاظم الساهر إلى أغنية مشهورة، دشن حقبة جديدة في تاريخ المسرح العراقي بعد الغزو، ألا وهي حقبة العروض المسائية التي كانت قد اختفت وتحولت إلى عروض نهارية بسبب الأوضاع الأمنية السيئة وقرارات منع التجوال مساء.

وحتى نهاية التسعينات كان المسرح العراقي بعروضه الجادة أو الترفيهية هو أحد أهم خيارات العائلة العراقية لتمضية أماسيهم فيه، حيث كانت هناك على الأقل أكثر من سبعة عروض مسرحية لفرق حكومية وأهلية، خاصة بعد أن غابت الأفلام السينمائية بسبب الحصار الذي فرض على العراق، وتحولت دور السينما إلى صالات للعرض المسرحي.

وأول من أمس، خفتت الأضواء فارتفعت ستارة المسرح الوطني العراقي وعلت موجة من التصفيق، ترحيبا بمسرحية «اللي يريد الحلو يصبر على مره» وظهر ستة رجال يرتدون سترات بيضاء متوهجة وثلاث نساء يرتدين ملابس أنيقة يرقصون وينشدون إحدى الأغنيات.

وامتلأت قاعة المسرح بمقاعدها الألف لحضور العمل الكوميدي بعد أن استضافت نتاجا أجنبيا لأسماء لامعة مثل وليم شكسبير وانطون تشيخوف. وقام مساعدون بتوزيع مقاعد بلاستيكية بيضاء للأعداد الزائدة من الجمهور مقابل عشرة آلاف دينار (ثمانية دولارات) وإلا فإنهم سيبقون واقفين خلال العرض المسرحي. وقالت إيلاف محمد (29 عاما) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» «اعتدنا الذهاب إلى المسرح والسينما في أوقات ما قبل الحرب».

وأضافت المهندسة بينما كانت برفقة زوجها أسامة وابنتها ذات الثلاثة أعوام «من الجيد جدا أن نستطيع أن نفعل ذلك مرة أخرى»، مشيرة إلى أن «الحياة يجب أن تستمر» ويوافق أسامة على ما تقوله وبدا وجهه يحمل آثار جروح نتيجة انفجار شاحنة مفخخة أسفرت عن مقتل العشرات وجرح المئات في بغداد قرب وزارة الخارجية في 19 أغسطس(آب) الماضي.

وقال أسامة «اعتاد الناس الخوف من الخروج ليلا ونشعر اليوم بالسعادة لأن الأوضاع تغيرت فبغداد مدينة كبيرة ونحن بحاجة إلى التمتع بالنواحي الثقافية، خاصة أن صالات السينما في بغداد لا تزال مغلقة، لكن بالإمكان الذهاب إلى المسرح في المساء».

معظم الممثلين المشاركين في المسرحية من نجوم البرامج التلفزيونية، وبينهم ماجد ياسين وهو من المخضرمين الذين فروا بعد اجتياح عام 2003 وموجة التفجيرات والخطف والقتل الطائفي التي مزقت المجتمع.

وقال ياسين إن «قلوب العراقيين مليئة بالتحسر والألم، يمكنك رؤية آلامهم فالشعب قد اعتاد البكاء»، مضيفا «أنا وزملائي نقوم بالتمثيل حتى نتمكن من إضحاكهم مرة أخرى». وتركز المسرحية على اثنين من الأصدقاء اللذين يتخاصمان عندما يقع أحدهما في حب شقيقة الآخر، كما أنها تتضمن عنصر الخيال العلمي عندما تنتشل سفينة الفضاء الرجال إلى كوكب نبتون، وإجبارهم على تنحية خلافاتهم جانبا.

وقال العباسي إن الهوة بين مجتمعات العراق تقلقه «وأسعى إلى توجيه رسالة للشعب، أنه ليس هناك خلافات في نهاية المطاف فالأصدقاء بدأوا بمسامحة بعضهم بعضا، هذا ما يحتاجون إليه ليعودوا إلى الوطن».

ويقع المسرح في حي الكرادة وتحميه الجدران الإسمنتية بينما كانت الشرطة منتشرة بأعداد كبيرة في الشوارع المحيطة أثناء العرض وبعده، كما يخضع رواد المسرح للتفتيش والتدقيق الأمني.

وقال مدير المسرح غانم حميد، «الأمور أفضل مما كانت عليه أمنيا» يمكن للناس في النهاية الخروج مساء للتمتع والمشكلة الرئيسية بالنسبة لنا، هو انعدام الأموال الكثيرة لكن يمكننا أن نفاخر بهذا الإنتاج».

وكان وزير الثقافة ماهر إبراهيم الحديثي، أقر في يونيو (حزيران) الماضي أن مبلغ 85 مليون دولار موزانة الوزارة «بائسة».

وقال خالد أحمد، وهو سائق حافلة من الأعظمية، حضر المسرحية بمعية زوجته وأطفاله الثلاثة، «مررت أمام المسرح قبل يوم وشاهدت ملصقات الدعاية فقررت جلب الأسرة لقد اعتدنا على تمضية الكثير من الوقت في المنزل، أما الآن فلدينا خيار على الأقل».