كرة القدم اللبنانية تدفع ثمن «القرار السياسي»: منع فريق «حزب الله» من اللعب على أرض «المستقبل»

اتحاد اللعبة رفض «تلوين الملاعب طائفيا» فأقفلت القوى الأمنية «البلدي» أمام «العهد»

TT

في لبنان مثل شائع يقول: «ما دخلت السياسة شيئا إلا أفسدته»، وهذا واقع ينطبق تماما على كرة القدم اللبنانية التي تعاني الأمرّين منذ اندلاع الأزمة الجديدة في البلاد عام 2005، وهي الآن «في أحلك أيامها»، كما يقول الأمين العام لاتحاد الكرة اللبناني رهيف علامة لـ«الشرق الأوسط».

لم يكن يكفي الكرة اللبنانية منع الجمهور من دخول ملاعبها منذ عام 2006 على خلفية هتافات طائفية ومذهبية وسياسية، حتى بدأت قرارات المنع تطال المباريات المقامة دون جمهور كما حصل أول من أمس عندما منعت القوى الأمنية بالقوة إقامة مباراة في الأسبوع الأول من الدوري العام بين فريقَي «العهد» و«المبرة» على الملعب البلدي في مدينة بيروت.

القرار الذي بررته مصادر أمنية بأنه لمنع «إثارة مشكلات طائفية»، كان يهدف إلى نقل مباريات فريق «العهد» المدعوم من «حزب الله»، من «أرض الخصم» باعتبار أن الملعب البلدي يقع في منطقة طريق الجديدة، المعقل الرئيسي لتيار «المستقبل»، وهو على ما يبدو قرار اتُّخذ بتوافق الأجهزة الأمنية الرسمية وغير الرسمية، بدليل التدخلات التي حصلت مع اتحاد كرة القدم الذي رفض الرضوخ لـ«التمنيات» التي نُقلت إليه، فكان قرار المنع بإقفال القوى الأمنية للملعب. علما بأن الاتصالات التي جرت بدأت من قوى الأمن الداخلي والاستخبارات العسكرية اللبنانية وصولا إلى جهاز أمن «حزب الله»، وصولا إلى قيادات سياسية قبل أن تصل إلى مسامع اتحاد الكرة قبل أقل من ساعتين من موعد المباراة.

ويستغرب علامة «الاستفاقة المتأخرة» للقوى الأمنية على هذا «الهاجس» باعتبار أن اتحاد الكرة «قرر إقامة هذه المباراة وغيرها من ضمن جدول البطولة العام الذي أقر وأعلن في يونيو (حزيران) الماضي، فكان أن أُبلغنا بتمنياتهم قبل ساعة ونصف فقط من إقامة المباراة». واستغرب كيف أنه قبل الاتصال به جرى الاتصال بجهات أمنية حزبية «وكأنما الأمر شأن استخباراتي حزبي»، مشيرا إلى أنه رفض تأجيل اللقاء «لأنه بالشكل، فإن القرار بالتأجيل لا يعود إليّ شخصيا بل إلى اللجنة العليا للاتحاد»، أما في المضمون فيصف علامة الطلب بأنه مستهجَن. و«تطور معيب وخطير». وقال: «من المعيب والخطير أن جهات رسمية مسؤولة في لبنان ترضى عن قصد أو دونه بتلوين الملاعب الرياضية بألوان طائفية فتصبح الملاعب مفتوحة أمام ناد من الأندية ومقفلة بوجه آخر»، معتبرا أن من شأن هذا «هز الأساس الذي بُنيت عليه الأندية الرياضية التي تضم نسيجا طائفيا مختلطا على الرغم من الخلفيات المناطقية التي تبقى تلون هذه الأندية». وشدد على أن هذا الاتحاد لن يرضى بأن يرتكب حماقة القبول بتأجيل المباراة وأن يصبح ممنوعا على نادي العهد أن يلعب في الطريق الجديدة»، لأن هذا الأمر يفتح الباب «أمام منع أندية أخرى كالنجمة والأنصار من اللعب في الجنوب مثلا»، ويضيف: «عندها نكون قد دخلنا في نفق مجهول وتدفع اللعبة مجددا الثمن من وحدتها التي كانت أهم ما استطاع الاتحاد الحفاظ عليه خلال السنوات الأربع الماضية».

وردا على سؤال عن مصير بقية مباريات فريق العهد، قال علامة: «هذا الأمر سيكون موضع دراسة معمقة من الاتحاد لاتخاذ الخطوات اللازمة». وأضاف: «نحن نعرف أنه إذا كانت السلطات الأمنية عازمة على المنع، فهي قادرة على تنفيذه رغم اعتراضنا على المبدأ. ونعرف أن القرار بالشق الأمني ليس ملكا للاتحاد، لكننا لن نألو جهدا في تأكيد تمسكنا بإضفاء اللون الرياضي وحده على كل الملاعب»، مشيرا إلى أن الاتحاد أمام خيار من اثنين، «فإما تثبيت إقامة المباريات في مواعيدها وأماكنها، وإما الانصياع لقرار السلطة الأمنية بنقل مباريات العهد».

ويستغرب علامة التعامل مع كرة القدم كأنها «سبب لإعادة الحرب الأهلية إلى لبنان»، مشيرا إلى أن السلطات الأمنية تمنع الجمهور قسرا من حضور المباريات، و«اليوم أتوا لمنع اللاعبين من الدخول، كأنما 20 لاعبا يشكلون عبئا على الأمن». ويرفض مقولة إن الأزمة السياسية هي سبب الأزمة الرياضية، معتبرا أن «القرار السياسي هو السبب». ويقول: «واقع الحال أنه على رغم ترنح كرة القدم اللبنانية على المستوى الفني، فإننا ما زلنا نشهد ظاهرة لافتة في وحدة الأندية وتلاحمها الوطني بما يؤكد أن السياسة بقيت خارج أسوار هذه الأندية». أما من الجهة الفنية، فإن لعبة كرة القدم في تدنٍّ مستمر، إذ غابت مداخيل الأندية من المباريات، ثم من الرعاية الإعلانية، حتى أصبحت الموارد الإعلانية صفرا. وهذا الواقع جعل الأندية عاجزة عن تقديم أي برامج تطويرية وبدأ «التراجع المخيف»، كما يصفه علامة الذي يشير إلى أن هذا التراجع أصاب الأندية والدوري وصولا إلى المنتخب الوطني.