أزمة المياه تحول اليمن من سعيد إلى حزين

الهجرة إلى العاصمة فرضت ضغوطا كبيرة على أسواق الوظائف وعلى الخدمات

مهاجرون جدد إلى العاصمة بسبب أزمة المياه («لوس أنجليس تايمز»)
TT

تجلس عائشة صوفي، امرأة ذات أعين مرهقة ولديها تسعة أطفال، في انتظار شاحنة مياه في بلاد يعصف بها الجفاف. وتعد عائشة واحدة من بين قرابة 150.000 يمني اضطروا إلى الرحيل عن قراهم هذا العام في اتجاه صنعاء، عاصمة البلاد، بحثا عن احتياجات أساسية. على سبيل المثال، أصبحت المياه والوظائف شحيحة على نحو متزايد داخل المناطق الريفية، حيث ارتفعت أعداد السكان بمعدل أربعة أضعاف منذ الثمانينات. في هذا الإطار قالت صوفي، التي تعيش في ضاحية حشيشية في صنعاء: «الأوضاع ليست بجيدة هنا أو هناك، لكن من الأفضل الوجود هنا. هناك في القرية لا يوجد شيء، ليست هناك أمطار ولا منشآت حديثة ولا شيء يساعدنا على الإطلاق». من ناحية أخرى، تسببت موجة الهجرة ـ حيث تتنامى أعداد سكان العاصمة البالغة مليوني نسمة بمعدل نحو 8% سنويا ـ في خلق ضغوط كبيرة على أسواق الوظائف وعلى الخدمات. ومن المحتمل أن تجعل هذه الضغوط الهائلة من صنعاء أول عاصمة في العالم تنفد منها مياه الشرب، بحلول عام 2025، طبقا لتوقعات صدرت مؤخرا عن «مشروع إدارة المياه بصنعاء»، الذي يموله البنك الدولي.

الملاحظ أن أزمة المياه، التي يقول المسؤولون إنها تستلزم حفر آبار إضافية وبناء المزيد من أنابيب المياه لخدمة سكان المدينة المتزايدة أعدادهم، تعرضت للتجاهل في الجزء الأكبر منها في خضم المشكلات الكثيرة الأخرى التي تعانيها البلاد. يذكر أن اليمن يخوض معارك ضد متمردين من المسلمين الشيعة في الشمال وحركة انفصالية بالجنوب، علاوة على استعادة تنظيم «القاعدة» نشاطه مجددا داخل البلاد وتفاقم أعمال القرصنة في خليج عدن. يعد اليمن أشد الدول العربية فقرا، ومع ذلك يبقى حليفا استراتيجيا في الجهود الأميركية لمحاربة الإرهاب.

داخل حشيشية ينتمي معظم السكان إلى وافدين جدد. لا يزال الكثير من المباني تحت الإنشاء، وتنتشر النفايات في الشوارع غير الممهدة، وتشهد المنطقة انقطاع التيار الكهربائي بصورة يومية.

بالنسبة لصوفي وزوجها وأطفالهما، الذين قدموا من قرية جوبان، يعد الحصول على مياه نظيفة هو محل الاهتمام الأكبر. يذكر أن الفرد في اليمن يعيش في المتوسط على خُمس المعدل الذي تعده منظمة الصحة العالمية مناسبا لاستهلاك الفرد.

مثلما الحال مع ما يتراوح بين 60% و70% من سكان صنعاء، تعتمد صوفي على شاحنات لنقل المياه تتبع ملكية خاصة، تقوم باستخراج المياه من الآبار المحيطة. ولا يوجد معيار محدد لتسعير مياه الشرب، وتتباين مستويات جودة المياه بدرجة بالغة. أما من يعجزون عن توفير تكاليف نقل المياه إلى منازلهم أو أوعية المياه النظيفة التي يجري بيعها بالمتاجر، وتتراوح تكلفتها بين 20 و60 سنتا للغالون، فيعمدون إلى الحصول على المياه مجانا كل يوم من حنفيات موجودة خارج المساجد. ومن المشاهد الشائعة في اليمن رؤية سيدات شوارع «المدينة القديمة» المتشابكة الأشبه بالمتاهة، حاملات آنية بلاستيكية مملوءة بالمياه.

من ناحية أخرى، تعمد بعض النساء إلى جمع المياه التي استخدمها أفراد الأسرة في الاستحمام لاستخدامها في غسل الملابس، ثم يُعِدن استخدام هذه المياه التي تكتسب لونا داكنا أشبه بلون شراب الحليب والشيكولاته في أغراض أخرى. وبررت إحدى السيدات ذلك بالقول: «تصلنا المياه كل 10 أيام»، بينما كانت تصب مياها يغلب عليها لون الطمي في حوض المطبخ استعدادا لغسل الأطباق.

من جهتهم، يعتقد المحللون أن الازدياد السريع في أعداد السكان الفقراء يزيد الأمور تعقيدا، حيث يعجز الكثيرون عن توفير ثمن الحصول على كميات كافية من المياه لأسرهم، بغض النظر عن مسألة مدى توافرها. طبقا للإحصاءات الصادرة عن البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة، فإن نحو 45% من السكان يعيشون على أقل من دولارين يوميا.

إلى جانب ذلك، من المحتمل أن يرتفع سعر إمدادات المياه التي يجري نقلها باستخدام الشاحنات، وتبلغ تكلفتها حاليا قرابة بنس للغالون، على مدار العقد القادم، حسبما أوضح ناجي أبو حاتم، المسؤول البارز بمجال التنمية الريفية لدى البنك الدولي في صنعاء. وأضاف أبو حاتم أنه ينفق 75 دولارا شهريا لتوفير المياه لأفراد أسرته البالغ عدهم تسعة أفراد، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 100 دولار شهريا. وقال: «سيضطر الناس إما إلى دفع مزيد من المال وإما اللجوء إلى تقليل كميات المياه التي يستخدمونها».

من جهتها، أشارت صوفي إلى أنها تتلقى العون من جيرانها والجمعيات الخيرية. يذكر أن زوجها الذي يعمل نجارا وراعيا للغنم لا يزال عاجزا عن العثور على عمل في صنعاء، حيث يصل معدل البطالة إلى نحو 35%.

وقالت صوفي: «لدي ابن لا يزال يعيش في القرية، وآخر مريض بالسرطان. أما ابني الثالث فعاجز عن العثور على عمل، ويعيش معي جميع زوجاتهم حاليا. هناك مزيد ومزيد من الأفراد، بينما لا يوجد سوى إمكانية ضئيلة لزيادة ما تملكه».

من ناحيته، أوضح عبد الرحمن فضل الارياني، وزير البيئة والموارد المائية، الذي يحصل شخصيا على الماء عن طريق الشاحنات، أن التغلب على أزمة المياه بمختلف أرجاء البلاد يتطلب تنفيذ الحكومة خطة شاملة للإشراف على عمليات استخراج المياه وحفر آبار إضافية وبناء مزيد من أنابيب المياه الرئيسية لخدمة العاصمة المتزايدة أعداد سكانها، علاوة على إصلاح أساليب استخدام المياه في القطاع الزراعي.

وقال الارياني إن ما يقدر بـ99% من عمليات استخراج المياه في اليمن غير مرخصة، ما يفاقم مشكلة الإفراط في استخراج المياه. وقال: «نتوقع أن تجف الكثير من الآبار ذات الملكية الخاصة قريبا. بعد ذلك سيتعين علينا العثور على مورد جديد، أو الاستمرار في حفر الأرض لأعماق أبعد». العام الماضي قدم البنك الدولي تمويلا لحفر 10 آبار حكومية جديدة على بعد نحو ثلثي ميل من سطح الأرض قرب صنعاء.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»