أجهزة لرصد المتفجرات بمعامل فيدرالية في حرب الإرهاب

المتفجرات البلاستيكية وردية اللون وسي فور مفضلة عند «القاعدة»

TT

بعد ثمانية أعوام من هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، بدأت الخطوط الأمامية للحرب الأميركية على الإرهاب تستعين بمعمل فيدرالي غير معروف تابع لـ«آي.بي.أيه»؛ وبداخل ذلك المعمل، كان المهندس نيلسون كاري يضع ما يبدو وكأنه قطع من السوسيس على كعكة محلاة. يقول كاري وهو يمسك بالمتفجرات البلاستيكية وردية اللون التي تفضلها جماعات الإرهابيين: «هذه هي متفجرات السوسيس». وعلى طاولته، ترقد دمية «تليتوبي» خضراء محشوة بمتفجرات (سي فور) العسكرية، وصندل جلدي يحتوي على متفجرات شديدة الانفجار، وكعكة «إنتنمان» مغطاة بخليط من المتفجرات يبدو وكأنه سكر منثور على سطحها، وغيرها من الأجهزة القاتلة التي عمل كاري وزملاؤه على إنشائها. ولا يحتوى أي من هذه الأجهزة على فتيل التفجير، وبالتالي فهي آمنة. يقول كاري: «لقد تركنا خيالنا ينطلق. وهناك عدد لا نهائي من أنواع المتفجرات المرتجلة». وكذلك الحلول على الأقل نظريا. وهنا يأتي دور معمل أمن المواصلات؛ حيث يعمل العلماء على تخيل الطرق التي يستطيع العدو من خلالها أن يسرب سلاحاً أو قنبلة على الطائرة، وبالتالي نتمكن من إنشاء دفاعات أو طرق لصد تلك المخاطر. وهذه الأعمال هي خليط بين العلوم المتطورة، وخيال ماكسويل.

وقد أجرى فريق العمل بالمعمل تجارب من خلال تفجير أكثر من 200 قنبلة في ممرات مهجورة للطائرات. كما أنهم ملأوا أحد المستودعات بحوالي عشرة آلاف من حقائب السفر المفقودة أو المهملة وغيرها من الحقائب الأخرى. فتقول سوزان هالويل، مديرة المعمل، إنهم جمعوا تلك الحقائب ووضعوا بداخلها القنابل وجعلوها تمر على أجهزة مراقبة مثل تلك الموجودة في المطارات. فإذا مرت إحدى تلك القنابل من أجهزة الرصد، يعمل الفنيون على اكتشاف السبب وكيفية معالجته في المرة التالية. وتضيف سوزان: «نحن نطلق عليه علم الحقائب».

والأهم من ذلك هو أن المعمل يقوم بتقييم والتصديق على كل المعدات التي يتم شراؤها من الشركات الخارجية لتفتيش وفحص المسافرين وحقائبهم في ما يعادل حوالي 450 مطاراً أميركياً.

من جهته، يصف الدكتور كولين دروري، الأستاذ الفخري بالهندسة بجامعة نيويورك في بافالو، المعمل بأنه «أحد أفضل المعامل في العالم نظرا للعمل الذي يقومون به»، موضحا: «أنهم يفكرون بانفتاح، ولديهم دائما أفكار جديدة، وحتى إن كانت 90% من تلك الأفكار لم تنجح فلا بأس، طالما أن 10% من تلك الأفكار قد نجحت».

يذكر أن حوالي 125 من المهندسين، والفيزيائيين، والكيمائيين وغيرهم يعملون في ذلك البناء المنخفض الذي يقع وسط أراض خضراء تحيط بها أسوار عالية وحراس مسلحون على مقربة من المطار الدولي لمدينة «أتلانتيك سيتي».

وبداخل ذلك البناء، هناك خليط غريب من الغرف التقليدية والحجرات المضادة للانفجارات، والأبواب المصنوعة من الصلب الكثيف وثلاثة جدران معززة، فإذا ما تعرض المبنى لأي حادث، فمن المفترض أن يعكس التصميم الانفجار إلى الجدار الرابع الذي يواجه الخارج. حقا، إنها بيئة عمل تعج بالأشياء التي تذكرنا بالطريقة التي غير بها الإرهاب العالم. انضمت هالويل (56 عاما)، إلى المعمل باعتبارها اختصاصية في الكيمياء التحليلية عند افتتاحه بعد الانفجارات الإرهابية التي تعرضت لها رحلة الطيران بان أميركيان 103 في عام 1988، حيث انفجرت الطائرة فوق لوكيربي باسكتلندا. وما زال المعمل يحتفظ بنموذج كامل لجهاز التسجيل الذي كان معبأ بمتفجرات السمتكس، التي أسقطت الطائرة؛ مما أسفر عن مقتل 270 شخصاً.

وقد تم تعيين هاولويل كمديرة للمعمل مباشرة بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وقد استطاعت هاولويل تحويل المعمل المنعزل إلى مجمع صغير، لكنه شديد الأهمية وهو ما أصبح حاليا جهازا تابعا للأمن الداخلي. وكانت ميزانية ذلك المعمل متأرجحة طوال الوقت، لكنها تبلغ حاليا 45 مليون دولار أميركي في العام. ومثل شخصية «كيو» في أفلام جيمس بوند، فإن هالويل تستمتع بأدواتها غير الاعتيادية – والدعابة السوداء المتضمنة في مهنتها.

وعندما كانت هالويل تقوم بجولة معنا، توقفت لكي تفحص حذاء نسائيا موضوعا على أحد الرفوف، كانت قد أخفت بنعله متفجرات خاملة. فتقول: «لقد أحببت دائما هذا الحذاء. كما أن قياسه يلائمني». من جهة أخرى، ترتكز معظم جهود المعمل على التكنولوجيا الغريبة. ففي إحدى الحجرات، وضع الكيميائي، إنهو شو، متفجرات سائلة في زجاجة صغيرة بنفسجية اللون من مشروب النوتريباسل (مشروب مغذٍ للأطفال). ووضع الكيميائي هذه الزجاجة في صندوق شفاف ومضاد للانفجار أثناء فحصها لكي يكتشف درجة الحساسية التي يجب أن تتوافر في مداخل البوابات في المطار كي تتمكن من التقاط البخار المتسرب من الزجاجة. فيقول إنهو شو: «ربما بعد خمس سنوات ستكون تلك الأجهزة حساسة بالدرجة الكافية».

وفي غرفة أخرى، يستخدم روب كليوغ التكنولوجيا الطبية لكي يجري ما يشبه الفحص بالأشعة على حبات الفول السوداني (إم. أند. إم). ثم يقيس كثافة الحلوى وفعالية الرقم الذري، ويقارن تلك البيانات بالبيانات الخاصة بالمتفجرات. فيقول: «ما زلنا نبحث عن تطبيقات عملية».

وعلى مقربة منه، يصوب الفيزيائي جيف باربر موجات لاسلكية عالية التردد على مجموعة متفجرات؛ كي يفحص التفاعل بين الجزيئات بغرض إنتاج دليل بصري فريد يمكن مقارنته بالمواد الأخرى. فيقول جيف وهو يشير إلى رسم بياني ملون يمثل مسحوق (تي. إن. تي) على شاشة حاسوبه: «هذا أحدث ما توصل إليه العلم، لكننا ما زلنا في المرحلة التجريبية».

وهناك تناقض بين جهود المعمل لتتبع التهديدات الخفية والحاجة لحماية خصوصية المسافرين الأبرياء، وبالتالي أصبح المعمل طرفا في الجدال الذي نشب أخيراً والمتعلق بهيئة أمن المواصلات؛ العميل الأساسي لهذا المعمل.

فقد أعلنت جانيت نابوليتانو، وزيرة الأمن الداخلي خلال الشهر الجاري، أن هيئة أمن المواصلات سوف تنشر حوالي 150 جهاز مسح ضوئي ذات تشتت خلفي عند نقاط التفتيش بالمطارات الكبرى بما في ذلك مطار لوس أنجليس الدولي بالإضافة إلى 46 جهازاً تم اختبارها في مشروع رائد.

وتستخدم هذه الأجهزة حزمة من الأشعة السينية منخفضة القوة التي تنتج صورا ثلاثية الأبعاد لكل مسافر، حيث تستطيع تلك الأجهزة إظهار كل نتوء، انتفاخ، أو حتى الأعضاء الحميمية من الجسم على الشاشة.

وقد اشتكى الاتحاد الأميركي للحريات المدنية وغيره من الجماعات الخاصة من أن مثل تلك الطريقة الاقتحامية في التصوير هي «تفتيش ذاتي افتراضي». فيقول مايكل ماكليودبول، المسؤول بالاتحاد الأميركي للحريات المدنية بواشنطن: «هذا يسمح مبدئيا لإدارة الأمن بالمطارات من أن ترى ما تحت ملابسك. فيمكنهم أن يروا إذا كنت قد أجريت جراحة شرجية، أو استئصال للثدي، إن ذلك فحص خاص أكثر من اللازم لأجساد المسافرين».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»