الهولنديون من أصول مغربية: نفقد شبابا بسبب الجريمة أكثر مما نفقدهم بسبب السلفية

حكومة هولندا منزعجة من انخراطهم في عالم الإجرام

TT

في بيان نشرته مجموعة مكونة من 38 من المنظمات والمهنيين المغاربة الهولنديين، كوثيقة تستهدف كسر حالة السلبية في المجتمع بشأن الجريمة في أوساط الشباب الهولنديين من أصول مغربية، أشارت المنظمات إلى أنها تريد من خلال البيان زيادة الوعي بارتفاع معدل الجريمة بين الهولنديين المغاربة صغار السن، باعتبارها مشكلة اجتماعية كبرى يتوجب على مجتمعهم تحمل مسؤوليته إزاءها. ويوجد ضمن الموقعين ضباط شرطة، وموظفون بالسجون، ومدرسون، وعاملون بالخدمات الاجتماعية. ويعتقد هؤلاء أن التدريب المكثف وتصحيح وإعادة التنشئة الاجتماعية، هو العامل الحاسم «لإعادة هؤلاء الشباب إلى الصف».

ويريد الموقّعون على هذا البيان أن يجتمعوا بصفة منتظمة لتقديم المشورة للمؤسسات والمسؤولين عن صنع السياسات بالبلاد. ويقول العامل بمجال الخدمات الاجتماعية، إبراهيم فيبنجا، وهو ابن لأب هولندي وأم مغربية: «انظروا إلينا كمركز فكري لديه ما يقدمه. نحن نريد التأكيد على أن الأحداث الجانحين من الهولنديين، ذوي الأصول المغربية ليسوا مشكلتنا وحدنا، فهم يشكلون عبئا على المجتمع ككل، ولكنهم يتلقون القليل جدا من الاهتمام المطلوب». ويضيف فيبنجا أنه يتم استثمار الكثير من الجهد في اجتثاث التطرف، قبل أن يزيد، موضحا: «إننا نفقد شبابا بسبب الجريمة أكثر مما نفقدهم بسب السلفية».

وسبق أن أعلنت الحكومة الهولندية أنه من غير المقبول أن يشعر المواطن الهولندي بعدم الأمان في الأماكن العامة، بسبب تصرفات غير مقبولة يقوم بها عدد من الهولنديين من أصول مغربية، وتستهدف الممتلكات العامة من مبانٍ وأعمال فنية وتقليدية، وأن الأمر لن يمر مرور الكرام.

وترى الحكومة أن هناك بعض الخطط التي دخلت حيز التنفيذ لمساعدة الآباء المغاربة على توفير الاهتمام بشكل أكبر بأبنائهم، لكن يبدو أن الأمور يجب أن تسير بشكل أفضل من الوضع الحالي.

واتفقت الحكومة مع أعضاء البرلمان على ضرورة اتخاذ سياسة أكثر صرامة وحزما لمواجهة تلك الأفعال، التي قالت إنها بعيدة تماما عن احترام الآخرين، ولا بد من دور لقيادات ورموز الجالية المغربية وأولياء الأمور، لاتخاذ أسلوب أكثر حزما مع الأبناء للتوقف عن ممارسة الشغب أو الانخراط في عالم الجريمة.

وأعربت الحكومة عن انزعاجها من انخراط عدد كبير من المغاربة الشبان، تتراوح أعمارهم بين 15 و25 عاما، في عالم الجريمة، وأن 20% من هؤلاء في عام 2005، كان مشتبها بهم في جريمة واحدة على الأقل.

وسبق للسلطات المحلية في أمستردام أن أشرفت على دراسة نفذها مكتب الإحصاء والأبحاث، للتعرف على أوضاع الجالية المغربية في العاصمة الهولندية، وأعدت تقريرا عن نتائج تلك الدراسة لعرضه أمام السلطات المعنية. وتضمن التقرير الإشارة إلى أن عددا من الأطفال المغاربة يولدون في ظروف صعبة، لعائلات فقيرة تعيش في منازل صغيرة توجد بأحياء من المدينة تقطنها غالبية من المغاربة، تواجه فرصا صعبة في التعليم، وصعوبة في الحصول على فرص للعمل.

وتضمن التقرير علامات تشاؤم عدة بشأن مستقبل أبناء الجالية المغربية من الجيل الثالث. ويشير التقرير إلى أنه من غير المتوقع أن تشهد أوضاع المغاربة من الجيل الثالث أي تحول نحو الأفضل، مقارنة بأوضاع أبناء الجيل الثاني منهم.

ويتناول أحد أعضاء فريق البحث بعض ما جاء في التقرير، ويقول إنه «من الصعب الجزم بأن الانخراط في عالم الجريمة من جانب عدد من أبناء الجالية المغربية، هو مسألة منفصلة عن اختيار عدد من الأشقاء في أسرة واحدة للطريق الخطأ والمضي فيه. ويطالب في هذا الإطار من السلطات المحلية والجهات المختصة، أن تهتم أكثر بالإطار العائلي أكثر من الاهتمام بشكل فردي بحالات بعض المتورطين في عالم الجريمة.

ويشير التقرير إلى أن المغاربة يمثلون أكثر المجموعات السكانية في البلاد نموا، من حيث عدد المواليد، وأن بين الأسر المغربية المقيمة في أمستردام زيادة سنوية في نسبة المواليد ، مقارنة بمجموعات سكانية أخرى، وأن 25% من العائلات المغربية تضم أكثر من أربعة أو خمسة أطفال. وفي نفس الوقت تشير الدراسة إلى ارتفاع نسبة الطلاق بين أبناء الجالية المغربية. كما أشارت إلى أن ربع عدد المغاربة يعتمدون على المعونات الحكومية الشهرية. وفي مجال التعليم، رأت الدراسة أن 30% من الأطفال لا يحصلون على الدرجات المناسبة، التي تضمن لهم الاستمرار في العملية التعليمية. كما أن في عدد الطلاب الذين يواجهون صعوبة في الدراسة خلال المرحلة الإعدادية تزايدا، وأن ما يزيد عن نصف الشبان المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و23 عاما، قد يتركون التعليم أو لا يحصلون على الشهادات النهائية للدورات الدراسية أو التدريبية، التي تضمن لهم فرصا في سوق العمل.

بيد أن التقرير نفسه يشير إلى تزايد أعداد المغاربة الذين وصلوا إلى مراحل متقدمة من التعليم، خلال السنوات الماضية، مقارنة بالفترة الماضية. ويرفض رموز المغاربة المقيمين في هولندا عددا من النقاط الواردة في التقارير التي تتناول وضعية المغاربة، وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» يقول محمد الشروطي رئيس اتحاد المساجد المغربية في أمستردام: «غير صحيح أن هناك سياسة لإسكان المغاربة في أحياء فقيرة، لأنهم موزعون في مختلف أنحاء أمستردام، ولا توجد أحياء خاصة بهم. كما أن البعض يسكنون في أحياء غنية، توجد خارج حدود العاصمة وداخلها، وطبعا عدد من المغاربة يعيشون في بعض الأحياء الأقل مستوى». وعن فرص المغاربة في التعليم والعمل يقول الشروطي إن العنصرية تلعب دورا كبيرا في هذه المسائل. وبشأن فشل المغاربة في التعليم الابتدائي أو الإعدادي يقول: «إن الأمر في البداية مختلف حيث نسمع من الأساتذة إشادة بمستوى الطفل أو التلميذ في المراحل الأولى، ولكن تحدث المشكلة من جانب الموجهين أو المعلمين الذين يوجهون هؤلاء الصغار خلال المرحلة الإعدادية، إلى التعليم الفني أو التقني ويفضلون لهم المدارس المهنية، على اعتبار أنهم أجانب». أما بشأن ارتفاع نسبة المواليد في الأسر المغربية فقال الشروطي: «هذا الأمر كان موجودا قبل 6 سنوات، أما الآن فهناك تراجع، فبعد أن كان المغاربة يحتلون المرتبة الأولى قبل الأتراك، في نسبة المواليد المرتفعة، انخفض العدد وتراجع».

وبشأن الربط بين التفكك الأسري وارتفاع نسبة الطلاق وزيادة أعداد الشبان المنخرطين في عالم الجريمة، يقول الشروطي: «هذه كلمة حق يراد بها باطل، والتفكك الأسري في كل المجتمعات يؤدي إلى مشكلات، وهو من وجهة نظر البعض أحد أسباب الانخراط في عالم الجريمة، ولكن هذا الأمر لا يقتصر فقط على المغاربة، بل منتشر بين كل الجاليات وبين الهولنديين أنفسهم».

وأخيرا، قال الشروطي إنه بالفعل حدثت زيادة في نسبة المغاربة، الذين وصلوا إلى مراحل متقدمة من التعليم، وهذا يثبت أن لديهم الاستعداد للنبوغ واحتلال مراكز مرموقة ولعب دور مهم ومفيد في المجتمع الذي يعيشون فيه.