شارع الربيع في بغداد ينفض عن نفسه غبار سنوات العنف.. ويستعيد نشاطه

مطاعمه ومتاجره تعاود فتح أبوابها.. ومحلات بيع الأسطوانات الغنائية تصدح مجددا

مع استعادة الحكومة السيطرة على الأحياء الواقعة غرب بغداد بدأت الحياة تدب في أوصال شارع الربيع مجددا («واشنطن بوست»)
TT

منذ أكثر من عام، لم يكن «شارع الربيع»، وهو عبارة عن رقعة ممتدة على مساحة ميلين تضم مباني إدارية وشققا ومنازل، سوى امتداد مهجور لمدينة بغداد، حيث توقفت أشكال الحياة التجارية في الشارع. وتعرضت المحال إما للغلق أو التدمير. كما اضطرت ثلاثة مستشفيات كانت تعنى بالمرضى من الأثرياء إلى إغلاق أبوابها بعدما توقف الأطباء والممرضون والمرضى عن الحضور إليها. وقد أحيطت بواباتها بمتاريس من الحواجز المعدنية. وبالمثل، توقفت المطاعم عن العمل بسبب فرق من رجال ملثمين كانوا يحملون أسلحة نارية ويأمرون الجميع، خاصة النساء، بالالتزام بقواعد صارمة للملبس. وبالفعل، حظرت هذه المجموعات ارتداء سراويل «الجينز» ـ بدعوى أنها تعكس طابعا غربيا فجا. إلى جانب ذلك، اضطرت صالونات الحلاقة إلى إغلاق أبوابها هي الأخرى أو تعليق لافتات تعلن فيها أنها لن تعمل سوى على تصفيف الشعر على النحو التقليدي ـ بمعنى أنها لن تقدم على عمل قصات الشعر المتميزة بحلق الجوانب على نحو بارز أو السماح بالشعر الطويل أو تصفيف الشعر على شكل أشواك بارزة (سبايكي). وأضرمت النيران بإحدى متاجر بيع الكتب مرتين لبيعها صحفا ومجلات مدعومة حكوميا تعرض صور نساء غير محجبات. بدأ الموت البطيء الذي تعرض له «شارع الربيع» مع اشتعال الحرب الطائفية عام 2006. في غضون أشهر قلائل، أجبرت غالبية الأسر الشيعية التي تقطن ضاحية الجامعة الخضراء التي يمر عبرها الشارع إلى الفرار من منازلهم على يد عصابات مسلحة من المتطرفين المرتبطين بجماعة تعرف باسم «الدولة الإسلامية في العراق». وتعرض من أبوا الرحيل لهجمات عادة ما كان يتعرض الرجال من المدنيين خلالها للقتل، بينما يسمح للنساء بالرحيل دون أن يمسسهن أذى ما دام أنهن تركن كل ما يملكنه وراءهن. هذا الصيف، مع استعادة الحكومة ببطء السيطرة على الأحياء الواقعة غرب بغداد، بدأت الحياة تدب في أوصال الشارع مجددا، خاصة مع كسر شوكة حركة التمرد بمعاونة ميليشيا مدعومة من الولايات المتحدة، وتخفي الميليشيات الشيعية. وانتشرت نقاط التفتيش مع عودة الناس إلى الشوارع. وأعيد بناء الأرصفة، وجرى بناء جزر وسطية جديدة وتركيب أعمدة إنارة تعمل بالطاقة الشمسية.

علاوة على ذلك، استبدلت النوافذ المحطمة بزجاج جديد لامع مستورد من تركيا. وعرض متجر لبيع الأسطوانات الموسيقية بجرأة صورة كبيرة لدالي، وهي من نجمات الغناء الشعبي في العراق وذاع صيتها خلال العامين الماضيين. اعتاد المتجر في ليالي الخميس والجمعة من كل أسبوع، تشغيل أغان عراقية شعبية بصوت مرتفع. وعادت حفلات الزفاف إلى الشارع. وأعادت محال بيع المثلجات فتح أبوابها، وأضاف واحدا منها على الأقل إلى مجموعة الأصوات الصادرة عن الشارع بالموسيقى الشعبية المنبعثة عنه. وفتحت المحال أبوابها مجددا، وبدأ ما لا يقل عن ثلاثة مطاعم جديدة العمل، مع تميزها جميعا بمداخل براقة ولوحات ذات إضاءة جيدة تعلن أسماءها. بل أصبح بعضها أكثر طموحا، فعلى سبيل المثال، اتسعت قائمة أحد المطاعم التي اقتصر نشاطها في السابق على مجرد فتحة في الجدار لصنع الدجاج المشوي لتشمل مجموعة أوسع نطاقا من المأكولات العراقية المفضلة، ومنها الكباب وضلع الضأن المشوي على الفحم. ليلا، يتميز الشارع بإضاءة جيدة. وتملك المتاجر مولدات كهربية صغيرة تمدها بالطاقة حتى عندما تتعطل محطة توزيع الكهرباء الوطنية عن العمل. باختصار، تغلب على الشارع في معظم الأوقات مظاهر الحياة الطبيعية.

في هذا السياق، أكد عبد الله خضير أن «السعادة ترفرف على الجميع». ويملك خضير متجرا لبيع أدوات التجميل والعطور، وينظر إلى مسألة استعادة شارع الربيع نشاطه باعتبارها منحة سماوية. وتتشابه فصول قصته مع قصص آلاف العراقيين الذين خاضوا سنوات العنف ليعاينوا في النهاية بداية حقبة جديدة يشعرون بالأمل حيالها رغم ما يحيطها من شكوك.

سبق لخضير العمل ميكانيكيا بأحد المصانع العسكرية جنوب بغداد. ولدى اقتحام القوات الأميركية العاصمة في أبريل (نيسان) 2003، وجد نفسه من دون عمل. ولكسب لقمة العيش، أقام كشكا لبيع سلع منزلية، لكن سرعان ما اضطرته أعمال العنف إلى وقف نشاطه. ثم سافر إلى سورية وبقى هناك حتى ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وعندما نمت إلى مسامعه أنباء حول تحسن الوضع الأمني ببلاده، عاد إلى بغداد، حيث وصل عشية رأس العام الجديد. وعن ذلك قال: «رغبت في الشروع في بداية جديدة مع فجر العام الجديد». خلال فترة وجوده في سورية، عمل خضر بمتجر لبيع أدوات التجميل، حيث اكتسب خبرة في هذه التجارة. ولدى عودته، افتتح متجرا لبيع أدوات تجميل مستوردة. وفي غضون بضعة أشهر، استعان بفتاة للعمل كمساعدة له، بحيث تعنى بأمر العملاء من النساء. وقف خضير في متجره مرتديا حلة أنيقة ورابطة عنق، بينما حمل وجهه ابتسامة واسعة. وأكد أنه أخيرا عثر على الوظيفة المناسبة.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»