ترحيب أوروبي بـ «دبلوماسية القدم» بين تركيا وأرمينيا.. والصحف تعتبرها «انتصاراً للسلام»

ردود فعل متضاربة داخل المؤسسات الأوروبية حول تقرير عن انضمام أنقرة

TT

شكلت مباراة لكرة القدم بين تركيا وأرمينيا ليل أول من أمس، حدثاً سياسياً تاريخياً بالنسبة للبلدين اللذين بدآ أولى خطوات إعادة تطبيع العلاقات بينهما. ورحبت الصحف التركية «بانتصار السلام» غداة مباراة كرة القدم الرمزية جدا بين فريقي البلدين، التي حضرها في بورصة (شمال غربي تركيا) رئيسا بلدين شهدا تاريخاً مأساوياً، فازت فيها تركيا. وعنونت صحفية ميلييت على صفحتها الأولى «انتصر السلام»، وقالت «هل ضروري الإشارة إلى النتيجة؟ إن مباراة تركيا ـ أرمينيا في بورصة، دخلت التاريخ كخطوة كبيرة على طريق السلام».

واستعادت عدة صحف على صفحاتها الأولى عبارات الرئيس التركي، عبد الله غل، خلال لقائه مع نظيره الأرمني، سيرج سركيسيان، عندما قال «إننا لا نكتب التاريخ، بل نحن بصدد بنائه». وكتبت صحيفة حرييت الواسعة الانتشار «إننا لا نلعب مباراة، بل نبني التاريخ»، وتابعت «بعد 94 سنة، وقعت أرمينيا وتركيا بروتوكول سلام صادق عليه أمس أنصار بورصة قبل أن يتبناه البرلمان».

وقبل أربعة أيام من المباراة، التي فاز بها الفريق التركي 2-0، وقع وزيرا خارجية البلدين في زوريخ (سويسرا) اتفاقات تاريخية تهدف إلى تطبيع العلاقات وفتح الحدود المشتركة. ولا تقيم أرمينيا وتركيا علاقات دبلوماسية بسبب العداء حول مسألة مذابح الأرمن، التي ارتكبت في عهد السلطنة العثمانية (1915-1917)، ويعتبرها الأرمن «إبادة» بينما ترفض تركيا ذلك الوصف. وفي بروكسل، رحب المفوضان الأوروبيان، أولي راين، لشؤون التوسعة، وبينيتا فيريرو فالدنر، للشؤون الخارجية وسياسة الجوار، بزيارة الرئيس الأرمني إلى أنقرة سيرج سركيسيان، لحضور مباراة كرة القدم بين فريق بلاده والفريق التركي في أنقرة. ورأى المسؤولان الأوروبيان في تصريحات مشتركة في هذه الزيارة «تعبيراً عن نية البلدين تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العاشر من الشهر الجاري بشأن إعادة العلاقات الدبلوماسية»، بين أنقرة ويريفان وعبر المفوضان الأوروبيان عن أملهما في أن تتوصل السلطات المختصة في البلدين إلى المصادقة على البروتوكول الخاص بتطبيع العلاقات الثنائية بينهما في مختلف المجالات.

وفي سياق متصل، تباينت ردود الأفعال من جانب الدول الأعضاء والمؤسسات التابعة للاتحاد الأوروبي، حول تقرير الجهاز التنفيذي الأوروبي بشأن خطوات تركيا على طريق الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وهو التقرير الذي نشرته المفوضية أول من أمس. ووجه برلمانيان أوروبيان ضمن المجموعة الديمقراطية الاشتراكية في الجهاز التشريعي الأوروبي، انتقادات للعديد من البلدان الأوروبية بسبب تصريحاتها المتضاربة حول تركيا، في حين ركزت المفوضية الأوروبية أمس، على ضرورة تشجيع تركيا على المضي قدماً في دورها الإقليمي، بما يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار في عدة مناطق مجاورة للاتحاد الأوروبي. وقال نائب رئيس المجموعة الديمقراطية الاشتراكية، أندريان سيفيرين، ومنسقها كريستيان فينيان، إن المواقف المتضاربة التي تطلقها العديد من العواصم الأوروبية «غير مفيدة»، ولن تساعد إلا على خلق «أجواء متشككة» بأوروبا في الداخل التركي. وشدد البرلمانيان الأوروبيان على ضرورة أن يحترم الاتحاد الأوروبي التزاماته تجاه أنقرة، حيث «يجب أن نحافظ على أن يبقى هدف المفاوضات هو تحقيق انضمام كامل لتركيا إلى المنظومة الأوروبية الموحدة».

وفي الوقت نفسه، شددا على أن تركيا بوصفها «مرشحاً رسمياً» للانضمام، أن تحترم واجباتها، وأن هناك قناعة لدى المجموعة الديمقراطية الاشتراكية، بما جاء في التقرير التقييمي للمفوضية الأوروبية حول تركيا. وقالا: «نحن نتفق مع المفوضية بشأن ضرورة حث تركيا على تسريع عملية الإصلاحات القضائية والتشريعية، وتحسين حالة حقوق الإنسان وحرية التعبير» في البلاد. من جانبها وجهت رئيسة اللجنة البرلمانية الأوروبية التركية المشتركة، هيلين فلوتر «مجموعة الخضر»، انتقادات للمفوضية الأوروبية متهمة إياها بالوقوع تحت تأثير الظرف المؤسساتي الأوروبي الراهن. ورفضت فلوتر وصف المفوضية في تقريرها التقييمي بأن أنقرة «أحرزت تقدماً محدوداً» بشأن إقرار حقوق الأقليات العرقية والدينية. وأشارت إلى أن «ما تقوله المفوضية بعيد عن الحقيقة، لأن ما حصل في تركيا يستحق الترحيب».

ويشار إلى أن المفوضية الأوروبية كانت طالبت أنقرة في تقريرها التقييمي بالمزيد من العمل من أجل تحسين وضع الأقليات العرقية والدينية وإقرار حقوق أفرادها في البلاد، وعبر المفوض الأوروبي لشؤون التوسعة أولي راين، عن قلق المفوضية العميق تجاه قيام تركيا بتسخير المواد والأحكام القانونية المنصوص عنها لمكافحة الإرهاب من أجل الاستمرار في قمع حرية الصحافة وملاحقة الصحافيين والمفكرين ومضايقتهم.

وأشار المفوض إلى أن على الساسة في أنقرة أن يأخذوا «بجدية» انتقاداتنا لهم بشأن «استمرار النقص في حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية تشكيل النقابات والأحزاب في البلاد»، كون «الأمر يتعلق بمعيار أساسي من معايير كوبنهاغن، وبقيمة أساسية من قيم أوروبا، على أنقرة احترامها لو أرادت الالتحاق فعلاً بأوروبا». وأضاف «صحيح أن عدد الملاحقات القانونية بحق الصحافيين قد انخفض هذا العام في تركيا عن الأعوام السابقة، لكن لا تزال هناك ملاحقات ومحاكمات مثيرة للجدل بحق مفكرين ومثقفين عبروا عن آرائهم»، ودعا المفوض الأوروبي السلطات التركية إلى اتخاذ كل الإجراءات القانونية وإجراء التعديلات اللازمة من أجل ضمان هوامش أكبر لحرية التعبير في البلاد.

وقال راين «على السلطات التركية العمل أكثر فأكثر من أجل إقرار حقوق الأطفال والأقليات الدينية والعرقية، كما عليها بذل المزيد من الجهد لمساعدة قبرص على إيجاد حل يؤدي إلى توحيد الجزية المقسمة». وأضاف «على تركيا العمل أيضاً من أجل تطبيق بروتوكول أنقرة بشكل كامل ومن دون أي تمييز، وأن تفتح كافة موانئها ومطاراتها أمام السفن والطائرات القبرصية»، منوها إلى أن تطبيق البروتوكول سيساعد على بناء الثقة مع قبرص، أما بخصوص النقاط الإيجابية التي ذكرها التقرير حول تركيا، فهو أهمية دورها في حفظ الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط والقوقاز، مشدداً على أن التقرير رحب بقيام تركيا بتوقيع اتفاق «تاريخي» من أجل تطبيع العلاقات مع أرمينيا، نص التقرير، يشير إلى دور تركيا كشريك لأوروبا في مجال الطاقة، ويرحب بالتقدم الذي حققته مسيرة الإصلاحات القضائية والتشريعية والاقتصادية حتى الآن، «ولو كان الأمر ما زال محدوداً» على طريق التقدم باتجاه أوروبا.