مسلسل تلفزيوني تركي يحرق مزيدا من الجسور مع إسرائيل

أوساط إسرائيلية تحذر: علينا ألا ننسى تاريخ التعامل الجيد للأتراك مع اليهود

TT

في الوقت الذي كانت فيه القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية تتخبط في طريقة التعامل مع حكومة تركيا، إثر تدهور العلاقات بين البلدين، وانطلاق أصوات كثيرة تطالب بلجم هذا التدهور، والسعي لرأب الصدع، عادت الأمور لتتفاقم من جديد، في أعقاب بث مسلسل في التلفزيون التركي الرسمي يظهر فيه الجنود الإسرائيليون في الأراضي الفلسطينية قتلة متوحشين. ولصب الوقود على النار، سترفع أنقرة قضية تعويض مالي قدره نحو 4 ملايين دولار، إذا ما وفت إسرائيل بعقدها وسلمت تركيا طائرات بلا طيار متطورة من طراز «هارون». وإذا ما التزمت إسرائيل بدفع التعويض المالي فإن أنقرة ستلجأ إلى المحكمة الدولية للتحكيم التجاري، حسب ما قالته صحيفة «زمان» التركية أمس.

وعلى صعيد المسلسل، ردت المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة عليه بحدة على هذا المسلسل. فقال وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، إن الدول الأشد عداء لإسرائيل في العالم لم تقدم على مثل هذه الخطوة العدائية. وأمر باستدعاء القائمة بأعمال السفير التركي في تل أبيب لنقل احتجاج شديد اللهجة إليها، على هذا المسلسل الذي وصفه بالمجحف، لأنه يظهر الجيش الإسرائيلي قاتل أطفال. وانطلقت أمس مسيرة احتجاجية أمام السفارة التركية في تل أبيب، رفعت فيها شعارات منددة بـ «اللاسامية التركية الجديدة». وكان التلفزيون التركي قد بدأ ببث مسلسل بعنوان «ايريليك» (الفصل)، يتحدث عن قصة حب إبان الحرب العدوانية الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. ويظهر المسلسل عدة معارك مسلحة بين الجيش الإسرائيلي والشباب الفلسطيني. وخلال المعارك يقدم ضابط إسرائيلي على قتل طفلة فلسطينية عزلاء بواسطة إطلاق رصاصة من رشاشه نحو صدرها عن قرب. ويدوس آخر جثة شاب فلسطيني ويبصق عليها. ومع أن هذا المسلسل يبث منذ 14 أسبوعا، فقد لفت الأنظار فقط في الليلة قبل الماضية، حيث بث التلفزيون الإسرائيلي مقاطع منه. وأدلى رئيس الطائفة اليهودية في تركيا، جاكي أنجيل، بتصريحات للصحافة الإسرائيلية، أمس، قال فيها، إن هذا المسلسل هو حلقة في سلسلة مظاهر عدائية لليهود لم تشهد البلاد مثيلا لها في تاريخ تركيا كله. وقال إن كل يهودي في تركيا يلاحظ آثار العداء لليهود في وسائل الإعلام وفي الحياة الحزبية، منذ الحرب على غزة. وأكد أن اليهود الأتراك يخشون من تأثير هذا العداء عليهم مستقبلا. ويشعرون إزاءه بانعدام الأمان. وكانت العلاقات الإسرائيلية ـ التركية قد شهدت تدهورا متواصلا منذ تلك الحرب العدوانية على غزة، وخروج رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، بتصريحات حادة ضدها. وتفاقمت في الأسابيع الأخيرة إثر إلغاء مشاركة القوات الإسرائيلية في تدريبات عسكرية خطط لها بالتعاون مع الجيش الأميركي والإيطالي، وإثر إبطال صفقة لشراء قمر اصطناعي من إسرائيل واستبداله بقمر إيطالي. وفي حين أعلن أردوغان أن سبب هذه القرارات هو الممارسات الإسرائيلية في العدوان على غزة، قال مصدر عسكري تركي كبير، إن السبب الحقيقي هو المماطلة الإسرائيلية في تزويد تركيا بطائرات متطورة بلا طيار.

وأطلق الكثير من المسؤولين الإسرائيليين، سياسيين وعسكريين، تصريحات انتقادية حادة لتركيا، واتهموها بالاقتراب من إيران وسورية نتيجة لتصاعد نفوذ الأصوليين الإسلاميين في تركيا. وقالوا إن تركيا تدفع ثمن هذا التقارب.

وأضافوا أن أردوغان يحاول استغلال عواطف الشعب التركي عن طريق تأجيج العداء لإسرائيل. ولكن أصواتا كثيرة ارتفعت في إسرائيل ضد هذا التصعيد، ودعت إلى إخماد هذا الحريق بسرعة، لأنه يلحق ضررا فادحا بالمصالح الإسرائيلية. وقال وزير الدفاع، إيهود باراك، إن تركيا كنز إستراتيجي يجب إيجاد الوسيلة للحفاظ عليه، وليس دفعه بالأقدام للارتماء في أحضان إيران. ودعا ألون لئيل، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية، الذي شغل في الماضي منصب سفير إسرائيل في أنقرة، إلى احتواء الأزمة بسرعة. وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن على إسرائيل أن لا تنسى أن تركيا تحمل تاريخا مشرفا في العلاقات مع اليهود وإسرائيل «فهي الدولة التي استقبلت اليهود بأذرع مفتوحة عندما طردوا سوية مع العرب من بلاد الأندلس. والإمبراطورية العثمانية تعاملت مع اليهود بأروع وأفضل صورة طيلة حكمها على الشرق الأوسط. وتركيا كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل سنة 1949 وتقيم علاقات دبلوماسية معها. ومنذ سنوات التسعين يوجد تعاون إستراتيجي عميق بين إسرائيل وتركيا، وفي السنوات العشر الأخيرة يقيم الجيشان الإسرائيلي والتركي تدريبات عسكرية مشتركة وسلاح الجو الإسرائيلي يجري معظم تدريباته على الأراضي التركية. وهناك تبادل تجاري بين البلدين بملياري دولار في السنة، عدا عن نحو 600 مليون دولار صفقات سلاح». وقال إن الحكمة تحتم حصر الخلافات والتفتيش عن طريق لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها.