حقائب وزارية حكر على طوائف وأحزاب معينة.. وأخرى تخضع لـ«الطلب السياسي»

الخلاف حول توزيعها يعيق تشكيل الحكومة منذ 4 أشهر.. ووزارة الاتصالات المعرقل الرئيسي

TT

تظهر الأزمة الحكومية الراهنة في لبنان، الأهمية الكبرى التي تعلقها القيادات على «التفاصيل الحكومية» ومدى التعلق بوزارات معينة من قبل هذه القوى والأطراف إلى حد عرقلة قيام الحكومة إذا لم يحصل هذا الطرف أو ذاك على «مبتغاه من الوزارات». فمنذ اليوم الأول لتكليف سعد الحريري تأليف الحكومة الجديدة، كان الاتفاق واضحا على قيام حكومة اتحاد وطني تضم معظم الكتل السياسية الممثلة في البرلمان. ولم تأخذ المفاوضات وقتا طويلا لتستقر على صيغة «مبتكرة» لا تسمح للأكثرية بامتلاك أكثر من نصف المقاعد، فلا «تستأثر» بالقرارات، ولا تعطي الأقلية أكثر من ثلث المقاعد فلا «تعطل» القرارات، وذلك بدخول رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى الساحة عبر 5 وزراء يختارهم بنفسه. ومع ذلك بقي الحريري عاجزا عن الوصول إلى حكومة ترضي الجميع، فاعتذر، ثم أعيد تكليفه.. ولا يزال عاجزا عن إرضاء من يجب إرضاؤهم للسماح بولادة هذه الحكومة.

ولا تزال وزارة الاتصالات العائق الأبرز، إذ يصر الحريري عليها، وكذلك يفعل رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون. فالأول لديه «مشروع خاص لها يؤمن آلاف الوظائف الجديدة»، والثاني يريد «متابعة النجاحات التي حققها الوزير الحالي جبران باسيل» في هذه الوزارة، حسب ما يعلن كل من الطرفين. وقد برزت أهمية وزارة الاتصالات منذ أوائل التسعينات مع وصول الرئيس الراحل رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة، فاختار أن يكون الوزير الأول من أنصاره، قبل أن يحمل هذه الحقيبة بنفسه في حكومته الثانية التي ألفها عام 1996. فالقطاع كان ناشئا ويحتاج إلى اهتمام مباشر مع إنشاء شبكة الهاتف الجوال وتوسيع الشبكة التي كانت لا تزال على حالها منذ ما قبل الحرب الأهلية عام 1975.

وقد أدرك رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، أهمية هذه الوزارة. فعين فيها مقربا منه هو الوزير جان لوي قرداحي، واستمر محافظا على هذه الوزارة طيلة عهده، مع استثناء وحيد في آخر حكومة شكلت بعد الانتخابات النيابية عام 2005 التي فازت بها «14 آذار» وفرضت شروطها ومعها الوزير مروان حمادة.

أما في الحكومة الأولى التي شكلت في عهد الرئيس الحالي ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة، فقد كانت هذه الوزارة من نصيب التيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله بعدما كان قرار وزارة الاتصالات، ومن بعدها الحكومة، محاربة شبكة اتصالات حزب الله التي أدت إلى اندلاع معارك 7 مايو (أيار) حين نزل حزب الله إلى شوارع بيروت واحتلها بقوة السلاح.

ويبدي اليوم عون استعداده للتخلي عن «الاتصالات» مقابل وزارة سيادية هي وزارة المال التي يعتبرها الحريري أهم وسائل تنفيذ سياساته المالية، ولا يبدو أنه بوارد التخلي عنها. ويرى وزير المال محمد شطح، المقرب من الحريري، أن وزارة المال «لها موقع فريد». ويقول: «أنا كنت ولا أزال على يقين، وخصوصا بعد الفترة التي أمضيتها في وزارة المال، بأنها يمكن أن تكون وزارة تعتيل، بمعنى أن العبء فيها كبير جدا، إذا مورست بشكل غير مسيس وبشكل جدي». ولكنه يضيف أنه بإمكانها أن تكون أيضا وزارة تعطيل «إذا استعملت لأغراض سياسية أو من الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم معارضة داخل الحكومة». ورغم اعتباره أن «مبدأ احتكار أي وزارة مرفوض، ويجب ألا تحتكر أي وزارة لأي فريق وتحديدا لأي طائفة»، فإنه يشدد على أن هذا «لا يعني أن وزارة المال يمكن أن تكون لفريق يدخل إلى الحكومة بإعلان واضح لمعارضة وتعطيل يمنع الحكومة من أن تتحرك كفريق عمل، وهذا أحد المبادئ التي يتبعها الرئيس المكلف». وما يريد الحريري اتباعه أن تكون وزارة المال لفريقه، أمر درج عليه والده الراحل الرئيس رفيق الحريري الذي حمل حقيبة المال في أول حكومة ترأسها معطيا أحد المقربين منه، (الرئيس الحالي للحكومة) فؤاد السنيورة وزارة ابتدعها له هي «وزارة الدولة للشؤون المالية» بعدما قوبل برفض لتسليم السنيورة هذه الوزارة التي كانت تعطى عرفا ـ خلال الثمانينات ـ لوزير من الطائفة الشيعية، فكان أن حملها وأعطى قيادتها للسنيورة. إلا أن الحريري لم يبتدع هذه الفكرة بالكامل، فكل رئيس حكومة في لبنان كان يفضل وزارة معينة يحملها بنفسه أو يسندها إلى مقربين منه، وكذلك كان يفعل رؤساء الجمهورية. فالرئيس الراحل رشيد كرامي كان من أنصار أن يحمل رئيس الحكومة وزارة المال، وهو عرف درج عليه كرامي في معظم الحكومات التي شكلها خلال عمله الطويل في الميدان السياسي. وبالإضافة إلى كرامي درج الرئيس عبد الله اليافي على تأليف حكومات يكون هو وزير المال فيها.

أما الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط فهو مصرّ على أن يتولى أحد أنصاره وزارة الأشغال العامة والنقل التي تولاها بنفسه في منتصف الثمانينات وقام من خلالها بإنعاش منطقة الجبل وتعبيد طرقاتها، متخليا عن وزارة المهجرين التي تسلمها وأنصاره منذ تأسيسها بعد انتهاء الحرب الأهلية بهدف حل مشكلة التهجير الواسع والفرز السكاني التي حصلت خلال الحرب الأهلية. وكانت منطقة الجبل المتضرر الأكبر منها، وكان آخر ممثليه فيها الوزير نعمة طعمة الذي غادر الوزارة دون أن يتمكن من الحصول على آخر مبلغ 200 مليون دولار كان يريدها لإقفال الملف والوزارة نهائيا.

ويرى وزير الأشغال الحالي غازي العريضي المقرب من جنبلاط أنه «يتم التعاطي مع التركيبات الوزارية في السنوات الأخيرة وكأن ثمة وزارات مسجلة بأسماء طوائف مع كل الاحترام والتقدير أو أشخاص حتى في طوائف»، وقال: «الطائفة الدرزية على مدى العقود الماضية كانت تمثل في وزارة الدفاع والداخلية والصحة والعدل والتربية والمالية والأشغال ووزارات أخرى أساسية، أما اليوم فيحصر التمثيل في وزارات معينة. لذلك نقول لا تستكثروا وزارة الأشغال في ظل هذه التركيبة على هذه الطائفة». وبذلك كان الوزير العريضي يشير إلى عرف سابق قضى بإعطاء الطائفة الدرزية وزارة الدفاع التي كان الأمير مجيد أرسلان (والد وزير الشباب والرياضة الحالي طلال أرسلان) قد شغلها في أولى حكومات الاستقلال وبقي يشغلها في كل حكومة يدخلها حتى وفاته. لكن وزارة الدفاع «طارت» من حصة الطائفة الدرزية ولم تعوض بوزارة أخرى «سيادية» إذ تقاسمت هذه الوزارات الطوائف الأربع الكبرى (السنة والشيعة والموارنة والأرثوذكس). أما رئيس الجمهورية ميشال سليمان فقد «خصص له الأمن» بأن أنيطت بمقربين منه وزارتا الدفاع والداخلية، وهو ما يبدو مفروغا منه على الرغم من «مشاغبات» عون عبر مطالبته بالداخلية. وكانت سورية قد حرصت خلال وجودها في لبنان على اختيار من يشغل هذين المنصبين من أقرب المقربين إليها بداية باللواء سامي الخطيب للداخلية، وميشال المر للدفاع عام 1990، وهو نسق استمر قائما في عهد الرئيس إميل لحود فحافظ آل المر على وجودهم بين وزارتي الداخلية والدفاع حتى اليوم، إذ شغلها بداية النائب ميشال المر، ثم نجله النائب إلياس المر الذي لا يزال حتى اليوم وزيرا للدفاع ويعتبر من حصة رئيس الجمهورية، كما كان من حصة الرئيس لحود قبل أن يطلقه في السياسة وينهي المصاهرة الفعلية بطلاقه من ابنته عام 2005. ومن الوزارات الأخرى التي كان يحرص السوريون على إسنادها لمقربين منهم، وزارة العمل التي تعاقب عليها وزراء من حزب البعث ومن الحزب السوري القومي الاجتماعي وأخيرا من حزب الله في الحكومتين الأخيرتين. وهو إصرار ربطه البعض بحجم العمالة السورية الكبيرة في لبنان التي لا توجد حتى اليوم أي أرقام واضحة ومحددة لها.