مجلس حقوق الإنسان بجنيف يتبنى تقرير غولدستون.. ويوصي الجمعية العامة بمناقشته

بأغلبية 25 صوتا ومعارضة 6 بينها أميركا وإيطاليا وهولندا وامتناع 11 منها فرنسا وبريطانيا

فلسطينيتان تجلسان خارج خيمة تستخدمانها سكنا لهما شمال غزة (رويترز)
TT

بعد مداولات استمرت يومين، صادق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، في جلسة استثنائية، بعد ظهر أمس، بأغلبية كبيرة، على مشروع قرار يدعم توصيات تقرير غولدستون الذي يدين إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها في حربها الأخيرة على قطاع غزة في ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني) الماضيين. ويدعو مشروع القرار أيضا الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى النظر في تقرير غولدستون، كما يدعو الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى تقديم تقرير لمجلس حقوق الإنسان حول التزام إسرائيل وكذلك حركة حماس، التي يتطرق إليها التقرير، بتنفيذ القرار. كما يدعو الأمم المتحدة إلى رفع التقرير إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بهولندا إذا لم تجر إسرائيل وحماس تحقيقات نزيهة في اتهامات ارتكاب جرائم حرب.

وحاول المندوب الفرنسي في المجلس تأجيل التصويت على التقرير لنصف ساعة، لبذل مزيد من الجهود لحشد الأصوات المضادة للتقرير، لكن محاولته باءت بالفشل عندما رفض رئيس المجلس الطلب، موضحا أنه جرى تأجيله من قبل ولا داع لمزيد من التأخير. وكانت فرنسا بذلك تدعم جهود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدبلوماسية، لإقناع دول أوروبية مثل هولندا وإسبانيا والدنمارك بالوقوف إلى جانب إسرائيل في رفض نتائج التقرير.

وصوت لصالح القرار الذي ينتقد إسرائيل على عدم تعاونها مع بعثة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون، 25 دولة من أصل 47 مجمل أعضاء المجلس، من بينها الدول العربية والإسلامية ودول الاتحاد الأفريقي، وعارضته 6 دول، وامتنعت عن التصويت 11 دولة. والدولة التي صوتت لصالح التقرير هي الصين وروسيا ومصر والهند والأردن وجنوب أفريقيا والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبوليفيا وغانا وإندونيسيا وجيبوتي وليبيريا وقطر والسنغال والبرازيل وموريشيوس ونيكاراغوا ونيجيريا. وصوتت ضده الولايات المتحدة وهولندا وإيطاليا وهنغاريا وسلوفاكيا وأوكرانيا، بينما امتنعت عن التصويت 11 دولة، هي البوسنة والهرسك وبوركينا فاسو والكاميرون والغابون واليابان والمكسيك والنرويج وسلوفينيا والأوروغواي وكوريا الجنوبية وبلجيكا وبريطانيا. وتغيب عن الاجتماع مدغشقر وقرغيستان.

واعتبر ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومندوب فلسطين السابق في الأمم المتحدة، قرار مجلس حقوق الإنسان خطوة في الاتجاه الصحيح، وأكد أن الطريق طويل جدا لكنه يضع الجانب الفلسطيني في وضع أقوى. وقال القدوة لـ«الشرق الأوسط» إن هناك توصية مباشرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة لإحالة القرار إلى مجلس الأمن الدولي، لكن المشكلة أنه ليست هناك ضمانات لأي شيء. وأضاف مفسرا أنه ليس هناك ضمان أن ينقل التقرير إلى المجلس، وحتى لو وصل المجلس فإنه سيصل إلى طريق مسدود جراء الاستخدام الأميركي المتوقع، بل الأكيد ضد القرار، مفندا الاعتقاد بأن حق الفيتو لا يستخدم في مثل هذه الحالات. وتابع القول إن مجلس حقوق الإنسان، ليس منظمة غير حكومية كما يعتقد، بل منظمة حكومية.

ورحبت السلطة الفلسطينية على لسان أكثر من مسؤول فيها بنتائج التصويت، كما رحبت بذلك حركة حماس. وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة في تصريح لوكالة الأنباء الفلسطينية «وفا» إن هذا يعتبر تأكيدا على الموقف الدولي الداعم للحقوق الفلسطينية، داعيا إلى متابعة تنفيذ توصيات التقرير بفعالية حتى يكون سابقة تحمي الشعب الفلسطيني من الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة بحقه.

وأكدت حركة حماس أن تمرير تقرير غولدستون في المجلس العالمي لحقوق الإنسان «خطوة جيدة وفي الاتجاه الصحيح». وقال سامي أبو زهري المتحدث باسم الحركة للمركز الفلسطيني للإعلام «إن تمرير التقرير في المجلس يؤكد صحة موقف الحركة حينما أدانت التأجيل السابق لتمريره بناء على طلب السلطة في رام الله». وأشار إلى أن ما جرى يثبت أن «الأغلبية كانت متوافرة بالفعل لتمرير التقرير، وأننا لم نكن بحاجة إلى كل ما حدث حتى تعود الأمور إلى نصابها الصحيح». وأكد أن المهم الآن هو استكمال الخطوات بما يضمن محاكمة مجرمي الحرب الصهاينة نكالا بما اقترفوه من جرائم ومجازر خلال عدوانهم على قطاع غزة.

ورحبت بالتقرير الحكومة الفلسطينية المقالة في غزة، وشكرت الدول المصوتة لصالح التقرير. وقال طاهر النونو المتحدث باسم حكومة حماس المقالة في قطاع غزة لوكالة الصحافة الفرنسية «ندعو لأن يكون التصويت على القرار بداية لمحاكمة قادة الاحتلال».

وخلال المداولات التي استمرت يوما ونصف اليوم طالب المندوب الفلسطيني إبراهيم خريشة قبيل التصويت، بإقرار التقرير، مشددا على أهمية محاكمة المجرمين مهما انتموا لأي جهة.

ودعا خريشة إلى تطبيق القانون الدولي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، مؤكدا أن «كل ما نطلبه ألا يبقى القتلة من أي طرف كان وفي أي مكان كان خارج العدالة»، منوها بأن ذلك سيعزز من تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، مشيرا بذلك إلى حركة حماس التي يشير إليها التقرير أيضا بارتكاب جرائم حرب بإطلاق الصواريخ على البلدات والمدن الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة. واختتم خريشة كلمته بالقول: «لن يسامح شعبي مرة أخرى أن يترك القتلة والمجرمون من دون قصاص».

واستعرض مندوب باكستان مشروع القرار، داعيًا إلى التصويت عليه من دون تسييس للموضوع.

أما المندوب الإسرائيلي، واهارون ليشنوياعر، فحاول تفنيد ما جاء في التقرير، واصفا إياه بعدم التوازن، وأنه لم يشر إلى ما أسماه «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس». وقال إن مشروع القرار أحادي الجانب تداعياته غير متوازنة، مشيرا إلى أن كلمات أعضاء المجلس اتهمت إسرائيل فقط ولم تتطرق إلى صواريخ حماس. وأضاف أن التقرير لا يحارب الإرهاب، وطالب برفضه لأنه قد يؤثر على عملية السلام في الشرق الأوسط.

وشن المندوب الأميركي في كلمته هجوما على حركة حماس، ووصفها بالمنظمة الإرهابية وغير الديمقراطية وأنها لا تراعي القانون الدولي، مشيرا إلى أن التقرير غير عادل وغير منصف لإسرائيل ولا يساعد في عملية السلام.

ويتبنى مشروع القرار بشكل كامل التوصيات الواردة في التقرير، مع الطلب من جميع الأطراف المعنية، بما فيها مؤسسات الأمم المتحدة، التأكد من تنفيذها الفوري وفقا لولاية كل منها.

ويطلب مشروع القرار من إسرائيل والفلسطينيين إجراء تحقيقات منفصلة ونزيهة حول اتهامات التقرير لهما. ويكلف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتقديم تقرير للمجلس في جلسته الاعتيادية في مارس (آذار) من العام المقبل حول مدى التزام كل من الطرفين بتوصيات التقرير.

وكانت السلطة الفلسطينية قد وافقت على تأجيل مناقشة التقرير إلى جلسة المجلس في مارس (آذار) من العام المقبل، جراء ضغوط أميركية وأوروبية وإسرائيلية، وفي محاولة لحشد من التأييد كما قال سفيرها في جنيف إبراهيم خريشة لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق. لكن الضجة السياسية والشعبية غير المتوقعة التي أحدثها هذا القرار، جعلتها تتراجع وتطالب عبر دول عربية وصديقة هي مصر وتونس وباكستان ونيجيريا بعقد جلسة استثنائية لمناقشة التقرير، إضافة إلى الخروقات والانتهاكات الإسرائيلية في القدس المحتلة وحصار قطاع غزة.