سياسة أوباما الجديدة حول السودان تعلن غدا: «عصا» الآن.. و«جزرة» لاحقا

لن يسمح لغرايشن بمقابلة البشير.. ولن يرفع السودان من قائمة الإرهاب إلا بعد استخراج شهادة حسن سلوك

أوباما وإلى يمينه موفده إلى السودان سكوت غرايشن خلال اجتماع في واشنطن أخيرا (أ.ف.ب)
TT

ستعلن إدارة الرئيس باراك أوباما غدا الاثنين سياستها الجديدة نحو السودان، والتي يتوقع أن تكون حلا وسطا بين الطرفين اللذين كانا يختلفان حولها داخل الإدارة، هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، وسوزان رايس السفيرة في الأمم المتحدة في الجانب المتشدد، والجنرال المتقاعد جيمس جونز مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي، والجنرال المتقاعد سكوت غرايشن مندوب أوباما الخاص للسودان، في الجانب الآخر.

وأشار مسؤول بالإدارة الأميركية إلى أن السياسة الأميركية الجديدة ستشمل مزيجا من الضغوط والحوافز لحث حكومة الخرطوم على إحلال السلام في إقليم دارفور المضطرب وتسوية النزاعات مع حكومة جنوب السودان ذات الاستقلال الذاتي والقيام بتعاون أكبر مع حكومة الولايات المتحدة في وقف الإرهاب الدولي. كما ستقدم الخطة للخرطوم مسارا لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة إذا ما بدأت في التعامل مع القضايا التي كانت مثار قلق الولايات المتحدة منذ أمد بعيد.

وقال مراقبون وصحافيون في واشنطن إن السياسة الجديدة لن تكون متشددة مثل وعود الرئيس أوباما خلال الحملة الانتخابية عن «الإبادة» في دارفور، وعن «إرهاب» حكومة السودان، لكنها، في نفس الوقت، لن تكون لينة مثل تصريحات كان أدلى بها الجنرال المتقاعد غرايشن عن تقديم «حلوى» لحكومة السودان.

من جانب ، يتوقع ألا يسمح لغرايشن بمقابلة الرئيس السوداني عمر البشير على اعتبار أن محكمة الجنايات الدولية أدانته. ولن يرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. لكن، في الجانب الآخر، لن تكون هذه الإجراءات أبدية، في انتظار «تحسن في سلوك» حكومة السودان. ويتوقع أن تركز السياسة الجديدة على حزمة «ضغوط وإغراءات» بهدف إقناع حكومة السودان بالالتزام بتنفيذ اتفاقية السلام مع الجنوب، والوصول إلى اتفاقية مع المتمردين في دارفور.

ولإثبات أن السياسة الجديدة تمثل الحكومة الأميركية، رغم الخلافات الداخلية حولها، ستعلن في وزارة الخارجية، وليس في البيت الأبيض. وستحضرها هيلاري كلينتون وسوزان رايس والجنرال المتقاعد غرايشن. لكن، لن يحضرها الجنرال المتقاعد جونز، مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي.

وفي مقابلة معه الشهر الماضي، قال غرايشن إنه يرغب في تقديم الحوافز إلى الخرطوم وهو الأمر الذي أغضب المدافعين عن حقوق الإنسان ومسؤولي الكونغرس. وبموجب السياسة الجديدة لن يسمح لغرايشن بإجراء مفاوضات مباشرة مع البشير ولن تخرج السودان من قائمة وزارة الخارجية للدول الداعمة للإرهاب في المستقبل القريب.

وأشار مسؤول الإدارة الذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مفوض بالحديث عن الاتفاقية قبل إعلان الاثنين إلى أن المراجعة ستتعامل مع القضايا التي شهدت خلافا كبيرا بين سوزان رايس (مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة) التي قالت بأن المذابح الجماعية لا تزال مستمرة، وغرايشن، حول كيفية توصيف العنف في دارفور. ومن الآن فصاعدا سيظل موقف الإدارة ثابتا بشأن وقوع إبادة جماعية في دارفور. لكن الاتفاق على وجود مذابح جماعية في دارفور يمثل عقبة بالنسبة لغرايشن الذي صرح في يونيو (حزيران) بأن السودان لم يعد متورطا في عمليات القتل الجماعي في المنطقة. وقال للصحافيين: «ما نشهده الآن هو بقايا للمذابح الجماعية».

لكن سياسة الإدارة تشير إلى تطور ملحوظ بالنسبة للرئيس وكبار مساعديه مثل رايس. وكان الرئيس أوباما قد دافع إلى جانب كبار مستشاريه عن سياسة أكثر مواجهة مع السودان خلال الحملة الانتخابية العام الماضي، من بينها عقوبات أكثر تشددا ومنطقة محظورة للطيران تمنع الطائرات العسكرية السودانية من قصف قرى دارفور. وقد صرح أوباما العام الماضي: «يجب أن تكون هناك ضغوط حقيقية على الحكومة السودانية. ونحن نعلم من التجارب السابقة أن ذلك سيتطلب وقتا كبيرا لحملهم على القيام بالعمل الصحيح». من جانبها اتهمت رايس إدارة الرئيس بوش السابقة بتقديم: «تنازلات كبيرة للنظام الحاكم في السودان مقابل خطوات ثانوية». ويتوقع أن تقوم كلينتون بصياغة السياسة الاستراتيجية المتطورة نحو السودان كجزء من جهد موسع للحوار مع أعداء الولايات المتحدة التقليديين لتحقيق الأهداف السياسية الأميركية. وقال المسؤولون الأميركيون إنه على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تخطط لتقديم تفاصيل بشأن الجوائز أو العقوبات المحتملة، فإن العديد من الخيارات لا تزال مطروحة على الطاولة ومن بينها تشديد عقوبات الأمم المتحدة وشطب اسم الخرطوم من قائمة الدول الداعمة للإرهاب. وتقوم السياسة الأميركية الجديدة على استراتيجية التفاوض التي كان يقوم بها غرايشن بمفرده منذ أشهر والتي أكدت إمكانية تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة إذا سعت الخرطوم باتجاه السلام. وأشار المسؤول إلى أن السياسة الأميركية تجاه البشير ستكون بمثابة اختبار للثقة. جدير بالذكر أن السودان لم يلق بالا للتهديدات المتكررة التي أطلقتها الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى نظرا للطفرة الكبيرة في عائداته النفطية وصلاته الوثيقة القوية بالصين. وتقوم الاستراتيجية الأميركية الجديدة على ثلاثة محاور: إنهاء عمليات القتل الجماعي وعمليات انتهاك حقوق الإنسان في دارفور والتأكد من نجاح اتفاق السلام الموقع عام 2005 بين الشمال والجنوب ومنع السودان من التحول إلى ملاذ إرهابي مرة أخرى. ويخشى الدبلوماسيون وعمال الإغاثة من أن يؤدي التطبيق البطيء لاتفاق السلام إلى عودة اندلاع الحرب الأهلية التي استمرت على مدار عقدين التي دارت رحاها بين الحكومة الإسلامية في الشمال والمتمردين في الجنوب والتي خلفت مليوني قتيل غالبيتهم بسبب المجاعة، و4 ملايين مشرد. وقد أبدى السودان تعاونا مع مسؤولي مكافحة الإرهاب منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، لكن المسؤولين قالوا إنهم راغبون في وقف الخرطوم دعم المقاتلين الفلسطينيين مثل حماس، ومنع العناصر الإرهابية الأفريقية من استغلال السودان كملاذ آمن لها.

وقال غرايشن إنه على الرغم من المظهر غير الأخلاقي الذي قد تبدو عليه الحكومة السودانية فإن التفاوض معها ربما يكون الحل الأوحد للتوصل إلى تسوية في دارفور، ومنع البلاد من الانزلاق إلى الحرب الأهلية مرة أخرى. كما قال أيضا إن الموقف في دارفور أصبح أكثر تعقيدا مع حملة الحكومة القمعية التي أفسحت الطريق أمام اللصوصية والمناوشات بين الفصائل المتمردة.

وقد أثارت تلك المواقف أعضاء الكونغرس والمنظمات غير الحكومية الذين قالوا إن الإدارة تهادن حكومة لا تفي بوعودها. وأشار المسؤول إلى أن المخاوف التي تنتاب الكونغرس حول الاستراتيجية الأميركية يمكن أن تقوض من جهود الإدارة في مكافأة السودان على سلوكه الجيد، مستدلين بعدد كبير من القوانين التي تمنع الإدارة من التصرف دون موافقة من الكونغرس. ويتوقع، في نفس يوم غد، أن تعقد منظمات أميركية معارضة لحكومة السودان مؤتمرا صحافيا تنتقد فيه السياسة الجديدة لأنها أهملت تصريحات أوباما خلال الحملة الانتخابية في السنة الماضية عن «الإبادة» في دارفور، وعن نشاطات الحكومة «الإرهابية». وأيضا ستركز هذه المنظمات، مثل «إنقاذ دارفور» و«إيناف» (كفاية)، على قرار محكمة الجنايات الدولية بإدانة الرئيس البشير. وستحذر من أن يقابله غرايشن. وستركز على «العصا» أكثر من «الجذرة». وأطلقت منظمات حملة في الصحف في شهر أغسطس (آب) الماضي تحت عنوان «السودان الآن: حافظوا على الوعد»، لفتت انتباه الرئيس إلى وعوده السابقة. وقال جون باندرغاست، الرئيس المشارك لمنظمة «إيناف بروجكت» المدافعة عن حقوق الإنسان والتي تدعو لتطبيق عقوبات أكثر تشددا تجاه السودان، في وصفه للخطة الجديدة: «إنها تبدو خطة جيدة. لكن المهم هو ما إذا كانت النوايا على الورق ستترجم إلى ممارسة من جانب الدبلوماسيين الذين ينفذونها. فحتى الآن لم يشر المبعوث الخاص بالرئيس إلا إلى تفضيل الحوافز وفقط». وأيضا، يتوقع أن يعقد أعضاء في الكونغرس، خاصة من «سودان كوكاس»، مؤتمرا صحافيا غدا يشددون فيه على عدم شطب اسم السودان من «قائمة الإرهاب»، ويحذرون أوباما من أن الكونغرس لن يوافق على أي قرار يصدره لتحسين العلاقات مع السودان في الوقت الحاضر.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»