اجتماع حاسم في فيينا حول تخصيب اليورانيوم الإيراني.. وطهران تؤكد: لن نتوقف

مسؤول إيراني يؤكد قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%.. وخلافات بين الدول العظمى حول فرض العقوبات

سعيد جليلي كبير المفاوضين الايرانيين (يسار) خلال اجتماع مع ممثلين للولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والاتحاد الاوروبي عقد في فيينا مطلع اكتوبر الحالي (رويترز)
TT

تبدأ اليوم في فيينا مفاوضات حاسمة، بين مفاوضين إيرانيين وآخرين من الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبحث الملف الإيراني النووي، ومناقشة اتفاقية غير عادية تقضي بإخراج كمية كبيرة من اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب، إلى دولة أخرى، لإعادة تخصيبه بنسبة عالية قبل إعادته مرة أخرى إلى طهران لاستخدامه في المجالات الطبية. في وقت أعلنت فيه طهران أنها ستواصل أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، وأنها قادرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% المطلوبة، وأنها ستدخل اجتماع فيينا بقوة، قبل أن تشير إلى أن «التوصل إلى اتفاق ليس صعبا».

وترى الإدارة الأميركية أن الاتفاق، الذي يقضي بتحويل 1200 كيلوغرام من اليورانيوم الإيراني ضعيف التخصيب، إلى دولة أخرى لتخصيبه إلى درجة 20% من أجل استخدامه في مفاعل بحثي يستخدم في أغراض طبية، يعتبر اختبارا للنوايا الإيرانية في المأزق الدولي المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وبعد تسليم الجمهورية الإسلامية 1200 كيلوغرام من اليورانيوم ضعيف التخصيب، لن يبقى لديها مخزون كاف لتصنيع قنبلة نووية. ووفقا لما ذكرته إيران، يعاني المفاعل من نقص الوقود، لذا اقترحت الإدارة الأميركية إرسال 80% من اليورانيوم الإيراني المخصب إلى روسيا من أجل تحويله إلى وقود للمفاعل. ثم تحول فرنسا المادة إلى ألواح معدنية، مكونة من سبائك من اليورانيوم والألمونيوم، يستخدمها ذلك المفاعل. وقدمت إيران بنفسها طلبا إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل استيراد وحدات وقود نووية في يونيو (حزيران) الفائت، في ظل نفاد الوقود الذي أمنته الأرجنتين عام 1993. وقال خبير «من المؤكد أن الإيرانيين قدموا ذلك الاقتراح، لكننا سنرى الآن إن كانوا سيوافقون» على اتفاق فعلي مع الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا.

وصرح مسؤولون أميركيون بأنه إذا فشلت إيران في الوصول إلى اتفاق مؤقت في تلك الصفقة، فستساعد على تقوية موقف فرض العقوبات. ولكن تؤكد المفاوضات بالفعل على وجود خلافات بين الولايات المتحدة واثنتين من الدول الرئيسية، روسيا والصين، في الجهود المبذولة للحد من مطامع إيران النووية.

وفي أثناء زيارة إلى موسكو في الأسبوع الماضي، وجدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون رفضا من المسؤولين الروس عندما حاولت مناقشة الحاجة إلى فرض عقوبات أكثر صرامة إذا لم تشهد المفاوضات مع إيران تقدما سريعا. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وكلينتون واقفة إلى جواره «يجب أن تركز جميع الجهود على دعم عملية المفاوضات. ونحن على قناعة بأن التهديدات والعقوبات والتهديدات بالضغط في الوضع الراهن ستأتي بنتائج عكسية».

وفي الوقت ذاته، أظهرت الصين نفاد صبرها في الحديث عن فرض عقوبات جديدة. ويوم الخميس الماضي، اجتمع رئيس الوزراء الصيني ون جي باو في بكين مع محمد رضا رحيمي، النائب الأول للرئيس الإيراني، وأعلن أن حكومته ستسعى إلى «تنسيق وثيق في الشؤون الدولية» مع طهران. ونقلت وكالة أنباء «نيو تشاينا» الرسمية عن ون قوله «تشهد العلاقات الصينية الإيرانية تطورا سريعا، ويقوم رئيسا الدولتين بعمليات تبادل مستمرة، كما اتسع نطاق التعاون في مجال التجارة والطاقة وازداد عمقا».

وتجد ثلاث دول أخرى رئيسية، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، رغبة أكبر في الضغط من أجل فرض عقوبات إذا لم يكن هناك تقدم واضح بحلول نهاية العام. وأبرزت وثيقة استراتيجية سرية لوزارة الخارجية الفرنسية، نشرت في الشهر الحالي في الجريدة الفرنسية الأسبوعية «باكيك إبدو» أن فرنسا أكثر الدول حماسا لفرض عقوبات كبيرة.

وذكرت الوثيقة أن هناك «خلافات ثانوية حول العقوبات المتصورة» بين ألمانيا وبريطانيا.

وأضافت «ومن الواضح أن الولايات المتحدة، التي قدمت عرضا غير مسبوق لإيران في الربيع، لا تعتزم مراجعة تلك الاستراتيجية حتى نهاية العام. وتميل استراتيجيتها إلى الانتظار لرؤية ما سيحدث أكثر من استراتيجيتنا». وتؤكد الصين وروسيا «بوضوح على الحوار ولا ترغبان في إثارة فكرة فرض المزيد من العقوبات». وقد رفض مسؤولون فرنسيون التعليق على الوثيقة.

وفي إشارة إلى الجدية الأميركية، يرأس الوفد الأميركي الذي سيشارك في المباحثات التي تجري في فيينا نائب وزيرة الخارجية لشؤون الطاقة دانيال بونيمان، وسيضم الوفد مسؤولين من البيت الأبيض ووزارة الخارجية.

وليس من الواضح من سيضم الوفد الإيراني، ولكن نقل تقرير لوكالة «رويترز» من فيينا على لسان مسؤول إيراني قوله إن إيران سترسل مسؤولين أقل نسبيا في المستوى من المسؤول عن برنامجها للطاقة النووية.

ومنذ أن أعلن مسؤولون عن موافقة مؤقتة على الاتفاقية في جنيف في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، أرسلت إيران سلسلة من الإشارات المتناقضة. فأشار مسؤولون إيرانيون مختلفون في أوقات متباينة إلى عدم وجود اتفاق؛ وأن إيران تريد أن تنتج الوقود بذاتها؛ وأن إيران تريد شراء الوقود بدلا من تحويل مخزونها من اليورانيوم المخصب؛ وأن إيران تريد تحويل المزيد من اليورانيوم. وصرح مسؤولون أميركيون بأنه ليست لديهم فكرة عما ستقترحه إيران في فيينا، ولكنهم يتوقعون عملية تفاوض صعبة حول الجداول الزمنية والسداد وقضايا أخرى.

وتستمر المباحثات، التي من المقرر أن تعقد تحت رعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لمدة يومين على الأقل.

وأشارت الوثيقة الفرنسية إلى أن باريس تشعر بالقلق من أن المبادرة الأميركية قد تؤدي إلى مساومات لا تنتهي. وورد فيها «لقد أعطينا الولايات المتحدة موافقتنا على هذه العملية بشروط. خاصة أنه يبدو من الضروري أن.. تغادر كمية 1200 كيلوغرام (2640 رطل) من اليورانيوم إيران في موعد نهائي قريب ويجب أن يطلب من إيران الرد مبدئيا بحلول نهاية أكتوبر (تشرين الأول)؛ وأن يخرج اليورانيوم قبل نهاية العام».

وأعلنت إيران بكل ثقة أمس أنها ستحضر اجتماع فيينا. لكن مسؤولا في طهران قال إن بلاده ستواصل أنشطتها لتخصيب اليورانيوم. وقال أبو الفضل زهروند، مستشار سعيد جليلي كبير المفاوضين الإيرانيين «في الاقتراح الحالي تتم عملية التخصيب على أراضينا لكن التخصيب الذي يزيد على نسبة 5% وخصوصا لمفاعل طهران للأبحاث فسيتم في بلد آخر». وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «المهم أن تبقى تقنية وتكنولوجيا التخصيب في إيران.. ونبقي على كافة مواقعنا ومراكز الأبحاث». وقالت وكالة الأنباء الإيرانية إن زهروند أضاف أن إيران قادرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%.

وأضاف «قد نحتاج في بعض الحالات إلى يورانيوم مخصب بنسبة 63% فسنشتريه تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو سنقوم بتخصيبه بأنفسنا». وفي منشأة ناتانز تخصب إيران اليورانيوم بنسبة تقل عن 5% وهي كافية لاستخدامه لأغراض عسكرية. وترفض إيران اتهامات الغرب لها بأنها تسعى إلى إنتاج القنبلة الذرية تحت غطاء برنامج نووي مدني. وقال محمد رضا محمد كريمي المسؤول في صحيفة «إيران دايلي» لوكالة «فرانس برس» إن إيران «ستسعى في فيينا للحصول على ضمانة بتسليم اليورانيوم المخصب بنسبة 20% بحسب جدول زمني ضيق».

وأضاف أن طهران تحضر اجتماع النمسا «للتوصل إلى اتفاق ملموس. في حال لم تبرز عقبات مفاجئة سيفضي الاجتماع إلى نتائج إيجابية». وقال مسؤول إيراني طلب عدم كشف اسمه أن «التوصل إلى اتفاق ليس صعبا». وأضاف أن «أولويتنا هي الحصول على وقود» يدخل استخدامه في إطار برنامج نووي مدني. وأعرب الرئيس محمود أحمدي نجاد أخيرا عن ثقته، واضعا الضغط على الغربيين بشكل غير مباشر.

وقال ردا على تصريحات لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون قالت فيها «إن لصبر الأسرة الدولية حدودا» في حال لم تحترم إيران التزاماتها، «لا أعتقد أننا سنواجه مشكلات في المفاوضات المقبلة. وإذا أراد البعض افتعال مشكلات فلن ينجحوا وإذا نجحوا فسيدفعون الثمن». وتقول إيران إنها تحضر اجتماع فيينا من موقع قوة.

وحذر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، حسن قشقوي، من أن بلاده في غياب اتفاق ستقوم بتخصيب اليورانيوم بوسائلها الخاصة. وقال المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، علي شيرزديان، إن طهران تملك تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم و«ستجلس إلى طاولة المفاوضات ومعها وسيلة ضغط». يقول خبراء إيرانيون إن طهران قد تطالب بالحفاظ على ألف كيلوغرام من اليورانيوم القليل التخصيب من أصل 1500 كيلوغرام في حوزتها بحسب أرقام الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إلا أن فرنسا أعلنت ـ مثل واشنطن وموسكو ـ أنها «تريد التوصل إلى اتفاق يترجم بتصدير 1200 كيلوغرام من مادة يو إف 6 المخصبة إلى روسيا قبل نهاية السنة لإعادة تخصيبها».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»