اجتماعات فيينا: البرادعي متفائل.. ومسؤول إيراني: لن نوقف التخصيب ولو حصلنا عليه من الخارج

إيران تعارض إجراء محادثات مباشرة مع فرنسا بشأن مدها بالوقود.. وكلينتون: متفقون مع روسيا بشأن العقوبات

مراسم تشييع قادة الحرس الثوري الذين قتلوا في عملية انتحارية أول من أمس (أ. ب)
TT

انطلقت في طهران أمس مفاوضات حاسمة برعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حول اتفاق مع الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا بشأن تخصيب اليورانيوم الإيراني لأغراض مدنية في الخارج على أمل تخفيف التوتر بشأن برنامجها النووي المثير للجدل. وقبيل المفاوضات التي جرت في العاصمة النمساوية فيينا، حذرت طهران من أنها ستلجأ إلى وسائلها الخاصة لتخصيب اليورانيوم في حال فشل المفاوضات في تحديد دولة ثالثة للقيام بالمهمة، مع تأكيدها أنها سترفض أن تكون تلك الدولة هي فرنسا، بسبب «مواقف سابقة». في وقت حذر فيه مسؤول في طهران أن بلاده لن توقف أنشطة تخصيب اليورانيوم حتى وإن توافر لها وقود نووي من الخارج.

وجرت المفاوضات في جلسات مغلقة بين سفراء الدول الأربع في الوكالة التابعة للأمم المتحدة بحضور خبراء ويمكن أن تستمر يومين. وقال مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، إن المحادثات شهدت بداية طيبة وستستأنف اليوم. وقال البرادعي بعد نحو ثلاث ساعات من المحادثات «لقد كان لنا اجتماع بناء إلى حد ما وشهدنا بداية جيدة، حيث تمت مناقشة غالبية المسائل التقنية».

واتفقت إيران ومجموعة الدول الست في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري على مبدأ أن تسلم طهران جزءا من اليورانيوم المخصب بنسبة أقل من خمسة في المائة الذي تملكه إلى دولة ثالثة للحصول في المقابل على يورانيوم مخصب بنسبة 19.75% لمفاعل الأبحاث الذي تملكه في طهران ويخضع بالكامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية لأغراض طبية.

وهذه المفاوضات الجديدة بين قوى نووية وإيران حاسمة لمحاولة تهدئة التوتر حول البرنامج النووي المثير للجدل الذي يقتصر على الأهداف المدنية حسب إيران بينما يشتبه الغربيون في أنه يهدف إلى امتلاك طهران سلاحا نوويا وهو هدف يتطلب يورانيوم عالي التخصيب. وسيكون على إيران التي تؤكد أن أولويتها هي الحصول على وقود لمفاعل الأبحاث الذي تمتلكه، تسليم دولة أخرى الجزء الأكبر من اليورانيوم الذي قامت بتخصيبه في السنوات الماضية على الرغم من دعوات مجلس الأمن الدولي إلى تجميد هذه النشاطات إلى أن تتمكن الوكالة الدولية من تحديد الطبيعة الحقيقية للبرنامج النووي الإيراني.

وعمليا، يفترض أن تحدد الدول الأربع طرق نقل هذا اليورانيوم المخصب بنسبة قليلة إلى مصانع متخصصة في روسيا وفرنسا بطريقة تسمح بالحصول على مستويات من التخصيب ضرورية لإنتاج نظائر مشعة لغايات العلاج الطبي (وخصوصا السرطان) في مفاعل الأبحاث الذي تملكه طهران. وترى الإدارة الأميركية أن الاتفاق، الذي يقضي بتحويل 1200 كلغ من اليورانيوم الإيراني ضعيف التخصيب، إلى دولة ثالثة، يعتبر اختبارا للنوايا الإيرانية. ويقول محللون إنه بعد تسليم الجمهورية الإسلامية لـ1200 كلغ من اليورانيوم ضعيف التخصيب، لن يبقى لديها مخزون كاف لتصنيع قنبلة نووية. وتفيد أرقام الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران جمعت نحو 1500 كلغ من اليورانيوم القليل التخصيب في منشأة ناتنز.

وحذر مسؤول إيراني قال إن بلاده لن توقف أنشطة تخصيب اليورانيوم حتى وإن توافر لها وقود نووي من الخارج لتغذية مفاعلها في طهران. وقال علي شيرزاديان المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية (إرنا) «شراء وقود نووي من الخارج لا يعني أن إيران ستوقف أنشطة تخصيب اليورانيوم داخل البلاد». وأضاف أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد هو الذي تقدم باقتراح تسليم يورانيوم مخصب بنسبة أقل من 5% إلى دولة ثالثة للحصول على يورانيوم مخصب بنسبة عشرين في المائة في المقابل.

وتابع شيرزاديان «بهذا الاقتراح لا تريد إيران سوى خفض التكاليف والبرهنة على إرادتها في التفاهم مع الدول الأخرى لكن هذا لا يعني وقف التخصيب في إيران أو نقل نشاطات التخصيب إلى خارج البلاد».

وتم الاتفاق على هذا الأمر «من حيث المبدأ» بين إيران والقوى العالمية في جنيف في الأول من الشهر الحالي، لكن السلطات الإيرانية لم تبعث حتى الآن بأي إشارات علنية تنم عن قدر من المرونة لتسوية الخلاف النووي بينها وبين والغرب. إلى ذلك ذكر العديد من شبكات الإعلام الإيرانية أمس، أن إيران ستتجنب إجراء محادثات مباشرة مع فرنسا لشراء الوقود النووي لمفاعلاتها للأبحاث في طهران. ونقلت عن مصدر مقرب من فريق المفاوضات الإيراني في فيينا أن فرنسا «لم تف بالتزاماتها السابقة فيما يتعلق بالتعاون النووي مع إيران». وأضاف أن فرنسا «ليس لديها سجل مقبول ولأنها أعاقت كذلك المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية» فإن طهران لن تجري معها محادثات مباشرة.

من جهتها، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في تصريحات صحافية، إن الولايات المتحدة وروسيا متفقتان على ضرورة بحث اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد إيران إذا عجزتا عن التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة المتعلقة ببرنامجها النووي. وفشلت كلينتون في الحصول على وعد محدد من موسكو بفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران خلال زيارتها لروسيا الأسبوع الماضي، لكنها قالت في المقابلة التي أجرتها معها الطبعة الروسية من مجلة «نيوزويك» ونشرتها صحيفة «دي فيلت» الألمانية إن هناك اتفاقا واسع النطاق مع الكرملين على طريقة التعامل مع هذه القضية. وأضافت كلينتون «اتفقنا على جعل الدبلوماسية أولوية مع إيران. لكن إذا لم ننجح فسوف نبحث خطوات أخرى». ووصفت محادثاتها مع الزعماء الروس بأنها «بناءة جدا» وقالت إن البلدين «على اتفاق كامل» فيما يخص طريقة التحرك قدما إزاء هذه القضية. وقالت كلينتون أيضا إنها متأكدة من أن روسيا لم تنفذ خططا بتسليم صواريخ دفاع جوي اس 300 لإيران. ونقل عنها قولها «حتى الآن لم يسلموا أي أنظمة صواريخ إلى إيران. نرى هذا مؤشرا طيبا».

أما ما يخص الصين، فإن خبراء يرون أن بكين التي لم تتوقف عن تأكيد معارضتها للعقوبات في الملف النووي الإيراني، يمكن أن تغير موقفها للحفاظ على مصالحها الأوسع نطاقا لا سيما مع الولايات المتحدة. وفي صراع القوة بين إيران وممثلي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، تبنت الصين وروسيا حتى الآن موقفا مشتركا ضد العقوبات رغم الضغوطات الأميركية المتكررة.

والصين وروسيا هما البلدان اللذان يملكان أكبر حضور في قطاع الغاز الإيراني، بحسب الخبراء. وإيران هي ثالث مزود بالنفط للصين التي تحتاج الكثير من المحروقات والتجارة الصينية الإيرانية على ارتفاع (28 مليار دولار العام الماضي).

وفي الوقت الذي كانت فيه كلينتون تحاول في موسكو تليين موقف روسيا، أعلن كورت كامبل مساعد وزيرة الخارجية للشؤون الآسيوية الأسبوع الماضي في بكين «سنكون بحاجة إلى دعم الصين». وأكد هيو تيبينغ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الإعلام بالصين «ما دام أنه لا توجد حجج كافية تثبت أن إيران تستخدم تكنولوجيتها لتطوير أسلحة، فإن الصين لن تصوت لمصلحة عقوبات».