في قبضة طالبان (الحلقة 2): أسير داخل إمارة طالبان الإسلامية

كان عناصر طالبان أكثر تقدما مما اعتقدت.. كانوا يتصفحون الإنترنت ويستمعون إلى الأخبار اليومية على مدار الساعة

عناصر طالبان بالشريط القبلي («نيويرك تايمز»)
TT

دلف سائق شاب من حركة طالبان، له شعر طويل ينساب على كتفيه، إلى السيارة، وجلس خلف عجلة القيادة، ومن خلال مرآة الرؤية الخلفية حدّق إلي بعينين تملؤهما الشكوك ثم أدار محرك السيارة واتجه إلى أسفل الجانب الأيسر من الطريق. وكنت آمل أن تكون هذه مزحة، صورة جهادية من لعبة الدجاج، وهي اللعبة التي يقوم فيها سائقان بقيادة سيارتيهما بسرعة في مواجها كل منهما الآخر إلى أن يفقد أحدهما أعصابه. وكانت الحارة التي يسير فيها تظهر الدولة التي نحن فيها، فإذا استمر في قيادة السيارة ناحية اليسار فإن ذلك يعني أننا سوف نعبر إلى باكستان، وإذا قاد السيارة ناحية اليمين فذلك يعني أننا ما زلنا داخل أفغانستان. وبعد نحو ميل على الطريق، ظهرت علامات مرورية باللغة الأردية.. وقلت لنفسي إننا في باكستان.. سنموت.

قبل ثمانية أيام اختطفني فصيل يتبع حركة طالبان مع صحافي أفغاني يدعى طاهر لودن، وسائقنا أسد مانغال، ونحن في رحلة صحافية خارج كابل، وكذب علينا زعيم الفصيل، وهو رجل يدعى عتيق الله، إذ قال إننا سوف ننقل إلى جنوب أفغانستان وسوف يطلق سراحنا. ولكن في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) وصلنا إلى منطقة القبائل الباكستانية، وهي منطقة منعزلة تسيطر عليها حركة طالبان. أصبحنا داخل «الإمارة الإسلامية»، وهي الدولة الأصولية التي كانت موجودة في أفغانستان قبل غزوها عام 2001 بقيادة الولايات المتحدة. لقد أزهقت الآلاف من الأرواح الأفغانية والباكستانية والأميركية وصرفت المليارات في صورة مساعدات أميركية، ولم تتم إزالة الدولة الأصولية، ولكنها نقلت فقط إلى منطقة على بعد عدة أميال ناحية الشرق.

خلال سبعة أعوام قضيتها في تغطية صحافية داخل المنطقة كنت أشعر بالشفقة على الأشخاص الذين يؤخذون أسرى هنا. هذا هو أسوأ مكان في الأرض يمكن أن يحتجز فيه أميركي رهينة، ففي الواقع ليس للولايات المتحدة نفوذ، بل إنها محل احتقار بصورة واضحة.

لقد أطلقت الطائرات الأميركية، التي تعمل دون طيار، عشرات الصواريخ منذ عام 2004، وتسببت في مقتل مسلحين ومدنيين. وتمكنت حركة طالبان من احتجاز رهائن أميركيين وأفغان وباكستانيين وأجانب في هذه المنطقة لمدة أعوام، وتم إطلاق سراح البعض مقابل الحصول على فدى وإعدام آخرين لجذب الانتباه.

صحت وأنا داخل السيارة: «نحن في باكستان»، قلتها بصوت مرتفع لأنفّس عن غضبي، فضحك عتيق الله وبدا أن السائق قد فوجئ، ولذا تساءل: «كيف عرف أنها باكستان؟»، فأجبت قائلا: «لأننا اتجهنا بالسيارة إلى أسفل الجانب الأيسر من الطريق». فسأل: «كيف عرفت ذلك؟ متى كنت في باكستان من قبل؟»، ابتسم عتيق الله، وبدا أنه مستمتعا بالكلام، وكان يعلم مسبقا أنني ذهبت إلى باكستان عدة مرات في مهمات صحافية.

لقد كنت واحدا من عشرات الصحافيين الذين كتبوا مقالات يتحدثون فيها بالتفصيل عن تحويل تنظيم القاعدة وحركة طالبان منطقة القبائل إلى معقل جديد لهم بعد أن طُردوا من أفغانستان عام 2001. وشاهدت الحكومة الباكستانية، التي كان يتزعمها الرئيس برويز مشرف، وهي لا تحرك ساكنا، بينما كانت حركة طالبان تقتل الشيوخ القبليين وتسيطر على المنطقة.

فكرت في زوجتي وعائلتي، فعندما يعرفون أننا في منطقة القبائل سوف يزداد حزنهم ويظنوا أني لن أعود أبدا. وصلنا إلى مدينة كبرى، ورأيت علامة كتب عليه «وانا» بالإنجليزية. إنها عاصمة جنوب وزيرستان، وهي المنطقة الأكثر راديكالية ضمن المناطق الإدارية السبع التي تشكل منطقة القبائل. توقفنا عند السوق الرئيسية، وتركت وحدي داخل السيارة مع السائق الشاب.

وكانت قد استقرت في ذهني بعض الأشياء، فمن أسروني يريدون في المقابل فدية وسجناء، وقتلنا لن يأتي لهم بشيء، ولذا سوف ننجو نحن الثلاثة. وبالطبع كانت جميعها أوهام، فببساطة.. إن الوصول بنا إلى هذا المكان البعيد كان نصرا كبيرا بالنسبة لهم، وسوف نبقى في الأسر لأشهر أو يتم قتلنا.

وكان يتحرك خارج السيارة العشرات من القبليين الباكستانيين والأفغان والمسلحين الأجانب، وكل منهم في يديه رشاش كلاشنيكوف معلق على كتفه، وله لحية طويلة كثيفة.

ووقف رجل على رأسه عمامة كبيرة لينعم النظر فيّ وأنا على المقعد الخلفي، وسأل السائق سؤالا بلغة البشتو، فنظر السائق إلي ورد بجملة حسبت أنها تشتمل على كلمة للشهادة. وقلت لنفسي إن السائق قال إنني في طريقي لألقى الله.

وعاد عتيق الله إلى السيارة، وشعرت بالارتياح. وعلى الرغم من أنه هو الشخص الذي قام باختطافنا فإنني كنت أنظر إلى عتيق الله على أنه المسؤول عن حمايتي، وأنه الشخص الذي سوف يحافظ على معاملتنا بصورة حسنة في الوقت الذي يطلب فيه مسلحون آخرون رؤوسنا.

وكان أول منزل نقيم فيه داخل باكستان في ميرام شاه، عاصمة شمال وزيرستان، وكان يضم غرفتين كبيرتين للنوم تطلان على فناء صغير وحمام صغير أيضا ومرحاض منفصل.

وفي اليوم الأول هناك ذهبتُ إلى الحمام وعدت لأجد طاهر وبه جرح في أسفل ربلة ساقه، وبدا وكأن شخصا رسم خطا في قدمه بلون أحمر قانٍ. وكان مسلح من وزيرستان قد أخذ سكينا وحاول قطع جزء من ربلة ساق طاهر، قائلا إنه يريد أن يأكل لحم أفغاني يعمل مع الغربيين، ولكن أوقفه أحد حراس عتيق الله.

وعلى مدار اليوم، كان يأتي مسلحون باكستانيون إلى المنزل لينظروا إلينا، وشعرت وكأنني حيوان في حديقة حيوانات، وكان من بين الزائرين قائد طالباني محلي، عرف نفسه باسم بدر الدين، وهو أخو سراج الدين حقاني الذي يتزعم شبكة الحقانيين، وهي إحدى أقوى الفصائل الطالبانية في المنطقة، وكانت ميرام شاه معقلهم.

إن أباهم هو جلال الدين حقاني، وهو زعيم مجاهدي أفغاني، دعمته الولايات المتحدة وباكستان في الثمانينات عندما كان يقاتل السوفيات. وفي التسعينات، أنهت الولايات المتحدة علاقتها مع عائلة حقاني ومع الكثير من المقاتلين الأفغان المتشددين. وبمساعدة من باكستان ظهرت حركة طالبان وانضم إليهم الحقانيون.

وقال بدر الدين، وهو رجل طويل كثير الكلام بدا أنه في أوائل العقد الثالث من عمره، إنه يجهز لتصوير شريط فيديو لنا كي ينشر في وسائل الإعلام، وابتسم وهو يعرض علي شريط فيديو على كاميرته لعامل إغاثة فرنسي يدعى داني إغريتو اختطف قبلنا بأسبوع وهو ذاهب على قدميه إلى مكتبه في كابل. وكان الصحافي الفرنسي مصفدا في الأغلال وبدا أنه تعرض للضرب على وجه، وناشد عائلته وأصدقاءه كي ينقذوه.

سألتُ هل يمكنني أنا وطاهر التحدث بمفردنا مع عتيق الله، وقلت له إنه يجب أن لا نصور هذا الشريط، وقلت إن هناك احتمالية أكبر لأن تقبل الحكومتان الأميركية والأفغانية بعملية تبادل أسرى سرية، وليست عملية علنية. وفي محاولة لتقليل سقف توقعاتهم، قلت له إنه سيكون أسهل كثيرا الحصول على سجناء من السجن الرئيسي الذين يديره أفغان خارج كابل والمعروف باسم بولي تشارخي. ولكن إذا طلبت حركة طالبان سجناء من معتقلي غوانتانامو في كوبا وبغرام في أفغانستان فإنها لن تنجح أبدا. وقلت له إنني لست بهذه القيمة الكبيرة، وإنه يجب عليه الوصول إلى حل وسط. ولم أخبره أنني لا أريد أن تتألم عائلتي وهي تشاهدني في شريط فيديو، ومما فاجأني أن عتيق الله وافق على ذلك. قال لي عتيق في أحد المواقف: «أنا من هذه الفئة، أنا ممن يحبون الوصول إلى حل وسط».

وقال إنه سوف يسمح لي مع طاهر وأسد بالاتصال بعائلتينا في تلك الليلة كي نثبت أنه ما زلنا على قيد الحياة، وطلب مني التأكيد خلال المكالمة على أنه يريد الوصول إلى صفقة سريعا، وأبقى الغطاء على وجهه، وبالنسبة لي فإن ذلك كان يعني أنه لا يريد منا أن نتعرف عليه لأنه خطط لإطلاق سراحنا.

وقضيت باقي اليوم أكتب سريعا عددا من الأشياء كنت أريد أن أقولها لزوجتي كريستين التي تزوجتها قبل شهرين. وأضفت بعض البنود ثم حذفتها بعد ذلك. كنت أريد أن أبدد مخاوف عائلتي من أنني أتعرض للتعذيب، ولكني كنت أريد أن أفعل كل ما هو ممكن من أجل إطلاق سراح ثلاثتنا. ولم أكن متأكدا من أنه سوف تكون هناك فرصة جديدة أمامي للحديث معها.

وفي وقت متأخر من تلك الليلة، أخذنا عتيق الله وبدر الدين خارج المدينة، وأوقف عتيق الله السيارة في مجرى نهر جاف وأطفأ المحرك، وترك المصابيح مشتعلة واستخدمناها كي نرى أرقام هاتف صغير يعمل عبر الأقمار الصناعية. وطلب عتيق الله وبدر الدين أن أخبر كريستين أننا محتجزين في ظروف صعبة داخل جبال أفغانستان.

اتصلت بزوجتي، فردت: «أهلا؟» فقلت: «كريستين؟ كريستين؟» فأجابت: «ديفيد، إنه أنا كريستين.. أحبك». بدا أن صوتها هادئا. وسألت: «كريستين؟» فأجابت: «نعم..» قلت: «وأنا أحبك أيضا. اكتبي هذه الأشياء، تمام؟» فأجابت: «تمام»، بدا أنها متماسكة بصورة ملحوظة. وقلت: «إنني... نحن نُعامل بصورة جيدة». فكررت كريستين: «نُعامل بصورة جيدة». قلت: «رقم واحد» فقالت كريستين: «حسنا، رقم واحد». وقلت: «رقم اثنين، صفقة مقابل ثلاثتنا، نحن الثلاثة ولست أنا وحدي، السائق والمترجم أيضا يجب أن تكون صفقة مقابل ثلاثتنا». فكررت: «صفقة مقابل ثلاثتنا، السائق والمترجم أيضا، حسنا». وقلت: «لا تستخدموا القوة من أجل الحصول علينا». وكررت كريستين: «لا تستخدموا القوة». وقلت «أربعة»، فقالت كريستين: «نعم»، فقلت: «أتموا صفقة حالا وإلا سوف يذيعون الأمر، إنهم يريدون أن يرسلوا شريط فيديو إلى وسائل الإعلام». وأعادت كريستين كلماتي مرة أخرى. وقلت: «سوف يجعل من ذلك مشكلة سياسية كبرى».

وطلب مني عتيق الله أن أقول لها إن هذا هو الاتصال الأخير، فقلت: «يقولون إنه لن يمكنني الاتصال بك مرة أخرى، وإنهم يريدون صفقة حالية ولن أتمكن من الحديث معك مرة أخرى». فكررت: «لن يمكنك الاتصال بي، أحبك، أحبك يا روحي». وقلت: «أحبك أيضا، وقولي لعائلتي إنني أشعر بالأسف». فقالت: «عائلتك هنا، لي هنا معي»، في إشارة إلى أخي الأكبر. وقلت: «أنا آسف، أنا آسف». وقالت كريستين بهدوء: «سوف يكون الوضع على ما يرام، أحبك، وأصلي من أجلك كل يوم».

وأضافت كريستين أنها تريد أن تتأكد من أنها استوعبت ما تريده حركة طالبان، وسألت: «ما هي الصفقة؟»، فطلب عتيق الله مني أن أخبرها أنه سوف يتصل بمكتب «نيويورك تايمز» في كابل ويخبرهم بالمطالب. وقالت كريستين: «نشعر بقلق شديد عليك، ونحن نحبك ونصلي من أجلك».

وعلا صفير من الهاتف، وفجأة صمت. وانقطع الاتصال بكريستين.

وشعرت بالراحة وأنا واقف في منطقة مظلمة نائية في وزيرستان تحت رحمة مسلحين من حركة طالبان بعد أن تحدثت إلى زوجتي للمرة الأولى في تسعة أيام. لقد كنت أتوقع شعورا بالهلع ودموعا، ولكن بدا أنها تسيطر على مشاعرها وتشعر بالثقة. وستبقى كلماتها «سوف يصبح كل شيء على ما يرام» تتردد في ذهني على مدار أشهر، وستكون رباطة جأشها عونا لي.

وبعد ذلك طلب عتيق الله وبدر الدين مني الاتصال بمكتب «نيويورك تايمز» في كابل، ولكن بدلا من أن يطلبوا مني تقديم مطالب محددة، أمروا ثلاثتنا بالمبالغة في معاناتنا. وقلت لكريس تشيفرز، وهو صديق مقرب وصحافي في «نيويورك تايمز»، عندما رد على الهاتف: «نحن في ظروف مريعة». وطلب مني أن أقول لكريس إن عتيق الله ليس معنا، على الرغم من أنه كان يقف إلى جانبي. ثم تحدث طاهر إلى كريس وطلب منه أن يخبر عائلته أنه على قيد الحياة وفي صحة جيدة. وقال طاهر: «يقولون لي دوما إذا وقع خطأ ما فإنهم سوف يكررون قصة هلمند، ولذا أخشى أنهم سوف يقتلونني». كان طاهر يشير إلى عملية اختطاف وقعت في عام 2007 لصحافي إيطالي في محافظة هلمند، وانتهت بضرب عنق صحافي أفغاني وسائق كان يعمل معه. وتحدث أسد إلى صحافي أفغاني في المكتب وقال: «أنا بخير، أن في حال جيد، قل لعائلتي إننا في الجبال، ولكني بخير».

استمرت المحادثة مع إعطاء عتيق الله التوجيهات لي بما يجب علي قوله، وعندما أمرني أن أخبر كريس بأنهم سيقتلون السائق والمترجم أولا.. رفضت.

قلت لعتيق الله: «اقتلني أولا.. اقتلني أولا».

سمع كريس ما قلته وتدخل بالقول: «ليس هناك أحد في حاجة إلى ذلك، ليس هناك حاجة لأن يموت أحد».

وشرحت لكريس: «إنهم يهددون بقتل السائق والمترجم».

رد كريس بالقول: «نحن نفهم أنهم يطلقون هذه التهديدات، لكن ذلك لن يجعل مهمتنا سهلة».

وطمأنني كريس بأن قتل طالبان لأحد الرهائن سيثير غضب الحكومة وسيصعب من إمكانية التوصل إلى أي اتفاق.

وقلت له: «من فضلك لا تجعلهم يقتلون السائق والمترجم.. من فضلك لا تجعلهم يقتلون السائق والمترجم».

وقلت: «إنني آسف على كل ما حدث.. إنني أعتذر للجميع».

وقال كريس: «ديفيد، إنه ليس خطؤك». وحثني على أن أنقل لعتيق الله أن يظل هادئا.

قلت لكريس، وأنا أنهي المكالمة عندما كان عتيق الله وبدر الدين يأمرانني بإنهاء المكالمة: «حسنا، ثلاثتنا يا كريس، يجب أن يشملنا الاتفاق نحن الثلاثة. يجب علي أن أذهب الآن».

في الوقت الذي قادني فيه عتيق الله إلى ميرام شاه شعرت بالارتياح. وكانت كريستين تبدو هادئة، وقال كريس إن «التايمز» كانت تقوم بكل ما تستطيع. وشعرت بأن علي أن أحارب من أجل أسد وطاهر.

وصلنا إلى منزل جديد واندهشت من الأوضاع الجيدة في المنزل، فقد كان به الكهرباء، وكان بإمكاننا الاستحمام من دلاء الماء الدافئ. وحصلت على مجموعة جديدة من الثياب وفرشاة أسنان وشامبو. وسمح لنا الحراس بالمشي في الساحة، كان الطقس دافئا على نحو مدهش. وقد أعطونا الرمان والأطعمة الطازجة الأخرى وزجاجات المياه معدنية.

كانت المناطق القبلية أكثر تطورا، وكانت طالبان التي تقطن بها أكثر تقدما مما اعتقدت. فقد كانوا يتصفحون الإنترنت، واستمتعت إلى الأخبار اليومية على مدار الساعة من «راديو آزدي»، المحطة التي تديرها الحكومة الأميركية.. لكنهم رفضوا تلك الأنباء قائلين إنها لا توافق تصوراتهم، وقال عتيق الله إنه في حاجة إلى العودة إلى أفغانستان لكنه سيترك اثنين من رجاله لحراستنا وقال: «سأعود خلال سبعة أو عشرة أيام» ثم مضى.

ولكي نمضي الوقت خلال هذا الأسبوع كان لدينا راديو ولوح لعبة الشيكا الذي يشبه لعبة البرجيس الباكستانية، ولدهشتي أحضر لي الحراس صحيفة باكستانية باللغة الإنجليزية، كانت الصحيفة تباع لمتجر في ميرام شاه وكانت تأتي متأخرة بيوم أو يومين. وبدلا من ضربنا، كما اعتادوا، بدأ حراسنا في تلبية احتياجاتنا.

لكن كما حدث خلال أغلب الشهور السبعة التي قضيتها في الأسر كانت أسباب التفاؤل في اقتراب الإفراج عنا بدأت تتضاءل أمام الظروف الصعبة التي نواجهها.

وخلال الليالي الكثيرة التالية زارنا الكثير من قادة قوات حقاني الذين يملؤهم الحقد تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل. يطلقون خلالها الانتقادات الساخرة التي استمرت طوال مدة أسرنا.

كانت بعض تعليقاتهم حقيقية، فقالوا إن القصف الجوي الأميركي قتل عددا كبيرا من المدنيين في أفغانستان والعراق وفلسطين. وتعرض السجناء المسلمون لانتهاكات جسدية وجنسية في العراق، كما اعتقل العشرات في كوبا وأفغانستان مدة سبع سنوات من دون توجيه تهم لهم.

بالنسبة للأميركيين تعد هذه الأحداث نوعا من الانحراف، وبالنسبة لخاطفي فهي دليل لي أن الولايات المتحدة منافقة تخرق القانون الدولي.

وعندما أخبرتهم أنني مواطن مدني بريء يجب أن يطلق سراحه، ردوا علي بالقول إن الولايات المتحدة تحتجز وتعذب المسلمين في السجون السرية لسنوات. وقال القادة إنهم تعرضوا للسجن وتجهل عائلاتهم مصائرهم. وتساءلوا.. إذن لماذا نعاملك معاملة كريمة؟

كانت الاتهامات الأخرى نوعا من البارانونيا والأوهام، فبعد سنوات على هجمات سبتمبر (أيلول) لا يزالون يصرون على أن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية هي التي قامت بها لاستغلالها كذريعة للولايات المتحدة لاستعباد العالم الإسلامي.

وقالوا إن الولايات المتحدة تجبر أعددا كبيرة من المسلمين على الدخول في المسيحية عنوة، وإن الجنود الأميركيين والناتو يجبرون الأفغانيات على العمل كبغايا في القواعد العسكرية. كانت كراهيتهم للولايات المتحدة تبدو بلا حدود.

مرت عشرة أيام ولم يعد عتيق الله، كما وعد، وبدا أن بدر الدين سيكون هو المسؤول.

نقلنا بدر الدين إلى منزل آخر أقل نظافة، وكان المكان الذي سمح لنا بالمشي فيه أشبه برصيف الشارع، ومحاطا بأسوار عالية. كان الطعام غير نظيف، وهو ما جعلنا نصاب بالمرض.

خلال ليلتنا الأولى هناك وعدنا القائد الطالباني صاحب المنزل بإعلامنا كل ثلاثة أيام عن تطور المفاوضات بشأن إطلاق سراحنا، لكننا لم نره مرة أخرى لأشهر. وتوقف الحرس عن أخذ طاهر للطبيب المحلي لمعاينة متاعب الهضم والجلد التي يعاني منها.

وبدا من الواضح أن طاهر وأسد سيغيبان عن أهلهما خلال عيد الأضحى. وبدأت أنا وطاهر نتيجة للمعاملة السيئة في الإضراب عن الطعام في بداية ديسمبر (كانون الأول). في البداية أصيب الحراس بالذعر وطلبوا منا أن نأكل، لكننا رفضنا.

بعد يومين قال لنا الحراس إن عتيق الله اتصل بهم وأخبرهم أن الاتفاق بشأن إطلاق سراحهم على وشك الاكتمال. وقال إنه ينتظر موافقة من الرئيس الأفغاني، حميد كرزاي، الذي كان في رحلة خارجية. فقد أطلق سراح الرهينة الفرنسي الذي يعمل في الإغاثة، والذي شاهدت الفيديو الخاص به، وإنني سأكون التالي.

وخشية أن يغضب تعنتنا خاطفينا ويفشل الاتفاق، بدأنا في تناول الطعام مرة أخرى.

وبدلا من أن يطلقوا سراحنا عمد بدر الدين إلى نقلنا إلى منزل آخر كان أكبر من المنزل السابق لكنه كان أشبه بسجن، فقد كان عبارة عن حوائط من الخرسانة المسلحة التي يبلغ ارتفاعها 20 قدما، تحيط بساحة صغيرة قضيت أيامي أدور في حلقات داخله. وللمرة الأولى في حياتي بدأت أصلي عدة مرات في اليوم، ووجدت أن ذلك قد ثبتني كثيرا.

بدأنا بعد ذلك نعد وجباتنا بأنفسنا، وكان الطعام أكثر نظافة وطازجا، لكن طهونا الطعام بأنفسنا جعلنا نشعر بإحساس مقلق بطول مدة السجن.

زارنا بدر الدين أياما كثيرة بعد ذلك، وقال لنا إن المفاوضات مستمرة، لكنه كانا يزورنا على نحو متقطع كثيرا. وبدا يخبو أي إحساس باقتراب الإفراج عنا. وقبل أن نغادر أخبرني أن طالبان لن تقتلني.

وقال متوقعا أن ينال من ورائي ثروة طائلة: «إنك دجاجة ذهبية».

وطلبت منه أن يعدني بعدم قتل طاهر وأسد. فتحدث إلى مباشرة بإنجليزية رديئة قائلا إن طالبان قررت قتل أسد إذا لم يتم تلبية مطالبهم خلال أسبوع. وبعد مغادرته قررت أنا وطاهر أن لا نخبر أسد بهذا الأمر.

انتابني الذعر خلال اليومين التاليين، وقد حاولت التفكير في كيفية إنقاذ حياة سائقنا الشاب. ومنذ أن وصل ثلاثتنا إلى باكستان في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) كنت أقضي بضع ساعات يوميا للتحدث في السياسة والدين والنجاة مع طاهر لكنني كنت أتحدث بصعوبة مع أسد.

كنت أتحدث القليل من لهجة البشتو وكان هو يتحدث القليل من الإنجليزية، وقد دأبت على تقليد عندما كانت تصلنا الصحف، فقد كنت أعرض على أسد الصور، وكنت أشرح له ما تعنيه إياه. كان يضحك.. وشعرت بأنني وحش. كان أسد فقيرا، وأبًا لطفلين، وأنا كنت على وشك التسبب في قتله.

في اليوم الثالث من زيارة بدر الدين أخبرت أحد حراسنا أنني أرغب في تصوير شريط فيديو ـ أو أي شيء آخر يرغبون مني القيام به ـ لإنقاذ أسد. وفي اليوم التالي جاءني الحراس وأعلموني أن الأمر كان نوعا من سوء التفاهم، وأنه لا يوجد موعد نهائي لقتل أسد، ولم أكن أعلم الحقيقة لكني شعرت بارتياح كبير.

بعد عدة أيام جاءني بدر الدين لتسجيل شريط فيديو ووعدني بأنه سيذهب فقط لعائلاتنا لكن ما طلب منا قوله جعلني أعتقد أن الشريط سيذاع. وعندما صوب الجنود فوهات البنادق إلى رؤوسنا طلبت من الرئيس بوش والرئيس المنتخب، باراك أوباما، تلبية مطالب طالبان.

وقلت إذا لم تلبوا مطالب طالبان فسوف يقتلوننا، ثم قام طاهر وأسد بنفس التصريح، وغادر بدر الدين وقلت لنفسي إن عائلاتنا سيعلمون على الأقل أننا أحياء.

وبينما كانت تمر أيام ديسمبر بطيئة متثاقلة، كان التوتر يزيد في أرجاء المنزل شيئا فشيئا، فقام قارئ بتمزيق لوح الشيكا، وقام أسد وطاهر بدافع من الإحباط بتمزيق لوحي شيكا أيضا، وانتحى قارئ جانبا وبدأ في تلاوة القرآن، وبدا أنه غير مستقر، وبدأ ينتابني نوع من القلق بأن الموقف بدأ يخرج رويدا رويدا عن السيطرة.

قبل بضعة أيام من الكريسماس عاد عتيق الله. وتحدث إلي وجها لوجه من دون الوشاح الذي يخفي به وجهه، وقال إن لديه أخبارا جيدة، وإنه قد أتى لتحريري.

في البداية شعرت بفرح هائل، وكانت ثقتي في عتيق الله كبيرة، فقد كان قائد طالبان أكثر عقلانية واعتدالا يمكنه أن يحافظ علينا ويطلق سراحنا. غير أنه في أواخر الليل تحولت محادثة إلى تهديد.

قام الجيش الأميركي بحملة عسكرية لاعتقال أبي الطيب في الصباح الذي كنا سنجري معه فيه المقابلة، مشيرا إلى القائد الطالباني الذي نسافر للقائه عندما اختطفنا.

صدمت لدى سماعي الأخبار وأخبرت عتيق الله بأنني لم أعلم شيئا بشأن العملية العسكرية.

زعم عتيق الله أنني أرسلت رسالة نصية من هاتفي إلى السعودية قبل المقابلة لكي أنقل معلومة للقوات الأميركية بشأن موقع أبو الطيب. وأخبرته مرة أخرى أنني لا توجد لدي فكرة حول ما يقوله.

وأخيرا اتهمني بأنني وموظفي «التايمز» الآخرين جواسيس في أفغانستان. وقال إن رجاله يستعدون لشن هجمة انتحارية ضد مكتب الصحيفة في كابل، ويمكنه أن يبدأه بمكالمة واحدة. وأن رجاله على وشك القبض على كارلوتا غال، مديرة المكتب، لكنها كانت قد غادرت قبل قليل من وصولهم.

وقال، وهو يبدو مقتنعا بأن كل الصحافيين عملاء للاستخبارات: «ربما تكون قد تلقت تحذيرا».

في صباح اليوم التالي أصر عتيق الله على أن هناك اتفاقا، وقال إننا سيتم تبادلنا خلال بضعة أيام. ثم حاول المراوغة معي بعد ذلك وسألني عن الرحلة التي سأستقلها لدى عودتي إلى الولايات المتحدة وعدد كاميرات المراقبة الموجودة داخل المطار، وما الذي سأقوله لزوجتي وأبنائي عندما أراهم.

عن هذه النقطة بدأت تساورني الشكوك بشأن كل شيء قاله ثم تيقنت من أنه كان يكذب علينا منذ البداية. وخلال مناقشاتنا نحن الثلاثة عندما كان يغادر خاطفونا الغرفة همس لي طاهر وأسد بأن عتيق الله هو أبو الطيب، وأنهم كانوا يعلمون ذلك منذ أن اختطفوا لكنهم لم يجرؤوا على البوح بذلك. وأقسم أبو الطيب أن يقطع رؤوسهم إذا ما كشفوا هويته.

دعانا أبو الطيب لإجراء مقابلة ثم خاننا ثم تظاهر بعد ذلك بأنه قائد طالباني يدعى عتيق الله.

أصبت في حالة من الإحباط، وتأكدت قناعتي بشأن شيء واحد وهو أنه لا منقذ لنا من أيدي طالبان.

* في الحلقة القادمة: عالم المقاتلين الشباب