إيران: هجوم جديد على بلوشستان واتهامات لواشنطن.. ومطالب باجتماعات عاجلة مع الباكستانيين

مصدر أميركي مخففا من التوتر مع طهران: أوباما شارك بنفسه في الإعداد للمفاوضات السرية والعلنية من الإيرانيين

TT

بينما ما زالت إيران تحت تأثير الصدمة بعد الهجوم الانتحاري في إقليم سستان وبلوشستان الاحد الماضي والذي أدى إلى مقتل 42 شخصا، أعلنت وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء أن مسلحين قتلا بالرصاص شرطيين في جنوب شرقي إيران في ساعة متأخرة من ليل أول من أمس بعد يوم واحد من الهجوم الانتحاري في الإقليم ذاته. ونقلت وكالة «مهر» شبه الرسمية عن محمد عرب المسؤول في الشرطة المحلية قوله إن الشرطيين قتلا برصاص اثنين من المهاجمين في مدينة «إيرانشهر» في إقليم سستان وبلوشستان. ولم يتسن الحصول على مزيد من التفاصيل على الفور، كما لم يتضح ما إذا كان الحادث مرتبطا بالهجوم الانتحاري على قيادات الحرس الثوري. ويأتي ذلك فيما أعلنت إيران أن عدد قيادات الحرس الثوري الذين قتلوا في العملية الانتحارية في إقليم سستان وبلوشستان ارتفع إلى 15 عنصرا، مما يجعله الهجوم الأعنف الذي يتعرض له الحرس الثوري منذ أكثر من عقدين. وفيما اتهمت إيران كلا من أميركا وإسرائيل أمس بالوقوف وراء الهجوم، مطالبة باكستان بالتصدي لجماعة «جند الله» وإلا قامت إيران بعمليات داخل الحدود الباكستانية لتعقب عناصر الجماعة، اتخذت طهران موقفا مختلفا تماما حيال واشنطن خلال اجتماعات دول 5+1 في فيينا إذ أعلنت طهران أنها تريد أن تقوم أميركا وروسيا بالاتفاق معها على نقل نحو 1200 كيلوغرام من اليورانيوم الإيراني إلى الخارج لتخصيبه بدرجه أعلى وإعادته كوقود نووي كي تستخدمه طهران في مفاعلها للأبحاث في ناتانز، وجاء طلب إيران ضم أميركا كشريك في الاتفاق على حساب فرنسا التي أعلنت طهران «أنها لا تريدها كشريك أو كطرف في الاتفاق».

وحول الهجوم الانتحاري على إقليم سستان وبلوشستان، اتهم الجيش الإيراني أمس الولايات المتحدة وإسرائيل بالإرهاب والوقوف وراء العملية وذلك خلال الجنازة التي أقيمت أمس لقادة الحرس الثوري الذين قتلوا في أكثر الهجمات دموية في إيران منذ ثمانينيات القرن الماضي. وحملت حشود من المشيعين نعوشا مغطاة بالأعلام لنائب قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني الجنرال نور علي شوشتري وضباط آخرين قتلوا خلال تفجير شنه انتحاري في جنوب شرقي البلاد المضطرب.

وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن 15 من أفراد الحرس الثوري كانوا ضمن 42 شخصا قتلوا، بينهم ستة من كبار قيادات الحرس الثوري. كما قتل شيوخ قبائل ومدنيون آخرون. ونقلت وكالة «إرنا» عن الميغور جنرال حسن فيروز ابادي قائد القوات المسلحة قوله في رسالة قرئت خلال حفل تأبين قتلى الحرس الثوري «استشهاد القائد شوشتري أضاف صفحة سوداء إلى ملف الولايات المتحدة وإسرائيل الإرهابي».

وفيما قال حسين سلامي نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري الإيراني «سيلاحق الحرس الثوري الإيراني ويعاقب الإرهابيين الذين يقفون وراء هذا الهجوم وخصوم الأمة الإيرانية أيا كانوا وفي أي مكان كانوا»، قال وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي إن مرتكبي الهجوم يتمركزون في باكستان وشنوا هجمات عبر الحدود. وأضاف في مؤتمر صحافي، مشيرا إلى جماعة جند الله، أن «أعضاء في هذه الجماعة الإرهابية ينتهكون بانتظام الحدود ويشنون هجمات داخل إيران.. يجب قطع أيادي من يقفون وراء الجرائم في جنوب شرقي إيران». وتابع أن إيران وباكستان ستجريان محادثات حول كيفية حل القضية قائلا إنهما تتشاركان في «حدود صداقة». وأوضح متقي أن على إسلام آباد أن تلاحق وتسلم الضالعين في الهجوم فورا، مشيرا إلى أنه إذ لم تتحرك باكستان فإن «كل الخيارات مفتوحة» أمام طهران بما في ذلك أن تشن طهران بنفسها عمليات داخل الأراضي الباكستانية لملاحقة المتورطين في عناصر «جند الله». وأوضح الوزير الإيراني أن جماعة جند الله لديها «جذور خارجية» وتربطها علاقات بأجهزة استخبارات، والقوات الأجنبية في باكستان وأفغانستان، وذلك في إشارة ضمنية إلى أميركا. واعتقلت طهران أمس ثلاثة أشخاص يشتبه في أنهم شاركوا في العملية الانتحارية على ما نقلت وكالة أنباء فارس عن مسؤول قضائي أمس. وقال محمد مرضية المدعي العام في زاهدان، كبرى مدن ولاية سستان وبلوشستان إن السلطات ما زالت تسعى إلى القبض على «مرافق» للانتحاري. ونقلت وكالة فارس للأنباء عن مرضية قوله «لأسباب أمنية لن أكشف أسماءهم بالتفصيل لكن الإرهابيين إيرانيون، ومرافق الانتحاري لم يتم توقيفه بعد». وأوضح أنه تم توقيف ثلاثة أشخاص في إحدى مدن الولاية «ما زال التحقيق جاريا حيال العملية الانتحارية».

من ناحيته، قال إبراهيم حامدي رئيس الهيئة القضائية في الإقليم إنه جرى التعرف على هوية المهاجم الانتحاري وإنه من الإقليم. ونقلت وكالة فارس للأنباء عنه قوله «سيلقى القبض قريبا على العناصر التي تقف وراء الهجوم الإرهابي».

واعتبرت باكستان أن المسؤولين عن العملية الانتحارية يريدون «ضرب» العلاقات الباكستانية الإيرانية. وقال الناطق باسم الخارجية الباكستانية عبد الباسط لوكالة الصحافة الفرنسية «تحاول بعض القوى ضرب علاقاتنا مع إيران، لكن علاقاتنا قوية بما فيه الكفاية لصد تلك المؤامرات». كما أعلنت أنها اعتقلت نحو 600 أجنبي دخلوا أراضيها على الحدود في إيران، بدون أن تكشف تفاصيل أخرى.

وقالت مصادر إيرانية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الإيرانيين طلبوا من الباكستانيين عقد اجتماعات أمنية عاجلة لبحث قضية الأمن على الحدود بين البلدين. وقالت المصادر التي لا تريد الكشف عن هويتها بسبب حساسية الموضوع، إن وفدا أمنيا واستخباراتيا من الحرس الثوري سيتوجه إلى باكستان خلال الأيام القليلة المقبلة لبحث أمن الحدود مع المسؤولين الباكستانيين. فيما قال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري، إن إيران لديها وثائق تشير إلى صلات مباشرة بين جند الله وأجهزة استخبارات أميركية وبريطانية و«للأسف» باكستانية. ونقلت عنه وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء قوله «وراء هذا المشهد جهازا الاستخبارات الأميركي والبريطاني. يتعين اتخاذ إجراءات انتقامية لمعاقبتهما». ويقول عدد من المحللين إن جماعة جند الله ـ التي تحركها دوافع قومية للبلوش من جهة ودوافع تشدد إسلامي سني من جهة أخرى ـ كانت على صلة في السابق بحركة طالبان وجهاز الاستخبارات الباكستاني. ويقول معظم المحللين إنه ليس هناك دليل على ارتباط جند الله بتنظيم القاعدة، ولكنهم يشيرون إلى أنها ربما تحصل على المساعدة من متعاطفين آخرين.

وقال اللفتنانت جنرال هادي خان الذي شغل منصب نائب وزير الداخلية لشؤون الأمن في أفغانستان بين 2006 و2008 إن إيران نفسها ربما تكون ساعدت «جند الله» بدون قصد.

وقال خان لبرنامج «مراقبة الإرهاب» التابع لمؤسسة «جيمس تاون» الشهر الماضي، إن إيران في مرحلة ما ساعدت في تسليح قوات حركة طالبان التي تقاتل القوات الأميركية في أفغانستان المجاورة رغم الاختلاف الآيديولوجي بين طهران ومتشددي حركة طالبان، وأن بعض الأسلحة الإيرانية وقعت في نهاية الأمر في أيدي «جند الله».

وقال المسؤول الأفغاني السابق «عندما بدأ جند الله شن بعض الهجمات ضد قوات الأمن الإيرانية، أدركت إيران أن دعمها الخفي لحركة طالبان لم يكن في صالحها». واتهمت إيران مرارا في الأعوام الماضية إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بتمويل وتسليح ودعم جماعات معارضة ومتطرفة في إيران وعلى رأسها جماعة «جند الله». وكانت واشنطن وفي رسالة ضمنية لإيران مفادها أن سياسات إدارة أوباما ستكون مختلفة تماما عن سياسة بوش، قد قررت تفكيك «صندوق دعم الديمقراطية في إيران» والذي أسسته إدارة بوش في مسعى لتعزيز الضغوط على طهران. وأنشأت إدارة بوش الصندوق لتمويل جماعات المعارضة الإيرانية ومنظمات أهلية، إلا أن السلطات الإيرانية انتقدته بشدة على أساس أنه تدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية. وأبقت واشنطن الجهات التي تمولها مجهولة مما جعل الكثير من منظمات حقوق الإنسان داخل إيران تواجه اتهامات من الحكومة بأنها تتلقى تمويلا خارجيا.

ووقع الهجوم الانتحاري في بلوشستان قبل يوم من بدء مباحثات بين إيران ومسؤولين غربيين في فيينا، تهدف إلى تهدئة المخاوف بشأن طموحات إيران النووية. وفيما سادت المخاوف من أن يؤدي التصعيد الأمني داخل إيران إلى أزمة بين إيران وأميركا بسبب الشكوك الإيرانية في وقوف واشنطن وتل أبيب وراء الهجوم داخل إيران، استخدمت طهران أمس لهجة غير معتادة حيال واشنطن فيما يتعلق بمحادثتها النووية، إذ قالت طهران إنها تريد أن تتعاون مع واشنطن وموسكو لتنفيذ مقترح إرسال 1200 كيلوغرام من اليورانيوم الإيراني للخارج لتخصيبه بدرجة تسمح باستخدامه كوقود نووي. ومقابل قبول إيران لأميركا كشريك رفضت مشاركة فرنسا في تنفيذ الاتفاق مما أثار أمس توترا خلال اجتماعات فيينا. وقال مسؤول أميركي على علاقة بملف إيران لـ«الشرق الأوسط» إن واشنطن «لا تمانع» في المشاركة في تنفيذ الاتفاق، وإن الأمر سيخضع للنقاش من قبل دول 5+1. وقلل المسؤول الأميركي من أهمية التصعيد الحاد في اللهجة من جانب إيران ضد واشنطن على خلفية التفجير الانتحاري في بلوشستان موضحا: «مساعي الحوار متواصلة ولإيران مصلحة في الحوار المفتوح. واشنطن فتحت الباب وعلى طهران أن تتصرف بطريقة تشي برغبتها في التعاون»، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي دخل بثقله في مسألة الحوار مع طهران وشارك على الأقل 3 مرات في المناقشات بشأن مباحثات علنية وسرية مع الإيرانيين منذ تولى الرئاسة.

وبالإضافة إلى تفجير بلوشستان عادت إيران وطرحت أمس مجددا قضية اختفاء باحث نووي إيراني يعمل في إحدى الجامعات التي تتبع للحرس الثوري وهو شهرام أميري. ورفض وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي أمس الربط بين الحكم على العالم الأميركي الإيراني كيان تاجبخش بالسجن 12 عاما بتهمة التجسس وتهديد الأمن القومي الإيراني واعتقال 3 أميركيين آخرين بتهمة دخول الأراضي الإيرانية بشكل غير شرعي، وبين اختفاء أميري، إلا أن متقي اتهم واشنطن بلعب دور في اختفاء أميري، موضحا أن أميركا يجب أن تعطي معلومات حوله. وتابع أن شهرام أميري: «اختفى بخطة دبرتها واشنطن وساعد فيها مسؤولون بالسعودية». ويأتي ذلك فيما تظاهر المئات أمام السفارة السعودية في طهران احتجاجا على ماوصفوه بالتدخل السعودي في اليمن. وكانت مصادر إيرانية قد كشفت لـ«الشرق الأوسط» أن متقي أثار اختفاء أميري ونائب وزير الدفاع الإيراني على رضا أصغري بالإضافة إلى اعتقال مواطنين إيرانيين في جورجيا وبريطانيا مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، متهما أميركا بالتورط في اختفاء أميري وأصغري الذي اختفى في تركيا 2007 خلال رحلة عمل.