مسودّة اتفاق «التطبيع» بين إيران والغرب: 75% من اليورانيوم ينقل للخارج خلال شهرين.. والرد غدا

حل وسط لحفظ ماء وجه فرنسا يقضي بتعاقدها مع روسيا من الباطن * مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: موسكو هي المسؤول الأول.. والاتفاق لا ينص على وقف التخصيب

سفير إيران لدى وكالة الطاقة الذرية علي أصغر سلطانية خلال حديثه للصحافيين أمس (رويترز)
TT

في خطوة يمكن أن تفتح صفحة جديدة في العلاقات بين إيران والغرب وتطبّع العلاقات المتوترة بسبب عدم الثقة في نوايا البرنامج النووي الإيراني، أعلن مدير وكالة الطاقة الذرية، محمد البرادعي، أنه قدم لإيران وثلاث من القوى الكبرى (أميركا، وروسيا، وفرنسا) مسودّة اتفاق كي تقرها طهران، بحلول غد، للمساعدة على تهدئة مخاوف بشأن البرنامج النووي الإيراني تتضمن إرسال طهران 75% من مخزونها من اليورانيوم للخارج للمعالجة، على أن يعاد إليها للاستخدام كوقود نووي في مفاعلها للأبحاث.

وأعرب رئيس الوفد الإيراني، علي أصغر سلطانية عن رضاء إيران عن مسار المفاوضات ومسودة الاتفاق، قائلا: نحن نسير في الاتجاه الصحيح، إلا أنه رفض الإجابة على سؤال للصحافيين عما إذا كانت بلاده مستعدة فعلا لشحن معظم ما لديها من مخزون من اليورانيوم المخصب إلى الخارج لإخضاعه للمزيد من التخصيب. واكتفى سلطانية بالقول: «سنرد على سؤالك يوم الجمعة». غير انه أشار إلى أن إيران ستتمكن من الحصول على «الوقود» لتشغيل مفاعلها النووي للأبحاث، مضيفا أن الإيرانيين «يستطيعون إنتاج الوقود بأنفسهم لهذا المفاعل النووي». وتابع «لكننا قررنا أن نتلقى الوقود النووي من منتجين مستعدين لتصنيعه بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، وذلك في إشارة ضمنية لموافقة إيران على المقترح.

وقال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن مسودة الاتفاق تستجيب للكثير من المطالب الإيرانية، وعلى رأسها عدم طلب وقف التخصيب على الأراضي الإيرانية، موضحا أن روسيا هي المنفذ الرئيسي للاتفاق. وتابع: «دائما ما شددت إيران على أن وكالة الطاقة هي الجهة المسؤولة عن برنامج إيران النووي. الاتفاق يحقق ذلك لأن كل الأنشطة ستتم تحت مراقبة وكالة الطاقة الذرية، وروسيا هي الجهة التي ستنفذ الاتفاق».

ويقضي الاتفاق بأن ترسل إيران نحو ثلثي مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى روسيا لتخصيبه لدرجة أكبر. ويتم تحويل هذا اليورانيوم إلى قضبان وقود وإعادته لطهران لتعويض الكميات التي تنفد من مخزون الوقود لمفاعل «ناتانز» في طهران لصناعة النظائر المشعة التي تستخدم في علاج السرطان. وقالت إيران مرارا، في الآونة الأخيرة، إنها تحتاج إلى الوقود النووي بشكل عاجل لاستخدامه في مفاعل «ناتانز» لأن الوقود الذي كان لديها وتسلمته من الأرجنتين قد نفد.

وكانت محادثات فيينا، التي بدأت أول من أمس، قد شابها التوتر بسبب إصرار إيران على أن لا تكون فرنسا جزءا من الاتفاق. إلا أن البرادعي أكد، أمس، أن فرنسا كانت جزءا من مشروع الاتفاق. وقال المصدر الإيراني لـ«الشرق الأوسط» إنه، وفقا للمقترح، ستوقع روسيا اتفاقا مع إيران تقوم بموجبه بتخصيب اليورانيوم الذي تمتلكه طهران إلى مستويات أعلى، مشيرا إلى أن روسيا ستوقع بدورها اتفاقا مع فرنسا من الباطن لنقل اليورانيوم الإيراني لها لتحويله إلى وقود فعلي تستخدمه إيران في مفاعلها المتخصص في الأغراض الطبية في طهران. وقال دبلوماسيون غربيون، على دراية بالمحادثات، إن الأطراف بحثت ذلك الحل الوسط، الذي أعدته وكالة الطاقة الذرية، لحفظ ماء وجه فرنسا بعد إعلان إيران رفضها التام لمشاركة فرنسا في الاتفاق.

بدوره شدد سلطانية على أن إيران «ترى أن روسيا ستكون المسؤول الأول في الاتفاق». وقال إن «فرنسا أعلنت استعدادها» للمشاركة في العقد، مضيفا: «لكن من المؤكد، كما تلاحظون، أن الروس هم المسؤولون عن العقد كله». واتهم منوشهر متقي، وزير الخارجية الإيراني، ومسؤولون آخرون في طهران، باريس، أول من أمس، بالتراجع عن عقود لتوريد مواد نووية في الماضي، وقالوا إن من الضروري استبعاد فرنسا من أي اتفاق.

من ناحيته أعلن المفاوض الفرنسي، جاك أوديبير، أمس، أن مشروع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول تزويد إيران بالوقود النووي ينص على إخراج «نحو 1200 كلغ من اليورانيوم المخصب» من هذا البلد بحلول نهاية 2009، وهو اقتراح يناسب فرنسا.

وردا على سؤال عما إذا كان المشروع يشير إلى إخراج نحو 1200 كلغ من اليورانيوم المخصب من إيران، على أن يتم ذلك قبل نهاية العام، ومرة واحدة، أجاب جاك أوديبير: «نعم». وأضاف: «إن الكميات والمهل التي تناسبنا واردة» في هذا المشروع. ويقدر مخزون اليورانيوم المخصب الإيراني بنحو 1500 كلغ. وقال المسؤول الفرنسي أيضا إن المشروع «يناسب عموما الجميع، ويبقى أن نعرف ما إذا كان الإيرانيون سيوافقون عليه». وتابع أوديبير: «الآن تلقى الضغوط على الإيرانيين الذين لم يعلنوا قرارهم». وعلى عكس التصريحات الإيرانية الرافضة لمشاركة فرنسا، أكد أوديبير: «شاركنا في اجتماع فيينا برمته والشروط التي تريدها فرنسا مدرجة في وثيقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

وأوضح جاك أوديبير أن مفتشي وكالة الطاقة الذرية سيتوجهون أيضا إلى طهران خلال أيام لتفتيش منشأة «قم»، موضحا: «المسألة متكاملة». ومن المتوقع أن يزور مفتشو الوكالة موقع «قم» في 25 أكتوبر (تشرين الأول). وأكد المسؤول الفرنسي أن حل مسألة وقود مفاعل الأبحاث الإيراني «سيغير الجو قليلا، لكنه لن يحل المشكلة، لأن إيران تحتفظ بقدرة إنتاج 80 أو 100 كلغ (من الوقود) شهريا».

ويأمل الغرب أن تقلل خطوة إرسال جزء كبير من المخزون الإيراني من اليورانيوم منخفض التخصيب لتحويله إلى وقود لمفاعل النظائر المشعة الطبية من خطر تخصيب إيران لليورانيوم بدرجة نقاء أعلى تصلح لصنع قنابل. إلا أن موافقة إيران على الاتفاق لن تكون في حد ذاتها كافية لضمان التزام إيران وطمأنة المجتمع الدولي. وقال مسؤول أميركي قريب من الملف الإيراني لـ«الشرق الأوسط» إن واشنطن تريد أن توافق طهران على الاتفاق، إلا أنها تريد أيضا المضي قدما في بناء إجراءات الثقة. ولا يتضمن الاتفاق بين إيران والغرب أي ذكر لوقف التخصيب، وإذا واصلت طهران التخصيب فإنها يمكن أن تعوض كمية اليورانيوم التي سترسلها إلى الخارج وهى 1200 كليوغرام خلال عام واحد فقط، وهو ما يثير قلقا غربيا. وأوضح المسؤول الأميركي: «مراقبة وكالة الطاقة لمخزون إيران من اليورانيوم ومستويات التخصيب ستظل مسألة ملحة. ومسودة اتفاق فيينا جزء من الحل وليست كل الحل. هناك الكثير من الخطوات وما زلنا في البداية».

وقال البرادعي للصحافيين، أمس، في فيينا: «وزعت مسودة الاتفاق الذي يعكس من وجهة نظري نهجا متوازنا تجاه كيفية التحرك قدما. المهلة المحددة للأطراف حتى ترد بالإيجاب كما آمل أن تنتهي الجمعة». وتابع: «أتمنى أن نحصل على موافقة كل الأطراف يوم الجمعة». وفيما أعرب المفاوضون الإيرانيون في فيينا عن رضاهم عن مسودة الاتفاق، فقد أكدوا أن القرار النهائي بيد القادة في طهران.

وأشادت الولايات المتحدة أمس بمسودة الاتفاق، ورأت فيها «خطوة إيجابية جدا». وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية إيان كيلي إن نص الوكالة اعتبر «مقبولا من قبل فريقنا». وتابع «آمل أن نتمكن من إعلان موافقتنا عليها بحلول الجمعة». من ناحيته، قال المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس «أعتقد أنها ستكون مرحلة مهمة للإيرانيين لكي يثبتوا حقيقة نواياهم أمام المجتمع الدولي».

وكانت المحادثات بين إيران وأميركا وروسيا وفرنسا قد استؤنفت أمس بعد المزيد من التأخير بسبب تردد طهران في التصديق على الاتفاق المبدئي بسبب إعلان إيران أنها لن توافق على الحد من تخصيب اليورانيوم، وبسبب رغبتها في الاتفاق مع واشنطن وموسكو على تنفيذ الاتفاق واستثناء فرنسا بسبب ملاحظات إيران على عدم تنفيذ باريس سابقا اتفاقيات توصلت إليها مع طهران. وهى الملاحظات التي وترت المحادثات وشحنتها سياسيا إلى أن عقد ليلا لقاء منفرد بين دبلوماسيين إيرانيين وأميركيين لبحث الموضوع. وبدأ اجتماع أمس الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش، وتولى رئاسة الاجتماع البرادعي بعد المزيد من التأخير نظرا لإجراء الوفود الأميركية والفرنسية والروسية والإيرانية مشاورات فيما بينها. وقال الدبلوماسيون إن البرادعي أبلغ كل الأطراف خلف الأبواب المغلقة خلال اجتماع قصير، أول من أمس، أن مثل هذا «الاتفاق حيوي لإنهاء مشاعر الريبة». وكان رد فعل إيران إيجابيا، ولكنه مبهم، غير أنه كان من الواضح أنها لم تحسم رأيها بعد. وكان متقي قال، أول من أمس، إن إيران لا تنوي التخلي عن أنشطة تخصيب اليورانيوم، كما يطالب مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. وأضاف متقي: «ستواصل إيران تخصيب اليورانيوم. هذا لا يرتبط بشراء الوقود من الخارج».

وقال دبلوماسيون إن المسودة التي قدمها البرادعي تضمنت دعوة القوى الكبرى إيران لإرسال نحو 75% من مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب للخارج قبل نهاية العام الحالي لتحويله إلى وقود لمفاعل «ناتانز» في طهران ينتج نظائر مشعة تستخدم في أغراض طبية.

وسيحد هذا من الخطر الذي يراه الغرب في أن تستخدم إيران مخزونها المتزايد من اليورانيوم المنخفض التخصيب وتنقيه لدرجة أعلى لصنع قنابل نووية. ويساور الغرب القلق تجاه إيران، نتيجة السرية التي تحيط بها برنامجها النووي، والقيود التي تفرضها على عمليات التفتيش التي تقوم بها وكالة الطاقة الذرية.

وصرح مسؤول إيراني بارز لوكالة الطلبة الإيرانية للأنباء، أمس، بأن إيران سيكون لديها «أنباء سارة» تتعلق بإنجازاتها النووية خلال الأشهر المقبلة. وقال محمد قنادي، نائب مدير هيئة الطاقة الذرية الإيرانية: «في الأشهر المقبلة سيكون لدينا أنباء سارة لدولتنا تتعلق بإنجازاتنا النووية».

وأتاحت المحادثات التي ترأسها البرادعي أول فرصة للبناء على الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الأول من أكتوبر لتهدئة مواجهة طويلة بشأن مخاوف الغرب من أن يكون برنامج الطاقة النووية الإيراني، واجهة لجهود لصنع قنابل ذرية.