نتنياهو يتجنب توصية تقرير غولدستون بالتحقيق.. ويسعى لتغيير مواثيق جنيف بما يتيح مكافحة الإرهاب

القاضي الجنوب أفريقي يتهم إسرائيل بعرقلة مسيرة السلام

TT

في الوقت الذي تغلي فيه إسرائيل كالمرجل بسبب تقرير لجنة غولدستون، الذي يدينها بارتكاب جرائم حرب فظيعة خلال الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، أدان رئيس اللجنة المذكورة، القاضي اليهودي الجنوب أفريقي، ريتشارد غولدستون، في تصريحات جديدة، إسرائيل، على سياستها عموما تجاه الفلسطينيين، وقال إنها تعرقل عملية السلام في الشرق الأوسط.

وكان غولدستون يتكلم أمام مجموعة من رجال الدين اليهود الأميركيين، الذين رغبوا في عقد لقاء هادئ معه بوصفه يهوديا معروفا بمساهماته الكبيرة في خدمة إسرائيل، والتباحث معه في إمكانيات تخفيف الهجوم العالمي على السياسة الإسرائيلية، الذي قد يجر في أعقابه عداء لليهود في العالم. وخلال اللقاء ذكر أكثر من حاخام منهم أن تقريره يمس عملية السلام، فقال ردا على ذلك: «تتحدثون عن عملية سلام؟.. أين هي هذه العملية؟.. وزير الخارجية الإسرائيلي عبر بشكل واضح عن رفض إسرائيل لهذا السلام وقال إنه ليس واقعيا. فلماذا تضعون التهمة على تقرير لجنتنا المهني والموضوعي؟».

وقال غولدستون إن إسرائيل تستطيع دفن تقريره بشكل شرعي وتنتهي من الآثار السلبية لتقريره، إذا ما قبلت التوصية التي يخرج بها، وهي إقامة لجنة تحقيق نزيهة من الجهاز القضائي الإسرائيلي، للتحقيق في الاتهامات الواردة في التقرير. واعتبر أي تصرف آخر بمثابة تهرب.

وجاءت تصريحات غولدستون هذه متزامنة مع إعلان التوجه الرسمي للحكومة الإسرائيلية، القاضي برفض التوصية بإقامة لجنة تحقيق. فقد رفض الطاقم الوزاري المصغر، الذي يقدم الحكومة في قضايا الأمن والسياسة الكبرى، مناقشة التقرير، ووافق على توصية القيادات العسكرية والأمنية، التي قالت إن إجراء البحث في هذا الوقت يعتبر رضوخا للضغوط الدولية، وقد يفضي إلى قرارات متسرعة تمس الحصانة القومية لإسرائيل وتمس الجيش الإسرائيلي.

ورأى المراقبون أن تأجيل البحث في الطاقم، هو بمثابة مسمار أول في نعش لجنة التحقيق الإسرائيلية قبل أن ترى النور، ويعني أن الحكومة لن تشكل لجنة تحقيق ولا حتى لجنة فحص.

وعرض قادة المخابرات في الجيش الإسرائيلي على الحكومة اقتراحا لأن تبادر إلى حملة دولية لتغيير قوانين الحرب والمواثيق الدولية التي تحدها (خصوصا مواثيق جنيف من عام 1949)، بحيث تشتمل على بنود جديدة تتعلق بالتطورات العسكرية غير المحسوبة في العالم وفي مقدمتها انتشار الإرهاب الدولي. ووافق رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على الاقتراح، وتبناه وراح ينسج من حوله آيديولوجية كاملة.

وقال نتنياهو، وفقا لبيان صادر عن مكتبه، إن «هناك 50 تنظيما إرهابيا في العالم، تعمل على نشر الرعب وزعزعة الأمن في مختلف دول العالم، وخصوصا دول الحضارة الغربية. لا يهمهم أن يقتل أطفال ونساء وأناس أبرياء. يقتلون حتى أبناء شعوبهم. وينشرون الكراهية. ويدمرون الاقتصاد. ويتسببون في تحويل الحياة الهادئة والآمنة للناس إلى جحيم. وفي الوقت الذي تسعى فيه البشرية إلى تحقيق تعايش بين الأديان، يحاولون العودة إلى الوراء وإثارة الفتن وتحويل الصراعات القابلة إلى الحلول والتسويات، إلى صراعات دينية تعمق الشقاق وتثير الحروب. وبدلا من حرمان هذه التنظيمات من الشرعية وتجميع القوى لمحاربتها، جاء تقرير غولدستون ليساوي بينها وبين الدولة التي تحارب الإرهاب وتحاول كف يده وصواريخه عن شعبها».

ولذلك، يرى نتنياهو أن هناك ضرورة لتعديل مواثيق جنيف «التي وضعت قبل 60 عاما، في وقت لم يكن فيه تحد للبشرية مثل تحدي الإرهاب».

ويبدو أن الجيش الإسرائيلي وغيره من القوى الأمنية، نجحوا في التأثير على السياسيين والرأي العام، فخفتت أصوات الذين يؤيدون تشكيل لجنة تحقيق في الاتهامات حول العدوان على غزة، باستثناء حزب ميرتس اليساري، الذي خرج أمينه العام موسي راز، ببيان يقول فيه إن إسرائيل وحماس ارتكبتا جرائم حرب. وطالب بإقامة لجنة تحقيق رسمية.

وتراجع وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، عن موقفه المؤيد لإقامة اللجنة. وقال لدى استقباله مسؤول ملف الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، خافيير سولانا، إن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن)، أثبت في هذه القضية أنه لا يريد السلام ولا يهمه سوى إدانة إسرائيل. ووصف أبو مازن بالرجل المراوغ. وقال إنه حاول في البداية الظهور معتدلا فوافق على تأجيل البحث في التقرير، ولكنه تراجع مع أول انتقاد سمعه من حركة حماس وظهر على حقيقته معاديا للسلام مع إسرائيل.

غير أن نائب رئيس الوزراء، دان مريدور، يرى ضرورة في إجراء التحقيق الداخلي في نشاطات الجيش في غزة خلال الحرب. وقال لصحيفة «هآرتس»: «لدي ثقة في الجيش ومن واجبي ومهامي أن أحميه بجنوده وقادته.. والأداة الفعالة، لذلك هي في إجراء تحقيق داخلي جدي». وتابع القول: «إن دولة تراجع النفس تحمي نفسها، من أي إحراج. والآن ومع تطور القانون الدولي فإن أفضل وسائل الدفاع يكمن في أن تقوم الدولة بالتحقيق الداخلي».