تشكيل الحكومة اللبنانية بين التشاؤم والتفاؤل.. والقنابل الدخانية

نائب في كتلة عون: لم يصدر عن الحريري ما يثير القلق * مصادر الأكثرية النيابية: مسألة الحكومة متجهة إلى الحل

TT

عادت أجواء التكتم تسود فريق رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بعد المواقف الصادرة عن رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون أول من أمس، والتي أشَّرت إلى معطيات غير إيجابية يمكن أن تعيد خلط الأوراق وتنسف الصيغ الإيجابية التي صدرت عن مختلف الأطراف السياسية في لبنان بشأن احتمال تأليف الحكومة في غضون أيام. إلا أن مصادر مطلعة في فريق الأكثرية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «مسألة الحكومة متجهة إلى الحل. وما يسمع من تصريحات تصعد وتهبط ليست أكثر من مساع لتحسين الشروط. فلا بديل عن تأليف الحكومة لمواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان والتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يجب أن تواجهها الدولة اللبنانية. ولا بديل عن سعد الحريري رئيسا للحكومة. ولا بديل عن التوافق الداخلي، كذلك لا بديل عن التوافق العربي ـ العربي ولا تراجع عنه. وأيضا لا يمكن أن نتجاهل التوافق الإقليمي بشأن المحافظة على الاستقرار في لبنان». وتضيف المصادر أن «كل ما يثار هو أشبه بإلقاء قنابل دخانية لتغطية عمليات الكر والفر، ليبقى الهدف منها إعادة خلط الأوراق في محاولة لتحسين ظروف التفاوض. وكل ذلك تحت سقف الإيجابية». كما تؤكد أن «عون هز الطاولة لكنه لم يقلبها، لأن إمكانات قلبها غير متوفرة لأي طرف من الأطراف اللبنانية. ولا أحد يستطيع تحمل تبعات العودة إلى المربع الأول، لأن ذلك سيرتب مسؤوليات تؤدي إلى انهيار التسوية كلها في البلد». واعتبر النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» سيمون أبي رميا أن ما قاله عون كان هدفه تصويب المواقف الصادرة عن نواب قريبين من الحريري والتي تضلل الرأي العام. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «عون رفض في اللقاء الأخير الذي جمعه مع الحريري التخلي عن وزارتي الطاقة والاتصالات، وبالتالي لم يتم الاتفاق بين الرجلين على أن يحصل التكتل على أربع حقائب وزارية إضافة إلى وزارة دولة». وأضاف: «عندئذ اقترح الحريري أن يقوم بجولة مشاورات مع الكتل النيابية على أن يقدم اقتراحا جديدا إلى عون في نهاية المطاف. إلا أن تصريحات نواب كتلة المستقبل تسارعت وتكثفت وبشرت بقرب تأليف الحكومة بعد تنازل عون عن وزارة الاتصالات وبعد الضغط السوري عليه لتسهيل الخروج من المأزق الحكومي. وهذا الأمر غير دقيق وغير صحيح وقد بدا كأن هناك خدعة من فريق الأكثرية لتحميلنا مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة أو سوء فهم للقاءات التي جمعت عون والحريري. لذا جاء كلام عون في مؤتمره الصحافي أول من أمس ليوضح هذه الملابسات».

ونفى أبي رميا أن «تكون الأمور عادت إلى نقطة الصفر بين عون والحريري». وقال: «الأمور لا تزال عند اللقاء الأخير الذي جمع الرجلين. وعون ينتظر ما سيطرحه الحريري عليه. وسنواصل المفاوضات». كذلك نفى أن «يكون عون قد سمع من الحريري ما يثير القلق». وقال: «المؤتمر الصحافي جاء ردا على ما تداوله عدد من نواب كتلة المستقبل، مما أوحى بأن هناك نوعا من توزيع الأدوار أو أن هناك اعتقادا خاطئا وحكما مسبقا على النوايا. لذا كان يجب أن يُطلع عون الرأي العام على حقيقة الوضع المتعلق بتأليف الحكومة». وأشار إلى أن «كلام عون لم يناقض إعلان قريبين من النائب سليمان فرنجية أنه يقبل بوزارة دولة لتسهيل تأليف الحكومة. ولكن تزامن التصريحين من دون أي أهداف مبيتة». وأكد أن «الأمور لم تعد إلى نقطة الصفر. فنحن لا نزال متفائلين لأن الحريري أعطانا أجواء تدل على تفهمه مطالبنا». وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان قد باشر أمس نشاطه بعد عودته من إسبانيا، واطلع على المراحل التي بلغتها المشاورات الجارية بهدف تأليف الحكومة. واجتمع مع رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط، الذي أطلعه على أجواء الاتصالات التي يجريها مع عدد من الأفرقاء السياسيين لتذليل بعض العقبات أمام تأليف الحكومة الجديدة. من جهة ثانية، اجتمع الحريري مع السفير الإيراني لدى لبنان محمد رضا شيباني الذي زاره مودعا لمناسبة انتهاء مهمته الدبلوماسية في لبنان. وبعد الاجتماع، قال شيباني إنه «تمنى للحريري، ومن خلال صبره واستمراره في الجهود الدؤوبة التي يبذلها، أن يوفق في نهاية المطاف بتشكيل حكومة وحدة وطنية لبنانية، ونأمل أن ينجز هذا الأمر في أسرع وقت». إلا أن رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع أسف للموقف الذي اتخذه عون «لا سيما أنه لم تكن هذه الأجواء السائدة في اللقاءات السابقة بينه وبين الرئيس المكلّف، إن من خلال تصريحات عون أو من مصادره». وأشار إلى «عدم تمسك القوات بأي حقيبة وزارية باعتبار أنّ هذه ليست الطريقة التي تتشكل من خلالها الحكومة». وأشار إلى أن «من حق كل كتلة نيابية المطالبة بأي حقيبة لا يعني أن تصبح هذه الحقيبة ملكا لها أو لأي تكتل معيّن». وكشف جعجع عن اجتماع كان مرتقبا أمس (الخميس) بين عون والحريري لولا المؤتمر الصحافي لرئيس تكتل التغيير والإصلاح، «الذي كان بإمكانه طرح ما يريد في غرفة مغلقة هو والرئيس المكلّف». وتمنّى في المقابل «ألا يخضع رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف للابتزاز حتى لا تُصبح عادة، فالأمور لا تتم بهذا الشكل، خصوصا أنه مرّ أربعة أشهر دون حكومة». وعن الأسباب التي دفعت عون إلى رفع سقف مطالبه ووضع العصيّ في الدواليب مجددا، ربط جعجع هذا الأمر بتحليلين: «إما أن هناك طرفا كبيرا يرى أنّه لم يحن الوقت لتشكيل حكومة لبنان ـ وعسى ألا يكون ذلك صحيحا، وإما أن عون يرفع السقف في اللحظة الأخيرة بغية تحسين شروطه».

في غضون ذلك، نقل النائب بطرس حرب عن البطريرك الماروني نصر الله صفير قلقه على مستقبل لبنان في ظل الجو المتوتر والروح السلبية السائدة التي لن تدفع إلى تشكيل حكومة. واعتبر حرب أن كلام عون جاء ليقلب الأجواء من تفاؤلية إلى تشاؤمية. وقال: «لا مجال لتشكيل الحكومة إذا استمرت سياسة تفضيل الحسابات الشخصية على المصلحة العامة». ولفت إلى أن «السياسة ليست نكايات والوزير يجب أن يكون لجميع اللبنانيين». وأمل أن «يكون موقف عون مجرد فورة وأن نسمع قريبا كلاما عاقلا».

أما رئيس حزب الوطنيين الأحرار النائب دوري شمعون فقال إنه لم يكن يوما من المتفائلين حيال الوضع الحكومي، وأشار إلى «مخطط لإبقاء العملية عالقة ولبنان من دون حكومة». وقال: «إنهم يعتمدون على النائب ميشال عون ليكون المنفذ الأول لهذا المخطط وتفشيل الوضع اللبناني». وأيد «حكومة أكثرية إذا اقتضت الضرورة لتحمل المسؤولية تجاه الشعب ولبناء الدولة». وأكد أن «قوى الرابع عشر من آذار تؤيد تقارب الحريري مع جميع الأطراف»، إلا أنه أوضح أن «التقارب لا يعني الاستسلام». واعتبر رئيس الحكومة السابق سليم الحص أن «ما يقال عن العودة في مشاورات تأليف الحكومة إلى نقطة الصفر لأسباب خارجية مثير للعار». ودعا النواب، من دون أن يسمي أحدا، إلى تحمل مسؤولياتهم. وقال: «مصير البلد أضحى في الميزان، ولم يعد ثمة متسع لأهوائهم المجيدة». واعتبر أن تأخر الحريري في اتخاذ القرار «يدفع البلد خطوة جديدة نحو الهاوية».