بعد الإرهاب.. أجهزة الأمن العراقية أمام تحدي تطهير صفوفها من الفاسدين والمجرمين

الأحزاب لها تأثير قوي على القوات الأمنية.. وتركيزها الآن على خصومها من الطائفة نفسها

TT

بعدما ساهموا في الحد من عمليات المتمردين، والقتال الطائفي الذي كان محتدما هناك، تواجه قوات الأمن حاليا في بغداد تحديا لا يقل عن تلك التحديات صعوبة: رجالها. فقد أجبرت سلسلة جرائم الفساد التي تفشت مؤخرا بين كبار المسؤولين والتي اشتملت على سرقات عنيفة وفجة لمحلات المجوهرات في بغداد ـ يعتقد بتواطؤ رجال الشرطة فيها ـ المسؤولين في وزارة الداخلية على التصدي للفساد داخل صفوف قوات الأمن التي يصل عددها إلى 663 ألف.

ومن جهتهم، أشار المسؤولون إلى وجود بعض الحالات التي عمل فيها المسؤولون والقوات بناء على أوامر من قادتهم السياسيين، بالإضافة إلى بعض الحالات التي تورطت فيها قوات الأمن في عدد من الجرائم بدءا من السرقات الصغيرة عند نقاط التفتيش وصولا إلى عمليات الخطف والقتل. وجدير بالذكر أن عمليات الفساد بين صفوف قوات الأمن ليست جديدة ولكنها أصبحت أكثر وضوحا في ظل انخفاض حدة الصراع الطائفي الذي كان يدمر بغداد وأجزاء أخرى من البلاد. وكان الجنرال حسين كمال المسؤول بوزارة الداخلية عن الاستخبارات صريحا في اعترافه بالمشكلة حيث قال في حوار أجري معه: «هناك حاجة إلى إعادة تنظيم وتطهير القوات الأمنية والقوات المسلحة من المتطرفين والمجرمين». مضيفا: «نحتاج إلى عشر سنوات كي نصل إلى المستوى المهني الذي كنا نتطلع إليه».

وبغض النظر عن العواقب الأمنية في بغداد وباقي أنحاء العراق، تعد القوات الأمنية عنصرا رئيسيا في خطط الولايات المتحدة لسحب قواتها المقاتلة بحلول شهر أغسطس (آب) المقبل. وكانت القوات العراقية قد تلقت مليارات من الدولارات الأميركية سواء من خلال التدريب أو المعدات من الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، يقول المسؤولون الأميركيون إن الجيش العراقي نجح في تحقيق إنجازات كبرى. ولكن المشكلة هي أن زيادة عدد قوات الشرطة ـ الذين يتذمرون دائما من إساءة معاملة الناس لهم ـ يعد دليلا على كراهية المواطنين لهم.

ويقول كمال إنه قام بتسريح 60 ألف شخص خلال العام الجاري من وزارة الداخلية بعدما اكتشف أن لديهم سجلا جنائيا، كما أنه طرد 15 ألفا العام الماضي. ومن جهة أخرى، أحال المسؤولون العسكريون الأميركيون الأسئلة المتعلقة بصرف المجندين إلى نظرائهم العراقيين.

وخلال الصيف الفائت، قال مسؤول بارز إن وزارة الداخلية أجبرت على تجنيد 1500 مجند في قوات الشرطة كانت الأحزاب السياسية العراقية قد رشحتهم. ولم يكن أي منهم مؤهلا: «فهم ذهبوا هناك لكي يعملوا على تنفيذ الأجندات السياسية لأحزابهم».

وقال مسؤول سابق بوزارة الدفاع تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته مثل عدد آخر من المسؤولين خوفا من أن تعرضهم تلك التصريحات للخطر: «إن قوات الشرطة هي الأكثر فسادا». وأضاف المسؤول أن الأحزاب السياسية ما زال لها تأثير قوي على القوات الأمنية ولكن هذه الأيام كانت أجنداتهم السياسية تبدو أقل طائفية وأكثر تركيزا على خصومهم الذين كانوا في العديد من الأحيان من نفس الطائفة. ويضيف «أمامنا خياران: فساد جديد أو جهود عظيمة للتخلص من الفساد». وأضاف أنه لا يبدو أن أيا من هذين الخيارين مطروح.

ويحذر المشرعون من تفاقم المشكلة في ظل الانتخابات البرلمانية التي من المقرر إجراؤها في يناير (كانون الثاني). كما أعرب البعض الآخر عن مخاوفهم من استعانة الأحزاب السياسية بأتباعها في القوات الأمنية كوسيلة للضغط على خصومهم. ويقول المواطنون إن حدة العنف السياسي تزايدت مؤخرا في مقاطعة الأنبار خاصة في مدينة الفلوجة.

كما يعد حادث السطو على محال للمجوهرات والحلي الأسبوع الماضي، الذي أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة تسعة آخرين، أحد أسوأ حوادث السطو المسلح على امتداد الشهور الأخيرة في العاصمة. فقد دخل 12 رجلا يرتدون قمصانا بيضاء وسراويل داكنة إلى ضاحية شولا الشيعية، الواقعة شمال غرب بغداد، داخل حافلتين صغيرتين زرقاوين. كانت المجموعة مدججة بأسلحة مزودة بكاتم للصوت، وقاموا بإطلاق النار على صاحب محل مجوهرات يدعى أحمد السعدي، في أعقاب وضعه مجموعة من السلاسل والأساور والخواتم والأقراط الذهبية في نافذة العرض. وذكر محمد سلمان، أحد جيران السعدي، في مقابلة أجريت معه أنه عندما توجه لمتجر السعدي للتعرف على ما يجري، تعرض لإطلاق النار عليه، لكن المسلحين أخطأوا هدفهم. وقبل انتهاء حصارهم، كان اللصوص قد قتلوا سبعة آخرين، بينهم سيدة وطفلها الرضيع. لم يتعرف أي من سكان الحي على منفذي الهجوم، الذين لم يحاولوا من جانبهم إخفاء وجوههم. ومع ذلك، فإن تقريبا كل من أجرينا معهم مقابلات أشاروا بأصابع الاتهام نحو نقطة تفتيش قريبة على بعد بضعة أقدام من السوق. وأكد سكان الحي أنه من المستحيل على المهاجمين المدججين بالأسلحة المرور عبر نقطة التفتيش من دون التعرض لعوائق، بالنظر إلى أن السيارات التي تدخل وتخرج من الحي عادة ما تخضع للتفتيش. في هذا الصدد، قال محمود الحلفي، أحد سكان الحي: «في بعض الأحيان، كنت أقضي ساعتين عند نقطة التفتيش تلك، رغم معرفة رجال الشرطة بي وبسيارتي. إنهم يلقون القبض على الناس لمجرد شعورهم بالرغبة في ذلك، ويتورطون في أعمال قتل وسرقة. إنهم جميعا مجرمون». وقال كمال إن القوات الأمنية ألقت القبض على ستة من رجال الشرطة وضابط أمني آخر يتولون الحراسة في نقطة التفتيش للاشتباه في تورطهم في عمليات السرقة. وأضاف: «ما زلنا نحاول تحديد الصلة بينهم وبين المجرمين». وأثار الحادث في الأذهان آخر وقع في يوليو (تموز)، عندما قام رجال شرطة والحرس الشخصي لنائب رئيس الجمهوري عادل عبد المهدي بسرقة 4.3 مليون دولار على الأقل من أحد المصارف في بغداد، بعد أن قتلوا ثمانية حراس. ومنذ ذلك الحين، ألقي القبض على بعض الجناة وأدينوا، كما أعيدت بعض الأموال، لكن اثنين على الأقل لا يزالان طليقين. ويعتقد المسؤولون الأمنيون أنهما ربما غادرا البلاد. من ناحية أخرى، يقول مسؤولون عسكريون أميركيون إن تلك الجرائم ربما تشكل حوادث متفرقة. لكن مسؤولي وزارة الداخلية العراقية تحدثوا بصراحة عن حجم المشكلة، حيث أشار أحدهم إلى أنه صدرت تعليمات إلى وحدتين بقصر تركيزهما على التصدي للفساد. وقال: «أمامهما الكثير والكثير والكثير من القضايا للتعامل معها». وعلق عباس البياتي، المشرع وعضو لجنة الشؤون الأمنية والدفاعية بالبرلمان، بقوله: «لم نمعن النظر إلى خلفياتهم الشخصية عندما قمنا بتجنيدهم. كنا نبحث عن أي شخص بإمكانه استخدام سلاح».

* خدمة: «واشنطن بوست»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»