إسرائيل ترصد خطوات وزير القدس السابق بالأمتار.. وتهدد بترحيله عنها

حياته تعكس معاناة غالبية المقدسيين

TT

يرصد الإسرائيليون خطوات حاتم عبد القادر المسؤول الأبرز في القدس، ووزيرها السابق، بالأمتار وتعد عليه الأنفاس، وفي كل مرة يستدعونه للتحقيق، يخبرونه بأنه يتحرك كثيرا، ويشكل خطرا على السيادة الإسرائيلية، وحتى يتخلصوا من شره، أخبروه بأنه ممنوع من الاقتراب من محيط البلدة القديمة في القدس، لمسافة 150 مترا، وإلا سيعتقل. وخلال الأسبوعين الأخيرين، اعتقلت إسرائيل عبد القادر حسب ما قاله لـ«الشرق الأوسط»، 4 مرات، وأحيانا تواصل التحقيق معه 12 ساعة بتهمة، «المس بسيادة إسرائيل في القدس».

وحياة عبد القادر تختصر لحد كبير معاناة المقدسيين في مدينة يشتد فيها الصراع القومي والديني والديموغرافي في كل متر مربع. ومنذ شهور سرعت إسرائيل من نشاطها الاستيطاني في المدينة، ولديها خطط أخرى قيد التنفيذ، أما المستوطنون فوضعوا اليد على منازل عربية، وذهبوا في جماعات لاقتحام المسجد الأقصى، وبموازاة كل ذلك عزل الجدار الفاصل عشرات آلاف المقدسيين عن محيطهم، وسلبت القوانين الجديدة حقوق آلاف في البقاء في مدينتهم. ويخضع عبد القادر، لمراقبة شديدة، وفوق كل ذلك هو مهدد بالترحيل إلى الضفة الغربية، بعد أن يجردوه من هويته المقدسية.

وقبل يومين رفض عبد القادر استدعاء من جهاز المخابرات «الشاباك»، لاستكمال التحقيق، حول سفره للأردن لأربع ساعات. وقال عبد القادر «زهقت منهم». وكان التحقيق منصبا عن سبب غيابه لأربع ساعات فقط، وكيف قضاها وأين. ولأن عبد القادر رفض الرد على أسئلة المحققين مكتفيا بالقول «إن شالله بسافر لساعة واحدة.. شو بدكوا يعني أغيب اربع شهور»، سلموه مذكرة للمراجعة لكنه قال لـ«الشرق الأوسط» «أنا سافرت في مهمة شبه رسمية تتعلق بالقدس والأقصى». كان عبد القادر يحمل أثناء عودته حقيبة صغيرة، فظن الإسرائيليون أنه يهرب أموالا، وقال «اعتقدوا أن معي أموالا ففتشوا الحقيبة، فقلت لهم ساخرا: الأموال إحنا بندخلها في الأنفاق بس».

وضيقت إسرائيل على عبد القادر منذ أحداث الأقصى الأخيرة، وكان من بين الذين اعتقلوا ومنعوا من دخول البلدة القديمة إثر مواجهات بين مرابطين في الأقصى وخارجه، ومتطرفين يهود والشرطة الإسرائيلية، بعد محاولات المتطرفين اقتحام المسجد. واتُهم عبد القادر، آنذاك، بالتحريض، وقالت له قاضية محكمة الصلح في القدس، «لا تقترب من محيط البلدة القديمة أكثر من 150 مترا.. إذا وقفت على بعد 149 ستعتقل»، ورد عبد القادر بسخريته المعهودة، «طيب كيف بدي أقيس 150 مترا؟ يعني أحمل مترا وامشي.. افرضي إنه تم توقيفي في منطقة أنا بفكرها 150 وأنتوا قلتوا إنها 149، شو الحل؟.. فردت علي.. بسيطة، الشرطة بتعلم وين كنت واقف وبتجيب (كروكا) (متر قياس المسافات يستخدم في حوادث السير) وبنشوف». وقال عبد القادر «ضحكت واستطردت قائلا بدكوا تتعاملوا معي كأني حادث سير.. فقالت القاضية: اليوم في تكنولوجيا، احمل (جي بي إس)، عشان تعرف وين أنت».

ويتضح من حكاية إسرائيل وعبد القادر أن منسوب القلق لدى إسرائيل من المس بسيادتها، يرتفع شيئا فشيئا، وقال عبد القادر إن كثيرا من التحقيقات معه تركزت حول علاقته بالشيخ رائد صلاح، مسؤول الحركة الإسلامية في إسرائيل، وعلاقة فتح بهذه الحركة.

كان المحققون يستغربون من شكل هذه العلاقة، ويقولون لعبد القادر إنهم لا يفهمون جوهر علاقته بصلاح، ويذكرونه بأن فتح على خلاف مع حماس، ويسألون «فكيف تنسقون مع الحركة الإسلامية؟». ويرد عليهم عبد القادر «خلافنا مع حماس سينتهي قريبا إن شاء الله، لكن علاقتنا مع الحركة الإسلامية قوية، نحن أقوى حركتين ولدينا تنسيق عال ومن حقنا أن نتعاون».

وانتهت التحقيقات الأخيرة مع عبد القادر باستصدار قرار بمراقبة جميع هواتفه، وتركت القاضية للمخابرات حرية مراقبته الشخصية على مدار 24 ساعة. وقال «لا يكفي الاستيطان والحواجز وهدم البيوت وتهويد المدينة، إنهم يريدون تحديد مسارنا بالأمتار». ويهزأ عبد القادر من طريقة تعامل الأمن الإسرائيلي معه «إنهم ينظرون إلي بخطورة أكبر من الواقع، أنا نشيط صحيح، لكنهم يتعاملون معي كملف أمني كبير يمس بسيادة إسرائيل.. وأنا أبلغتهم أنه لا يوجد سيادة لكم أصلا حتى أمسها، أنتم سلطة محتلة».

وبدا عبد القادر قلقا فعلا من التهديد بسحب هويته، إذ نفذت إسرائيل آلاف التهديدات السابقة بتهم مختلفة، استنادا إلى قانون «مركز الحياة» الذي يجيز سحب هوية أي مقدسي يغادر القدس لفترة تزيد عن عدة شهور أو يثبت أن لديه عقارا أو عملا خارج المدينة. وقال عبد القادر «هذا مقلق، إذا راكموا بعض الملفات يمكن للمخابرات أن تقنع المحكمة بسحب هويتي، لأن الجهاز القضائي في إسرائيل يخضع أحيانا للسطوة الأمنية».