إيران تقدم عرضا «مضادا» للغرب وتطلب وقودا نوويا ورفع العقوبات

البرادعي: نجاد يريد تطبيعا شاملا لا جزئيا مع الغرب.. وأوباما اتصل بي بنفسه للمتابعة * صعوبات أمام الرئيس الإيراني لإقناع المحافظين المتشددين بالصفقة النووية

محمد البرادعي (إ.ب.أ)
TT

تركت إيران كلا من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا ووكالة الطاقة الذرية أمس في حالة من الالتباس، بعدما أخرت طهران إعلان موقفها من مسودة الاتفاق الذي أعدته وكالة الطاقة الذرية والذي يتضمن إخراج إيران لنحو 1200 كيلوغرام من اليورانيوم لديها وتخصيبه لدرجة أعلى في روسيا، على أن يعود إليها جاهزا للاستخدام كوقود نووي لتشغيل مفاعل «ناتانز» للأبحاث. وجاء تأخر إيران في الرد على الاقتراح، مترافقا مع إعلان مسؤول إيراني في طهران أن بلاده هي التي تنتظر «الرد الغربي» على مقترحات إيرانية جوهرها شراء إيران للوقود النووي لمفاعلها للأبحاث واحتفاظها بمخزون اليورانيوم لديها ورفع العقوبات لإثبات أن الغرب يفتح صفحة جديدة معها. وأثار الرفض الإيراني الضمني لمقترح وكالة الطاقة ارسال ثلثي اليورانيوم الإيراني للخارج وتأجيل الرد الرسمي للاسبوع المقبل، وطرح طهران لمقترح جديد «لا يلبي أيا من المطالب الغربية ويقدم الأمور من وجهة نظر إيرانية»، بحسب ما قال دبلوماسي غربي في فيينا لـ«الشرق الأوسط»، اثار حالة من الاستياء وسط الدبلوماسيين الغربيين المتابعين للملف الإيراني.

وبدأ يوم أمس، وهو موعد المهلة النهائية المحددة للأطراف المعنية لإعلان وجهة نظرها من الاقتراح، بإعلان روسيا موافقتها على الاقتراح، ثم أعلنت الولايات المتحدة موافقتها الرسمية، وكذلك فرنسا، وظلت الأنظار متجهة إلى طهران انتظارا لإعلان الرد الإيراني الرسمي. إلا أن المسؤولين الإيرانيين، سواء في فيينا أو طهران، لم يردوا رسميا حتى ساعة متأخرة من يوم أمس، عندما نقل التلفزيون الإيراني الرسمي عن عضو بفريق المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي أن طهران «لديها فكرة أخرى»، وأنها اقترحت على القوى الكبرى أن تشتري وقودا نوويا لمفاعلها في طهران. ونقل التلفزيون عن الدبلوماسي الإيراني: «إيران ترغب في شراء الوقود لمفاعل طهران للأبحاث في إطار اقتراح واضح.. إننا ننتظر من الطرف الآخر ردا بناء ويساعد في بناء الثقة»، موضحا أيضا أن إيران تطلب رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها كي تمكنها من شراء المواد الحساسة مثل الوقود النووي.

كما أعلن مصدر قريب من المفاوضين الإيرانيين في فيينا أن إيران تنتظر ردا «إيجابيا» من الدول الكبرى بشأن «اقتراحها» الخاص المتعلق بتخصيب اليورانيوم، من دون إعطاء توضيحات حول هذا الاقتراح. وقال هذا المصدر، الذي لم تكشف هويته على موقع التلفزيون الرسمي الإيراني على الإنترنت، إن «بعض وسائل الإعلام ذكرت أن بعض الأطراف أعطوا ردا إيجابيا على مقترحاتهم الخاصة، الأمر الذي يعتبر سلوكا يدعو إلى الدهشة». وأضاف المصدر الإيراني أن «إيران هي التي تشتري الوقود النووي لمفاعل طهران، وعلى البائعين أن يعطوا جوابا على اقتراح الشاري».

ورأى أن إيران «باشرت المباحثات في فيينا مع مقاربة بناءة، ولا تزال تنتظر ردا بناء وإيجابيا على الاقتراح الإيراني بما يعزز الثقة مقابل شفافية وحسن نية الجمهورية الإسلامية».

ولاحقا أعلنت قناة «برس تي في» التلفزيونية الإيرانية الرسمية الناطقة بالإنجليزية أن إيران سترد الأسبوع المقبل على اقتراح الوكالة. ونقل الموقع الإلكتروني للقناة عن مندوب إيران لدى الوكالة الذرية، علي أصغر سلطانية، قوله إن إيران «تدرس بعناية مختلف الأبعاد التي تضمنها الاقتراح حول تزويد المفاعل الإيراني للأبحاث بالوقود» النووي. وأضاف: «بعد تقويم نهائي، سأعطي الرد للسيد البرادعي عندما أعود إلى فيينا الأسبوع المقبل»، في إشارة إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي. وبعد الاعلان الإيراني الرسمي قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن طهران أبلغت رئيس الوكالة أنها تدرس اقتراحه بشأن الوقود النووي بإيجابية «لكنها تحتاج مهلة حتى منتصف الأسبوع القادم للرد عليه». وأضافت الوكالة في بيان «إيران أخطرت الأمين العام اليوم بأنها تدرس الاقتراح بعمق وبروح إيجابية، لكنها تحتاج مهلة حتى منتصف الأسبوع القادم للرد». وأضاف البيان أن «المدير العام يأمل في أن يكون الرد الإيراني إيجابيا، لأن المصادقة على هذا الاتفاق ستكون مؤشرا على عهد جديد من التعاون». وفي أول رد فعل على إعلان إيران تأجيل الرد، قال البيت الأبيض إنه يمكنه الانتظار بضعة أيام لتسلم رد إيران على الصفقة النووية.

وأثار الموقف الإيراني الجديد حالة من اللبس في لندن وواشنطن وفيينا وباريس. وقال مسؤول أميركي متابع للملف الإيراني والمفاوضات في فيينا إن التطور الجديد يجعلنا نعود لـ«نقطة البداية»، موضحا: «يجب أن ننتظر رد الفعل الإيراني الرسمي. إذا كان الموقف الرسمي هو شراء طهران للوقود النووي من الدول الغربية مع احتفاظها باليورانيوم الذي لديها بالفعل، فسيكون هذا تطورا سلبيا. فهذا ليس عرضا يمكن مناقشته. هذا استمرار للوضع الراهن. فإيران حاليا تقوم بشراء الوقود النووي من دول أخرى وتحتفظ وتراكم ما لديها من يورانيوم، وهذا سبب القلق الدولي». وتابع: «مقترح وكالة الطاقة الذي دعمناه يتضمن طرفا ثالثا يقوم بتخصيب اليورانيوم لدرجات أعلى وتسليمه لإيران للاستخدام تحت إشراف دولي. وهذا الاقتراح إذا ما وافقت عليه طهران سيضمن حدا أدنى من الاطمئنان تجاه نوايا إيران».

وقال مسؤول أميركي آخر إن الولايات المتحدة ما زالت تنتظر ردا رسميا من إيران على خطة وكالة الطاقة، والتي تنص على أن تنقل إيران إلى روسيا من الآن وحتى نهاية العام ودفعة واحدة نحو 1200 كلغم من اليورانيوم لكي يتم تخصيبه بنسبة 20%. وستتدخل فرنسا لاحقا، وهي إحدى الدول القليلة جدا في التحكم بهذه العملية، لتحويل هذا اليورانيوم إلى «وحدات نووية»، أي الوقود الضروري للإبقاء على عمل مفاعل الأبحاث في طهران حتى نهاية 2010.

وكانت روسيا الأولى بين البلدان الأربعة التي أعلنت موافقتها الرسمية على الاقتراح. وصرح وزير الخارجية سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي في موسكو «نوافق على هذه الاقتراحات».

ودعا لافروف الدول الأخرى إلى السير على خطى روسيا. وقال إن «الخبراء الروس شاركوا في الاجتماع الذي تم خلاله إعداد هذه الاقتراحات باسم الوكالة الدولية. نحن نقبل بهذه الاقتراحات». وأضاف «نأمل أن يوافق على هذا الاتفاق ليس إيران فحسب بل أيضا جميع الأطراف».

ثم أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة وافقت أمس على مقترحات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تهدف إلى حل الأزمة بشان برنامج إيران النووي. وصرح مايك هامر، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، بأن «الولايات المتحدة قدمت ردها الإيجابي على اقتراح مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (محمد) البرادعي». وأضاف «نتطلع إلى رد إيران».

كما أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن مشروع الاتفاق الذي طرحته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن قيام دول ثالثة بتزويد إيران بالوقود النووي لمفاعل أبحاث مدني، يناسب فرنسا، مؤكدة بذلك معلومات صدرت في فيينا. وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو، في تصريح صحافي، إن «مشروع الاتفاق يناسب فرنسا. أبلغنا ذلك بصورة رسمية».

إلا أنه مع بث ما جاء في التلفزيون الإيراني حول العرض الجديد بدأت الأجواء تتغير. وقال وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لاحقا في بيروت إن المؤشرات «التي وصلت هذا الصباح» من فيينا حيث تعقد اجتماعات لمناقشة الملف النووي الإيراني «ليست إيجابية». وأوضح كوشنير للصحافيين إثر اجتماعه مع رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة ردا على سؤال حول الدور الإيراني في المنطقة «لا يمكنني القول بالنسبة لإيران إن الأمر إيجابي». وأضاف «لا أعلم ما هي النتائج التي سيتم التوصل إليها اليوم في فيينا، لكن المؤشرات التي حصلنا عليها هذا الصباح ليست إيجابية. هذا الأمر مؤسف». وتابع «إذا بقيت المؤشرات سلبية وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء ـ لست متأكدا فاليوم لم ينته بعد ولا زلت آمل بحصول الاتفاق ـ فإن الأمر سيكون مؤسفا على صعيد مواصلة الاتصالات السياسية على مستوى الدول الخمس زائد واحد في جنيف». وعبر كوشنير عن أمل فرنسا «في انخفاض التوتر والتوصل إلى حل سلمي ومقبول، وألا يتم استخدام تطوير الذرة من أجل غاية عسكرية».

وكان المندوب الإيراني للوكالة الدولية علي أصغر سلطانية قد وصف اقتراح وكالة الطاقة بأنه «إيجابي جدا»، لكن لم يتضح ما إذا كان المسؤولون الكبار في طهران سيوافقون عليه أم لا. وعززت تقارير من طهران الأنباء حول خلافات داخلية فيما يتعلق بإرسال ثلثي مخزون إيران من اليورانيوم للخارج. وقالت مصادر إيرانية مطلعة إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد «يجد صعوبة في بيع» الاتفاق للتيار الأكثر تشددا في المؤسسة الإيرانية الحاكمة. وقالت المصادر إنه بسبب اعتراضات داخلية شديدة، حتى من مسؤولين كبار بمكتب المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي، يتجه مسؤولو الملف النووي الإيراني إلى صيغة وسطى تسمح بإرسال «كميات قليلة من مخزون اليورانيوم» للخارج، وليس إرسال ثلثي المخزون.

وإيران بتقديمها اقتراحا جديدا تتبع، على ما يبدو، استراتيجية، جربتها بشكل جيد لكسب الوقت، لتجنب تشديد العقوبات الدولية الذي يجري التهديد به. وبدا العرض الإيراني المضاد للوهلة الأولى لا يقدم للغرب شيئا يذكر فهو لا ينص على إرسال اليورانيوم للخارج أو وقف التخصيب. كما لا يقتصر العرض على عدم خفض مخزون اليورانيوم المخصب الذي يثير قلق المجتمع الدولي وإنما يتطلب أيضا رفع العقوبات المفروضة على إيران منذ عام 2006 للسماح لها بشراء مثل هذه المواد النووية الحساسة.

ولم تعلن تفاصيل محددة عن الاقتراح المضاد الذي قدمته إيران وقالت واشنطن إنها لا تزال في انتظار رد إيراني رسمي. ولكن ليس واضحا كيف سيكون السماح لإيران بشراء وقود نووي مناسب لأهداف القوى الكبرى.

وكان سلطانية قد ألمح بعد انتهاء المحادثات في فيينا إلى أن حكومته قد تسعى لإدخال تعديلات على الخطة التي تقترحها الوكالة الدولية. وقبل فترة قصيرة من إعلان التلفزيون تصريحات المفاوض الإيراني قال دبلوماسي كبير من دولة نامية لها علاقات جيدة بالإيرانيين لـ«رويترز»: «لدي إحساس بأن إيران ستطلب مزيدا من الوقت لاتخاذ قرار وتطلب إدخال تغييرات... أعتقد أنهم سيفضلون تقسيم شحنات اليورانيوم المنخفض التخصيب التي سيرسلونها إلى الخارج بدلا من إرسال الجزء الأكبر منها دفعة واحدة. لا يرغبون في أن يفقدوا قدرا كبيرا من أوراق التفاوض، بينما ينتظرون مفاوضات على القضايا الاستراتيجية الأكبر في الملف النووي».

من ناحيته، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، لمجلة «لكسبرس» الفرنسية إن لديه «أملا كبيرا» بأن توافق إيران على اقتراح تخصيب اليورانيوم في الخارج، معتبرا أن البعد السياسي لهذا الاتفاق سيكون «كبيرا». وقال البرادعي: «منذ أيام عدة، كل المؤشرات تتقاطع. إيران تريد فعلا المضي قدما»، مؤكدا أن الرئيس محمود أحمدي نجاد «أبلغه هذا الأمر بوضوح قبل خمسة عشر يوما»، خلال زيارته لطهران. وأضاف: «ربما هناك تفاصيل ينبغي الاتفاق حولها تتعلق بالاتفاق الذي تم اقتراحه هذا الأسبوع في فيينا».

وأوضح البرادعي أن الرئيس الإيراني «يريد تطبيع علاقات بلاده مع الولايات المتحدة والدول الغربية، وكذلك مع المجتمع الدولي عموما»، و«هو غير مهتم بـ(تطبيع) جزئي، بل شامل».

وشدد على أن «الاجتماع غلب عليه مبدئيا الطابع التقني»، ولكن «في حال التوصل إلى اتفاق، فإن نتائجه السياسية ستكون كبيرة». وقال أيضا: «إذا حصلنا على هذا الاتفاق فكل شيء سيصبح ممكنا. في النهاية، إيران يمكنها.. ممارسة تأثير إيجابي في أفغانستان والعراق وسورية ولبنان وفي الأراضي الفلسطينية».

وكشف البرادعي أن «باراك أوباما تدخل بنفسه»، و«اتصل بي هاتفيا»، مضيفا: «لا يحدث دائما أن يتابع رؤساء الدول اجتماعات (تقنية) لحظة بلحظة». وأوضح أنه جمع مساء الأربعاء في مكتبه السفير الإيراني لدى الوكالة الذرية، علي أصغر سلطانية، ومساعد وزير الطاقة الأميركي، دانيال بونمان، لافتا إلى أن «بونمان كان وديا جدا، وأوضح التداعيات السياسية لهذا الاتفاق الذي يتيح، إذا تمت المصادقة عليه، بناء علاقة من الثقة».