تقرير حكماء أفريقيا يوصي السودان بإقامة محكمة «مختلطة» لمحاكمة مجرمي دارفور

تتضمن قضاة أفارقة ودوليين

جمال أحمد يحمل وثيقة تؤكد طلبه اللجوء امام ثكنات عسكرية مهجورة بدون ماء وكهرباء حيث يسكن في غرب باريس مع 60 صوماليا و30 سودانيا (أ ف ب)
TT

طالب تقرير إفريقي، أعدته لجنة مكلفة من الاتحاد الإفريقي باسم «لجنة حكماء إفريقيا» بتكوين محكمة «مختلطة»، من سودانيين ومن خارج السودان لمحاكمة مجرمي الحرب في إقليم دارفور. فيما تفادى التقرير، الذي يتوقع أن يعيد ملف دارفور إلى سطح الأحداث مرة أخرى بقوة، أن يتخذ التقرير موقفا من مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير بتهم تتعلق بجرائم دارفور، إلا أنه قال إنه «يجب إدراج التحقيق الذي أجرته المحكمة في جدول محادثات السلام في دارفور». وقالت مصادر مطلعة في الخارجية السودانية لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة حصلت على نسخة من التقرير، وقالت إنها تتحفظ على بعض ما ورد في التقرير وترفض بعضا آخر»، وكشفت أن الحكومة ستعلن هذا الموقف رسميا على لسان نائب الرئيس السوداني على عثمان محمد طه، أمام قمة مجلس الأمن والسلم الإفريقي، الذي سينعقد في العاصمة النيجيرية أبوجا يوم الخميس المقبل. وقالت إن الحكومة سترفض بشدة التشكيك في القضاء السوداني. وتعاملت وزارة الخارجية السودانية بحذر شديد مع التقرير.

ويتوقع أن يثير التقرير جملة من خلافات بين الخرطوم والاتحاد الإفريقي. وترفع لجنة حكماء إفريقيا، التي تضم مجموعة من الرؤساء الفارقة السابقين برئاسة ثابو أمبيكي رئيس جنوب إفريقيا السابق، تقريها الختامي إلى قمة أبوجا المرتقبة، على أن تقرر فيها، لترفع قراراتها بشأنه إلى قمة إفريقية ستنعقد بنهاية ديسمبر (كانون الأول) ومطلع يناير (كانون الثاني) المقبل.

وقال تقرير لجنة حكماء إفريقيا التي شكلت من قبل قمة للاتحاد الإفريقي، بعد صدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير بشأن جرائم دارفور، إن السودان يجب أن يشكل محكمة تضم قضاة أجانب لمحاكمة مرتكبي الجرائم الكبرى في إقليم دارفور. وخلصت النتائج التي توصل إليها التقرير المؤلف من 148 صفحة عن تحقيق العدالة للضحايا في دارفور إلى أن النظام القضائي في السودان الذي يعاني أزمة ثقة في حاجة إلى التعزيز كي يتسنى له التعامل مع هذه القضايا.

ومن صلاحيات اللجنة إنجاز تحركات داخلية وخارجية في سبيل أداء مهمتها، وزارت للجنة الخرطوم مرتين، والتقت المسؤولين في الحكومة في أعلى المستويات، وقيادات المعارضة السودانية، وطافت على إقليم دارفور والتقت بالمسؤولين في ولايات دارفور الثلاثة، وانتقلت إلى الأحراش والتقت قيادات حركات دارفور المسلحة، كما زارت عددا من الدول الإفريقية المجاورة حول الموضوع خصوصا تشاد وليبيا، وبحثت مع المسؤولين فيها قضية دارفور. ولم ينحصر تقرير اللجنة في قضية دارفور فحسب وإنما تناول مجمل القضايا السودانية وخصوصا تنفيذ اتفاق السلام بين الشمال والجنوب، وما يتصل بعملية التحول الديمقراطي في البلاد.

وقالت الوثيقة التي أعدتها لجنة برئاسة ثابو أمبيكي رئيس جمهورية جنوب إفريقيا السابق إنه يتعين على الخرطوم أن تقبل مساعدة غير سودانية للتحقيق في الفظائع التي ارتكبت في دارفور ومحاكمة مرتكبيها.

وقال التقرير إن ذلك سيتطلب تعزيز النظام القضائي القائم بآليات جديدة تتضمن غرفة مداولة جنائية خاصة تكون بمثابة محكمة مختلطة تعتمد على خبرة قضاة مؤهلين ذوي اختصاص من خارج السودان. وأضاف التقرير أن هناك حاجة أن لا يقتصر القضاة على الأفارقة. غير أن التقرير أوضح أن المحكمة يجب أن تعمل في إطار النظام القضائي السوداني وأن تعمل جنبا إلى جنب مع آليات العدالة التقليدية. ويجب تعديل القانون السوداني كي يدمج بشكل كامل مع القانون الدولي حتى لا تتمتع قوات الأمن السودانية بعد الآن بحصانة من المحاكمة.

وكان المراقبون ينتظرون النتائج التي خلص إليها التقرير بنفاد صبر بعد أن أيد الاتحاد الإفريقي الرئيس السوداني عمر حسن البشير حين أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي هذا العام مذكرة اعتقال بحقه لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور.

ولم يتخذ التقرير موقفا من مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير لكنه قال إنه يجب إدراج التحقيق الذي أجرته المحكمة في جدول محادثات السلام في دارفور. ولم يكن متوقعا إتاحة التقرير للنشر قبل اجتماع لمجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي في وقت لاحق من هذا الشهر.

كما طالب التقرير أيضا بضرورة تشكيل لجنة للحقيقة والعدالة والمصالحة في إطار أي اتفاق للسلام في دارفور. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 300 ألف شخص قتلوا في دارفور وأن أكثر من مليونَي شخص طُردوا من ديارهم منذ اندلاع تمرد واسع النطاق في الإقليم في أوائل عام 2003. وتقدر الخرطوم عدد القتلى بنحو عشرة آلاف.

وأوصت لجنة الاتحاد الإفريقي في تقريرها بضرورة إزالة العقبات القانونية التي تحول دون محاكمة مرتكبي جرائم الاغتصاب. وقال التقرير: «لا توجد أدلة على أن جريمة الاغتصاب نالت الاهتمام الذي تستحقه وأن القانون السوداني يتضمن عقبات مانعة لإثبات الاغتصاب». وقالت لجنة الاتحاد الإفريقي إن هناك حاجة ملحّة إلى التوصل إلى اتفاق في محادثات السلام في دارفور التي أدت الانقسامات في صفوف المتمردين والاشتباكات المستمرة على الأرض إلى تأجيلها لفترة طويلة قبل أول انتخابات متعددة الأحزاب يجريها السودان في 24 عاما والمقرر أن تجرى في أقل من ستة أشهر.

وفي الخرطوم، قال أكوي بونا ملوال نائب رئيس بعثة السودان بأديس أبابا إن علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية، يقود وفد السودان المشارك في اجتماع مجلس السلم والأمن الإفريقي المنعقد على مستوى القمة في أبوجا. وذكر السفير السوداني أن لجنة أمبيكي ستسلم رسميا من رؤساء دول مجلس السلم والأمن الإفريقي تقريرها في القمة المقرر انعقادها الخميس المقبل وأضاف أن السودان ممثلا في رئيس وفده سيشارك في الجلسة الافتتاحية المفتوحة بكلمة ينسحب عقبها بعد أن يدخل رؤساء دول مجلس السلم والأمن الإفريقي في جلسة مغلقة لمناقشة التقرير توطئة لرفعه لقمة الاتحاد الإفريقي، المتوقع أن تنعقد في أديس أبابا نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وقالت المصادر في الخرطوم إن حكومة السودان ستوضح موقفها الرسمي من تقرير لجنة الحكماء، وقالت إن قادة دول مجلس السلم والأمن سيخضعون التقرير للمناقشة توطئة لاعتماده ورفعه إلى مجلس الأمن الدولي.