كوشنير يجول على القادة ويلتقي وفدا من حزب الله.. ويحث اللبنانيين على أخذ مصيرهم بأيديهم

الرئيس السوري في باريس أوائل نوفمبر.. ومصادر الوزير الفرنسي تؤكد أن الحكومة ستشكل خلال أسبوعين

كوشنير يتحدث في مؤتمر صحافي بعد لقائه الحريري في بيروت أمس (رويترز)
TT

علمت «الشرق الأوسط» من مصادر فرنسية رسمية أن الرئيس السوري بشار الأسد سيقوم بزيارة عمل رسمية إلى باريس في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، وهي الثانية له بعد الزيارة التي قام بها العام الماضي بمناسبة القمة المتوسطية في العاصمة الفرنسية.

وبحسب هذه المصادر، فإن تأجيل الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها وزير الخارجية برنار كوشنير إلى دمشق «لا يعني وجود أزمة بين باريس ودمشق، إذ إن الأمور تسير بشكل جيد بين البلدين، وفرنسا تعتبر أن السلطات السورية أوفت بالوعود والالتزامات التي قطعتها على نفسها». كذلك علمت «الشرق الأوسط» أن باريس تسعى لتحديد مواعيد جديدة لزيارة كوشنير المؤجلة إلى دمشق وإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة وستكون على الأرجح نهاية الشهر القادم.

وجاء التأجيل بسبب «البرودة» التي ألمت بالعلاقات الفرنسية ـ الإسرائيلية، بسبب امتناع باريس عن التصويت ضد قرار لجنة غولدستون في مجلس حقوق الإنسان، وهو ما أغاظ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وبسبب رغبة الوزير كوشنير في زيارة غزة للاطلاع على ما آلت إليه مستشفى القدس، وهو ما رفضته إسرائيل.

وفي بيروت، أمضى كوشنير أمس يوما ماراثونيا، حيث التقى الرؤساء الثلاثة، الجمهورية والنواب وحكومة تصريف الأعمال، بعد لقاء مع نظيره اللبناني في وزارة الخارجية. وبدأ نهاره الطويل بفطور في بيت السفير الفرنسي دوني بياتون مع مجموعة من السياسيين اللبنانيين، بينهم الرئيس أمين الجميل، والوزير مروان حمادة، والوزير إبراهيم النجار. واستضافه رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري على مأدبة غداء. وكان اللقاء الأخير مع ممثل النائب ميشال عون في قصر الصنوبر، وقد أعقبه لقاء بين كوشنير والنائب نواف الموسوي وعمار موسوي، مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله.

وقرع الوزير الفرنسي ناقوس الخطر في بيروت، منبها اللبنانيين إلى المخاطر المترتبة على عجزهم عن تشكيل حكومة جديدة، داعيا إياهم إلى تحمل مسؤولياتهم «وعدم الاختباء وراء التدخل الخارجي». ونفى كوشنير أي رغبة فرنسية في التدخل في الشأن الحكومي، غير أنه شدد على قلق فرنسا من الفراغ الحاصل ومن تأثير ذلك على أمن واستقرار لبنان. وهذه الرسالة كررها الوزير الفرنسي أكثر من مرة، وفي كل لقاءاته، كما حرص على التأكيد على استعداد فرنسا للمساعدة في حال طلب منها ذلك بفضل الخطوط المفتوحة مع جميع الأطراف اللبنانية.

غير أن لهجة الوزير الفرنسي تغيرت بعض الشيء عقب لقائه رئيس الجمهورية. وقالت مصادر من الوفد الفرنسي إن كوشنير عقد مع سليمان لقاء مغلقا. وأفادت أوساط رافقت محادثاته بأن الرئيس سليمان «نقل للوزير الفرنسي بعض المعلومات التي تجعله متفائلا بانتهاء أزمة تشكيل الحكومة في الأيام القادمة». وبحسب هذه المصادر، فإن سليمان اتصل بالرئيس السوري بشار الأسد للتداول معه في الموضوع الحكومي. وفهم أن شبه اتفاق تم بين الرئيس المكلف وميشال عون، رئيس كتلة التغيير والإصلاح، على إعطاء الكتلة خمس وزارات. لكن حتى أمس، ما زالت وزارة الاتصالات تشكل العقدة الرئيسية، ولم يتوصل الجانبان لتسوية حولها. وقال كوشنير في القصر الجمهوري إنه يأمل في تشكيل الحكومة في «الأيام القادمة» من غير أن يعطي مزيدا من التفاصيل بهذا الشأن.

ومن وزارة الخارجية دعا كوشنير اللبنانيين إلى «أخذ مصيرهم بأيديهم»، وقال مخاطبا إياهم: «لا يمكنكم أن تبقوا هكذا. يجب أن تعوا التحديات المطروحة عليكم، وهي تحديات الأمن ووحدة لبنان والحرية». وأضاف الوزير الفرنسي: «إن كل لبناني مسؤول، ولا تقولوا إنها التأثيرات الخارجية، وليس دورنا أن نعطيكم أمثولات، ولا أن نشكل الحكومة عنكم، ولكن نحن قلقون من استمرار الوضع القائم».

وربط كوشنير جزئيا، على الرغم من تأكيده على المسؤولية اللبنانية، بين المأزق السياسي في لبنان والوضع الإقليمي حيث «الاتجاهات الأخطر في المنطقة تؤثر عليكم». ونبه كوشنير من السراي الكبير عقب لقائه رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة إلى المخاطر المترتبة على فشل الحوار الدولي ـ الإيراني، ومن انعكاساته المحتملة على لبنان، محذرا من أن المنطقة تشي بـ«مؤشرات تحمل مخاطر»، ومذكرا بأن مساعي معاودة إطلاق المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية تراوح مكانها، وبأن الجهود الأميركية «لم تكن كافية حتى الآن» فضلا عن تعقيدات الملف النووي الإيراني.

وأفادت مصادر فرنسية رسمية بأن الشعور العام الذي وصل إليه الوفد الفرنسي قبل لقاء وفدي حزب الله وتجمع التغيير والإصلاح، أن «الحكومة قريبة، وفي الأسبوعين القادمين»، إلا إذا جاءت «عوامل توتيرية» تطيح هذه التوقعات المتفائلة. وقالت هذه المصادر إن الشعور العام بأن الحريري «لبس ثياب رئيس الحكومة» وبدا ذلك من قدرته الجديدة على الصبر ومعالجة الأمور بروية، مضيفا أن «المهم اليوم أن ينجح الحريري في تشكيل حكومته».

وأكدت هذه المصادر أن ما يجري اليوم هو وضع اللمسات الأخيرة على الحكومة، وأن «نقزة» العماد عون لم تكن عميقة. وأكثر المتفائلين كان الرئيس سليمان. وبرأي هذه المصادر، فإن القمة السعودية ـ السورية الأخيرة «أدخلت عنصرا إيجابيا على المعادلة السياسية»، غير أن أصواتا في الأكثرية النيابية اعتبرت أن تشكيل الحكومة «لن يحل المشاكل التي ستبقى قائمة، وأكبرها وجود اختلال بنيوي في لبنان، فيما تستمر بعض الجهات في التشكي من دور إيراني سلبي في لبنان».