بريطانيا: الزعيم المتشدد غريفن «يفسّر» سبب وصف الإسلام بدين «شرير».. ويثير مخاوف الأقليات البريطانية

زعم أن عدد طلبات الانتساب لحزبه ارتفع 30 % بعد ظهوره في برنامج الـ«بي بي سي»

عناصر من شرطة مكافحة الشغب البريطانية يحرسون مدخل مبنى الـ«بي.بي.سي» في وقت تجمع المئات خارج المبنى محاولين الدخول بالقوة (أ.ب)
TT

لم يحاول الزعيم اليميني البريطاني المتطرف نيك غريفن إخفاء آرائه حول المسلمين، التي كان جاهر بها في السابق، بل «فسّر» سبب وصفه الدين الإسلامي بأنه دين «شرير» في السابق، أمام جمهور شارك فيه بريطانيون مسلمون، خلال برنامج «ساعة استجواب» على شاشة الـ«بي بي سي»، الذي عرض ليلة أول من أمس، بعد أن كان أثار جدلا واسعا بسبب استضافته لغريفن. وسأل شاب مسلم من بين الحضور زعيم الحزب الوطني البريطاني، لماذا يصف الإسلام على أنه دين «شرير»، فرد غريفن يقول: «لأنه يعامل النساء كمواطنين درجة ثانية، ويقول إن كل امرأة ضحية الاغتصاب يجب أن يتم رميها بالحجارة لأنها ارتكبت الزنا، وهو دين يأمر كواجب ديني، بقتل اليهود وغير المسلمين». وتابع بكل ثقة وهو ينظر إلى الشاب، الذي طرح عليه السؤال وكان يهزّ برأسه معارضا: «هذا موجود في القرآن ولا داعي لان تهز رأسك بالنفي». وحاول تلطيف إجابته قليلا أمام صيحات الحضور المعارضة، فقال: «هناك بعض الأمور الجيدة في الإسلام، ولكن الإسلام لا يناسب القيم البريطانية الأساسية، القائمة على حرية التعبير والديمقراطية».

وكان غريفن قد صرح في السابق، أنه يريد أن تعود بريطانيا كما كانت قبل 50 عاما، أي بلدا «للبيض فقط». وهو يدعو لترحيل المهاجرين، الذين قدموا إلى بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية من آسيا والشرق الأوسط، إلى بلدانهم الأصلية، على أن يشمل ذلك حتى أولئك المولودين في بريطانيا. وعندما سأله دايفيد دامبلبي، مقدم البرنامج، عن سياسته تجاه المسلمين البريطانيين، الذين يعدون 1.8 في المائة من الشعب، قال: «أريد أن أقيم هدنة مع الإسلام. أؤمن أن على الغرب أن يتوقف عن تجريد الشرق الأوسط من إسلامه. علينا ترك تلك البلدان وشأنها، وعلينا التأكد من انه إذا كان المسلمون في هذا البلد سيبقون هنا، عليهم أن يفهموا أن بلدنا يجب أن يبقى بلدا بريطانيا ومسيحيا، قائما على القيم الغربية الديمقراطية، وليس قيم القرآن الأبدية». وأثارت تصريحات غريفن المتجددة حول الإسلام، مخاوف المسلمين البريطانيين، وأصدر المجلس البريطاني المسلم بيانا غداة بث البرنامج الحواري، قال فيه، إن «مخاوف العديد من البريطانيين المسلمين وبريطانيين آخرين تأكدت الليلة الماضية، مع الأفكار الشديدة التطرف والآراء المهينة» لغريفن. وأضاف البيان: «لم يخف الاسلاموفوبيا (خوفه من الإسلام)، عبر إطلاقه افتراءات ماكرة ضد واحدة من أعظم الديانات في العالم». وقال البيان أيضا، إن «جهله بالإسلام وتاريخه طغيا على غطرسته». واستنكر الأمين العام للمجلس محمود عبد الباري، إعطاء منبر وطني لعرض أفكار «خسيسة» كهذه. وكان المئات من المتظاهرين المعادين للفاشية قد تجمعوا أمام مقر الـ«بي بي سي» أمس؛ اعتراضا على استقبال غريفن ضيفا في البرنامج.

وواجه العديد من المشاركين في الحضور الزعيم اليميني المتطرف بحزم، وحتى أن أحدهم وصفه بأنه شخص «مقرف» بسبب آرائه المتطرفة ضد الإسلام والسود واليهود. وعرض عليه احد المشاركين «تذكرة سفر إلى القطب الجنوبي لأنه أرض لا لون لها»، في إشارة إلى كره غريفن لكل بريطاني غير أبيض. ولم يهن غريفن المسلمين فقط خلال الحلقة، بل أهان أيضا السود واليهود. وبدا متوترا في الكثير من الأحيان، وكان يضحك ضحكة انفعال كلما تعرض لانتقاد قاس. وركزت الحلقة التي عرضت ليل أول من أمس طوال ساعة من الوقت، وشارك فيها وزير العدل جاك سترو، بعد أيام من الجدل حول صوابية استضافة زعيم متطرف، على أفكار غريفن وحزبه. وسئل الزعيم المتطرف إذا ما يتمسك بآرائه حول نكران الهولوكوست، فحاول التهرب من الإجابة في البداية، وقال: «خلال حرب غزة، حزبنا كان الوحيد الذي قال بأن للإسرائيليين حق الدفاع عن أنفسهم ضد حماس». ثم قال أمام إصرار احد الشبان اليهود المشاركين في البرنامج، ردا على سؤال حول تصريح سابق له شكك فيه بحصول الهولوكوست: «لا أعرف لماذا قلت هذه التصريحات حينها، لا استطيع أن أقول لك لماذا غيرت رأيي وإلى أي مدى غيرت رأيي. لقد غيرت رأيي في خصوص الأرقام، ولم أحاكم بتهمة نكران الهولوكوست». ويعتبر نكران الهولوكوست في الكثير من البلدان الأوروبية جريمة يحاكم عليها القانون. وكان غريفن حوكم بتهمة التحريض على الكراهية الدينية بعد تصريحات سابقة له ضد الإسلام. ولم ينس غريفن أيضا إهانة السود، إذ دافع عن منظمة «كلو كلوس كلان» الأميركية، وهي منظمة عنصرية تؤمن بتفوق البيض، وتعتمد أساليب العنف والإرهاب لتحقيق أهدافها. وعندما سئل عن صورة أخذت له مع قائد المنظمة في زيارة له إلى الولايات المتحدة، رد بأن «المنظمة ليست عنفية». وأثار تصريحه غضب الناشطة في حقوق الإنسان، بوني غرير، وهي تشغل منصب نائب مدير عام متحف لندن الوطني أيضا، وكانت مشاركة في الحلقة كضيفة. ووصفته بأنه يجهل التاريخ ودعته إلى قراءة الكتب، عوضا عن أن يستقي معلوماته التاريخية من على الانترنت. وعلى الرغم من الجدل الذي أثارته الحلقة التي عرضتها الـ«بي بي سي» أول من أمس، إلا أن الدعاية التي سبقتها أمنت للمحطة نسبة مشاهدين قياسية للبرنامج. وأعلنت المحطة أمس أن نحو 8 ملايين بريطاني شاهدوا الحلقة، وهو رقم أعلى بثلاث مرات من معدل مشاهدة البرنامج عموما. إلا أن عدد الشكاوى التي تلقتها المحطة لم تكن قليلة أيضا. إذ أعلنت الـ«بي بي سي» أمس أنها تلقت حتى ظهر أمس 340 شكوى، 100 منها اعتراضا على استضافة غريفن و240 بسبب الانحياز ضد زعيم الحزب الوطني البريطاني. واعترض غريفن نفسه على التحيز ضده، وقال إنه يتحضر لرفع شكوى رسمية للـ«بي بي سي» حول ذلك. وطلب إعطاءه فرصة ثانية للظهور في البرنامج، لكنه طلب أن تكون الحلقة في المرة المقبلة غير مركزة على شخصه بل للنقاش في الأفكار السياسية. وقال إن الجمهور الذي كان حاضرا في الاستوديوهات في لندن «أخذ من مدينة لم تعد بريطانية»، وقال في مداخلة تلفزيونية أمس: «هذا لم يعد بلدي (عن لندن)، كان يجب أن نجري الحلقة في منطقة لا يزال فيها أعداد طاغية من البريطانيين والانجليز، ولم يحصل لهم تطهير عرقي من بلدهم». وقد استفز تصريح غريفن عمدة مدينة لندن بوريس جونسون (حزب المحافظين المعارض)، وقال: «غريفن محق بالقول إن لندن ليست مدينته، فلندن مدينة التسامح وفخورة بتنوعها». وبعد تحذيرات كثيرة من سياسيين وناشطين من أن إعطاء غريفن منصة وطنية قد يرفع من نسبة شعبيته، زعم الحزب على موقعه الرسمي أمس بأنه شهد موجة تسجيل للانتساب للحزب، قياسية، وأن عدد طلبات الانتساب ارتفع 30 في المائة. وقال إن 3 آلاف شخص تقدموا بطلبات للانتساب في ليلة واحدة بعد بث الحلقة. ولم يُعرف ما إذا كانت تلك المعلومات صحيحة، كما لم تصدر استطلاعات للرأي حول تأثير ظهور غريفن في البرنامج بعد.