مفتشو وكالة الطاقة يتوجهون إلى قم.. وأعينهم على الغبار وشقوق الأرضيات

معامل «سيبرسدورف» في فيينا «مركز التحليلات».. و42 خبيرا نوويا يفحصون الأدلة

وفد مفتشي وكالة الطاقة لدى مغادرتهم فيينا في طريقهم إلى طهران لتفتيش منشاة قم أمس (أ.ب)
TT

لم يسمع معظم الإيرانيين، ناهيك عن الأجانب، قط عن اسم فوردو إلا مؤخرا، ولكن القرية الصغيرة المسالمة الواقعة جنوب طهران أصبحت فجأة بؤرة توتر نووية.

وأصبح اسم فوردو القريبة من مدينة قم والتي اكتشف أن طهران تبني فيها منشأة ثانية لتخصيب اليورانيوم محط أنظار العالم، خصوصا عندما يتوجه وفد وكالة الطاقة الذرية اعتبارا من اليوم لتفقد الموقع تنفيذا لاتفاق إيران مع وكالة الطاقة الذرية. وتساور المراقبين شكوك في أن تسفر عملية تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمبنى الخالي الذي لم يكتمل عن أي تقدم مثير ولكن الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والولايات المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا، تعتبر ذلك خطوة لبناء الثقة من شأنها أن تخفض حدة التوترات في النزاع النووي القائم منذ فترة طويلة.

وتأتي زيارة مفتشي الوكالة الدولية في وقت تسير فيه الجهود الرامية إلى تسوية النزاع النووي على قدم وساق. وأسفرت محادثات استغرقت ثلاثة أيام الأسبوع الحالي في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن اقتراح ينتظر التوقيع عليه من جانب إيران وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا بشأن معالجة معظم مخزون إيران من اليورانيوم المخصب في الخارج بدلا من معالجته في إيران. ولا يتعلق الجدل الرئيسي بشأن موقع فوردو بالمحطة ذاتها ولكن بتوقيت الكشف عنه للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى إن طهران لم تخطر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأمر الموقع إلا بعدما أدركت أن وكالات الاستخبارات الغربية قد اكتشفته.

وقال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: «إننا التزمنا بالأطر القانونية وأبلغنا الوكالة الدولية قبل عام من تشغيل المنشأة». وأثار قيام إيران ببناء محطة ثانية للتخصيب إلى جانب المنشأة العاملة في ناتانز مرة أخرى شكوكا في أن هناك برنامجا سريا موازيا لتصنيع أسلحة نووية. ونفى المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي ذلك نفيا قاطعا.

ويتمثل هدف إيران النووي النهائي، وفقا لما صرح به الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، في تصنيع الوقود للمحطات والمفاعلات النووية الإيرانية في المستقبل. وقال دبلوماسي أجنبي في طهران على دراية بالنزاع النووي: «القضية الأكثر أهمية بالنسبة إلى إيران هي الاعتراف الدولي بحقوقها في السعي للحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض المدنية وبصفة خاصة من جانب الولايات المتحدة، وإذا تحقق هذا الاعتراف، فإن إيران سوف تكون أكثر مرونة».

وقال دبلوماسي مقرب من الوكالة التابعة للأمم المتحدة إنها تتوقع أن يتمكن خبراؤها من العودة بعينات دقيقة جدا من موقع قم للتحليل. وتقول إيران إن المنشأة التي تمكنت من إخفائها حتى الشهر الماضي تهدف إلى تخصيب اليورانيوم لغرض توليد الكهرباء فقط وإنه لم يتم بعد إدخال أي مواد نووية إلى الموقع، إلا أن دبلوماسيين شككوا في تأخير فتح إيران منشأة قم للتفتيش لمدة شهر، خوفا من أن تكون هذه الفترة قد استُخدمت في إخفاء أدلة.

وعندما يجمع مفتشو الوكالة العينات من موقع قم، سيقومون بتحليلها في مجمع الوكالة في منطقة «سيبرسدورف» الذي تمدد منذ عام 1962 ليصبح مثل حرم جامعي بالقرب من فيينا. واكتسبت «سيبرسدورف» دورا كبيرا في مجال التحقق النووي في تسعينات القرن الماضي بعد حرب الخليج الأولى عندما منحت الوكالة سلطات أوسع لرصد أنشطة نووية سرية في أعقاب اكتشاف برنامج نووي سري في العراق. ويقول المسؤولون إن تجربتهم في العراق ساعدتهم على شحذ خبراتهم التكنولوجية في رصد الأنشطة النووية السرية فضلا عن الفصل في المناظرات السياسية.

وقال ديفيد دونوهو مدير وحدة الوكالة الذي كان يرتدي خفا منزليا قطنيا حتى لا يلوث الغبار على حذائه معمله النظيف، لـ«رويترز»: «العنصر الرئيسي في العراق كان العينات. أيا كان ما يقوله الناس فالعينات لا تكذب. الحقيقة ستظهر». وهنا يفحص العلماء الذين يرتدون حللا تغطيهم من قمة الرأس إلى أخمص القدمين عينات الغبار تحت المجاهر بحثا عن جزيئات صغيرة قد يصل حجمها إلى جزء من تريليون من الجرام يمكن أن تساعد في أن تتحقق الوكالة مما إذا كانت الدولة العضو تكشف عن برنامجها النووي بالكامل.

وإلى جانب مواد أخرى يبحث فريق المحللين في «سيبرسدورف» الذي يضم 42 خبيرا عن آثار يورانيوم أو بلوتونيوم مخصب إلى درجة عالية من النقاء تشكل أساس صنع قنبلة ذرية.

ولضمان حيادية تقييم الأدلة لا يبلغ فريق العمل في «سيبرسدورف» بمصدر العينات ولا يميزها سوى كبار المسؤولين الذين يعدون التقارير في مقر الوكالة في فيينا. وترسل الوكالة العينات إلى معامل أخرى في مختلف أرجاء العالم لمزيد من الفحوص للحصول على «رأي آخر»، ويمكنها مقارنة النتائج بأرشيف يضم عينات من أكثر من عشر سنوات لمعرفة ما إذا كانت بين مواقع ودول صلاتٌ خفية. وأغلب العينات التي أُخذت في أثناء عمليات تفتيش متفق عليها مع الدول الأعضاء لم تظهر سوى أنشطة معلنة. ويمكن للوكالة رصد دلائل عما إذا كانت دولة ما قد عملت جاهدة على إخفاء آثار. وقبل زيارة مفتشي الوكالة عام 2003 قالت إيران إنه لم يتم إدخال أي مواد نووية إلى منشأة توليد كهرباء في طهران.

لكن الوكالة تمكنت من رصد آثار يورانيوم عالي التخصيب في عينات أخذت من الموقع على الرغم من أن إيران منعت أخذ عينات لعدة أشهر واستخدمت هذه الفترة في إزالة معدات وتجديد أجزاء من المنشأة. وخلصت الوكالة إلى أن إيران اتخذت خطوات لإخفاء مصدر ونطاق برنامجها لتخصيب اليورانيوم. واعترفت إيران في وقت لاحق بأنها اختبرت أجهزة طرد مركزي في الموقع باستخدام كميات ضئيلة من اليورانيوم عالي التخصيب.

وقال دونوهو: «الغبار في كل مكان، في شقوق في الأرضيات لا يمكن تنظيفها. وأيا كان المجهود الذي يُبذل في التنظيف لا يمكن إزالة الآثار نهائيا». وتستخدم الوكالة كذلك التصوير بالأقمار الصناعية والمراقبة بالفيديو للمواقع لرصد الأنشطة ومعرفة ما إذا كان يمكن نقل مواد نووية من منشات معلنة. لكن محمد البرادعي رئيس الوكالة يقول إن معامل «سيبرسدورف» تقادمت وتعاني نقص التمويل، وكان قد انتقد في يونيو (حزيران) الماضي إحجام الدول عن زيادة ميزانية الوكالة.

وقال البرادعي لمجلس محافظي الوكالة: «يمكن للوكالة أن تواصل جهدها مع تزايد القيود وتصاعد المخاطر وهي تشهد تراجع جودة خدمتها»، وأضاف: «أو يمكنها إذا توافر التمويل الكافي تقديم إسهام فعّال لمنع الانتشار النووي وتحقيق الأمن النووي ومكافحة الفقر والجوع والمرض». ويضم مجمع «سيبرسدورف» كذلك مليارات الذبابات التي تمت تربيتها في المكان في إطار برنامج للتحكم في الأمراض. وتزرع فيه نباتات مقاومة للأمراض، ويساعد في تدريب عشرات العلماء سنويا. لكن التمويل محدود للغاية.

وبعد شهور من المناقشات وافق مجلس الوكالة الذي يضم 35 دولة في أغسطس (آب) على زيادة الميزانية الأساسية للوكالة بنسبة 5.4 في المائة إلى 318.2 مليون دولار في عام 2010، أي أقل من الزيادة السابقة بنسبة 11 في المائة، سعى البرادعي للحصول عليها، لكنها الزيادة الأولى بعد سنوات من عدم النمو.