معارضة أفغانية للائحة أميركية سرية تستهدف تجار المخدرات

تضم أشخاصا لهم علاقات قوية بالحكومة وآخرين يمثلون عناصر استخباراتية

ضباط وجنود من البحرية الأميركية يجمعون أكياساً معبأة بالمخدرات في هلمند قبل إحراقها («واشنطن بوست»)
TT

ثمة معارضة شديدة من جانب مسؤولين أفغان للائحة تخص الجيش الأميركي، بها نحو 50 شخصا مشتبه بأنهم عناصر بارزة في تجارة المخدرات، ويقول المسؤولون الأفغان إن ذلك يمكن أن يقوّض من النظام القضائي الهش، ويحتمل أن يكون له أثر سلبي على القوات الأجنبية. ويأتي ذلك بعد أن فوّض مسؤولون في الجيش الأميركي والناتو قواتهم بقتل أو أسر الأشخاص المدرجين في اللائحة، التي تم صياغتها خلال العام الماضي في إطار استراتيجية جديدة للناتو تهدف لمحاربة تجارة المخدرات التي توفر التمويل لحركة طالبان. ويعتقد أن اللائحة تضم أشخاصا لهم علاقات قوية بالحكومة الأفغانية وآخرين كانوا يمثلون عناصر استخباراتية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والجيش الأميركي، وذلك حسب ما أفاد به مسؤولون أميركيون وأفغان حاليون وسابقون. وأعرب مسؤولون أفغان في مجال مكافحة المخدرات عن شعورهم بخيبة الأمل، إذ إن القادة العسكريين الأميركيين والتابعين للناتو رفضوا الكشف عن الأسماء الموجودة في اللائحة، وقالوا إن القرار بالإبقاء على هذه الأسماء سرا يمكن أن يقوّض من العمليات المشتركة التي تستهدف مهربي الأفيون. وقد أثنى الجنرال محمد داوود داوود، نائب وزير الداخلية الأفغاني لقضايا مكافحة المخدرات، على القوات الخاصة البريطانية والأميركية للمساعدات التي قدمتها أخيرا بتدمير معامل المخدرات ومخابئ الأفيون. لكنه، قال إنه يشعر بالقلق من أن القوات الأجنبية يمكن أن تتصرف بمفردها وتقتل أمراء المخدرات المشتبه بهم بناء على أدلة سرية بدلا من تقديمهم للمحاكمة. وقال داوود: «يجب أن يحترموا قانونا ودستورنا ونصوصنا القانونية، ولدينا التزام بإلقاء القبض على هؤلاء بأنفسنا».

ويشار إلى أن التحالف العسكري في أفغانستان، الذي يتزعمه الناتو، تجاهل لعدة أعوام تجارة المخدرات، قائلا بأن مهمته هي محاربة حركة طالبان وتنظيم القاعدة وليس تجّار المخدرات. وتوفر حقول الخشخاش في أفغانستان نحو 90 في المائة من الأفيون في العالم. وخلال اجتماع عُقد في بودابست خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، راجع وزراء الدفاع بالناتو استراتيجيتهم وفوّضوا قواتهم بمصادرة المخدرات واستهداف معامل المخدرات والعناصر البارزة في هذه الصناعة، التي توفر تمويلا أو الأشكال الأخرى من الدعم لحركة طالبان. ومنذ ذلك الحين، قام الجيش الأميركي بصياغة لائحة تضم نحو 50 من العناصر البارزة في تجارة المخدرات، الذين يعتقد أنهم يقدمون دعما للمتمردين، وقرر أنه يمكن قتلهم أو أسرهم «في ساحة المعارك»، وذلك حسب ما أفادت به لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ في تقرير نشر أغسطس (آب). وقال جنرالان أميركيان يعملان داخل أفغانستان، لم يذكرا اسميهما، لأعضاء اللجنة، إن اللائحة تراعي القانون الدولي وقواعد الجيش الأميركي ذات الصلة بالحروب، إذ تحتوي فقط على أمراء تجارة مخدرات، الذين لهم «علاقات بالتمرد يمكن إثبات وجودها». ولإضافة شخص إلى هذه اللائحة، يشترط البنتاغون «وجود مصدرين بشريين يوثق بهما وأدلة إضافية هامة»، حسب ما ذكر في تقرير مجلس الشيوخ. ورفض ويان شانكس، الكولونيل بالجيش الأميركي، ورئيس الشؤون العامة في قوات الائتلاف داخل أفغانستان، الإجابة على أسئلة خاصة باللائحة أو القول بما إذا كان أي شخص مدرج فيها تم قتله أو أسره. وقال عبر البريد الإلكتروني إن الجيش «يشعر بالقلق عندما نجد رابطا بين أعمال التمرد أو التمويل الذي يصل إلى المتمردين وتجارة المخدرات داخل أفغانستان»، مضيفا: «نقوم بصورة منتظمة بعمليات من أجل الحد من قدرة المتمردين على التخويف، أو تهديد المواطنين الأفغان».

ويقول علي أحمد جلالي، وهو وزير داخلية أفغاني سابق، إنه حث البنتاغون وحلفاءه في الناتو لفترة طويلة على اتخاذ إجراءات صارمة ضد مهربي وموردي المخدرات، وأنه كان سعيدا بأن الائتلاف العسكري وافق أخيرا على تقديم دعم عملياتي إلى العملاء الأفغان في مجال مكافحة المخدرات. لكنه قال إنه يجب على القوات الأفغانية أن تتجنب إغراء تعقب أو قتل المهربين بمفردهم. وأضاف: «هناك مشكلة دستورية هنا، فأي شخص بريء إلى أن تثبت إدانته بجرم ما. وإذا ذهبوا لقتلهم أو أسرهم، كيف يمكن أن تثبت أنهم مذنبون من ناحية العملية القانونية؟».

وفي نفس الوقت، قال جلالي إنه يتفهم السبب الذي يجعل مسؤولين أميركيين ومسؤولين في الناتو يريدون الحفاظ على لائحتهم سرية وعدم إطلاع نظرائهم الأفغان عليها، حيث ينتشر الفساد داخل الحكومة الأفغانية، وتحوم شكوك حول ضلوع مسؤولين كبار في تجارة المخدرات. ويقول جلالي إن الحكومة الأفغانية كان لها في يوم من الأيام لائحة سرية بأسماء تجار المخدرات، وأضاف إنه كان ينظر إلى اللائحة بحساسية كبيرة لأن للكثير من المشتبه بهم صلات بقيادات أفغانية مؤثرة، فيما كان يعمل آخرون كمصادر استخباراتية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أو وزارة الدفاع الأميركية. ويقول جلالي، الذي يعمل حاليا أستاذا في جامعة الدفاع القومي في واشنطن: «كان يحصل الكثير من هؤلاء على دعم من المجتمع الدولي، عندما كانوا يحاربون حركة طالبان والقاعدة بعد 9 سبتمبر (أيلول)، ولم تكن هناك إرادة سياسية بالسعي من ورائهم». وبصورة عامة، فإن قوات الناتو قد اتخذت منحى هجوميا بدرجة أكبر ضد عمليات المخدرات داخل أفغانستان خلال الأشهر الأخيرة، ولا سيما في المحافظات الجنوبية التي تقوم بزراعة الأفيون. وفي قندهار، ستنضم القوات البريطانية والأميركية إلى قوة جديدة مؤلفة من ضباط شرطة أفغان وعملاء بإدارة مكافحة المخدرات الأميركية، وضباط من وكالة الجريمة المنظمة الخطيرة البريطانية، ومهمة هذه القوة هو مصادرة مخزون الهيروين وتفجير معامل المخدرات وإجراء تحقيقات مع مسؤولين أفغان فاسدين. وأثنى مسؤولون في الأمم المتحدة، يراقبون تجارة المخدرات داخل أفغانستان عن قرب، على المنحى التعاوني الجديد، وقالوا إن العمليات المشتركة بين العسكر والشرطة تأتي في وقت مناسب، لأن إنتاج الأفيون شهد تراجعا بنسبة أكثر من الثلث منذ 2007 بسبب وفرة في الإمدادات بالسوق العالمي. ويقول جين لوك ليمانيو، المدير الأفغاني لمكتب المخدرات والجرائم بالأمم المتحدة، إن التراجع يوفر فرصة لإحداث تراجع في مستويات الإنتاج. وقال إن المساعدة التي قدمها الناتو في السعي وراء معامل ومخازن المخدرات أثبت أن له فعالية، ولكنه حذر الجيش من أن الذهاب إلى مستويات بعيدة في القتال. ويقول ليمانيو: «لا نحب القتل خارج المحاكم، ولذا دعنا نكن واضحين جدا جدا، فلا تتوقع أن يقوم الجيش بوظيفة الشرطي. لن يثمر ذلك».

ويكافح النظام القضائي الناشئ داخل أفغانستان من أجل تطبيق القانون ضد مهربي المخدرات. وعندما لا تكون هناك إدانات، يمكن أن تتداعى القضايا. وفي أبريل (نيسان)، أصدر الرئيس الأفغاني حميد كرزاي عفوا عن خمسة مهربين صدرت ضدهم أحكام بالسجن لمدد طويلة، وقال الرئيس إنه تدخل «احتراما» لأفراد في عائلاتهم. وكان أحد المتهمين قريبا من مدير حملة كرزاي الانتخابية. ويقول نور الحق علامي، وهو عضو في البرلمان الأفغاني من قندهار: «هناك البعض، أشخاص ذوو نفوذ، داخل وخارج الحكومة يمكنهم تهريب المخدرات بحرية، ولو كان لدينا حكومة أمينة، لاتخذت الحكومة إجراءات صارمة وألقت القبض على هؤلاء الأشخاص، والجميع يعرف ذلك».

وأضاف البرلماني، أن الأوضاع سوف تصبح أكثر سوءا لو بدأ الجيش بقتل تجار المخدرات. وقال: «في الواقع، يشعر الناس بأن الأجانب لم يأتوا إلى هنا لتعمير بلدنا، ولكنهم يعتقدون أن الأجانب جاءوا لقتلنا».

ويقول أحمد بيج قدري، المدير العام المسؤول عن الدعاوى القضائية بفريق العدالة الجنائية، الذي يشرف على قضايا المخدرات، ويحصل على تمويل كبير من الحكومة الأميركية، إنه يجب على قوات الناتو أن تثق بهيئته لمقاضاة تجارة المخدرات. وأضاف: «يجب أن نمضي من خلال القنوات القانونية الأفغانية لإدانة المجرمين، ولدينا طاقم محترف هنا، بالإضافة إلى جميع الآليات لمقاضاة الحيتان الكبار».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»