جزيرة ساموس اليونانية تتحول إلى معسكر للاجئين.. يثقل كاهل السلطات

أثينا طلبت مساعدة البلدان الأوروبية بسبب عجزها عن استقبال المزيد من القادمين

TT

لا يمر يوم واحد هنا في جزيرة ساموس اليونانية، إلا ويقتاد إلى مقر الشرطة أو مقر سلطات الموانئ، مهاجرون غير شرعيين يتم اعتقالهم، سواء في البر أو البحر. تعتبر هذه الجزيرة القابعة في بحر ايجة وعلى مسافة قريبة جدا من تركيا، مركزا لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين من دول آسيا وأفريقيا، ويلعب تجار البشر والمهربون دورا محوريا في نقل العشرات، بل المئات يوميا إلى اليونان عبر هذه الجزيرة. لم تجد الحكومة اليونانية حلا آخر، سوى أن تقيم مركزا لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين في هذه الجزيرة، حتى أصبح عدد هذه المراكز اليوم ثمانية. وسنت اليونان القوانين لاستقبالهم واستضافتهم إلى حين إطلاق سراحهم أو ترحيلهم، فأنشأت أول مركز في عام 2008، واستضافت فيه حينها نحو 400 مهاجر في حين أن طاقة استيعابه 280 شخصا، لكن كثرة توافد المهاجرين غير الشرعيين إلى جزيرة ساموس على وجه الخصوص، دفع السلطات إلى أن تضع في بعض الأحيان 1000 مهاجر في وقت واحد، لحين استيفاء الإجراءات الصحية والطبية والتأكد من شخصية المهاجر غير الشرعي أو على الأقل الشخصية التي يدلي بها، لأن معظم المهاجرين غير الشرعيين، خاصة القادمين إلى اليونان يدلون بأسماء وجنسيات ليست حقيقية حتى لا يتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.

ووفقا للتقارير المتوفرة لدى السلطات اليونانية فإنه خلال عام 2008 تم توقيف 88 ألف مهاجر غير شرعي على الحدود اليونانية بزيادة 23 في المائة عن عام 2007. وتعتبر اليونان هي نقطة الدخول الرئيسية لبقية دول الاتحاد الأوروبي، لا سيما دول مجموعة «شنغن»، بالنسبة للمهاجرين القادمين من ألبانيا وأفغانستان والدول العربية الأفريقية والآسيوية في شمال وشرق المتوسط.

والمعروف أن الحدود اليونانية التركية أصبحت حاليا هي الأكثر تعرضا لتدفق المهاجرين غير الشرعيين بخلاف السنوات الماضية، حيث كان التدفق يأتي إلى اليونان من قبل ألبانيا وبلغاريا ويوغسلافيا السابقة، وتشير التقارير إلى أن من بين أكثر من 46 ألف موقوف قادمين من الحدود التركية، 32 ألف مهاجر سري تم إنزالهم في جزر بحر ايجة. وحسب الوكالة الدولية لمراقبة الحدود (فمنرونتاكس)، فإن هناك تراجعاً كبيراً في عدد المهاجرين القادمين من السواحل الليبية إلى إيطاليا ومالطا منذ اتفاقات ربيع 2009 بين طرابلس وروما، وبلغ هذا التراجع نسبة 31 في المائة في الأشهر التسعة الأولى من 2009، وأن نحو خمسة آلاف مهاجر غير شرعي تم إيقافهم في الأشهر الثمانية الأولى من 2009 في جزيرة ساموس وحدها.

ووفقا لشهود عيان من البحارة وقبطان السفن، فإن طرق الهجرة تتغير باستمرار، وأصبح ينتشل من الماء مغاربة وأفارقة من غرب (القارة الأفريقية). ويأتي هؤلاء عبر تركيا وبحر ايجة، بينما يؤكد عدد من المترجمين اللغويين الذين يعملون للتعرف على المهاجرين وشبكات التهريب، أن أغلب المهاجرين المحتجزين في مركز جزيرة سامو للاجئين يقولون إنهم فلسطينيون أو عراقيون، لكنهم في الواقع من المغرب أو الجزائر أو مصر، والذين يزعمون أنهم صوماليون، هم في الغالب من بلدان غرب أفريقيا. وعن سبب إخفائهم هوياتهم الحقيقية يقولون «هذا ما يقوله لنا المهربون، بزعم أننا قادمون من منطقة حرب، ولذا من السهل منحنا وثيقة لجوء».

ويقول رائد كايران لـ«الشرق الأوسط» إنه ينتظر في المركز أكثر من شهرين بينما كان معه أصدقاء له قدموا معه في نفس المركب من تركيا، لكن غادروا المركز بعد خمسة أيام فقط من وصولهم، معربا عن أمله في إطلاق سراحه والذهاب إلى أثينا ومنها سوف تفتح أمامه أبواب أوروبا. أما حسن درويش، الذي ذكر أنه فلسطيني - قائلا لي الحقيقة إنه مصري- ينتظر منذ أكثر من شهرين وإنه أنفق حتى الآن نحو 3 آلاف يورو في رحلته غير الشرعية من مصر إلى سورية ومنها إلى تركيا تهريبا ومنها بحرا إلى جزيرة سامو، وإن بداية تحركه من مصر كانت قبل 3 أشهر تقريبا، حيث انتظر في تركيا قرابة الشهر ليهرب إلى اليونان.

وفي تصريح سابق لوزير الداخلية اليوناني، سبيريدون فلوغايتيس، الذي زار مركز استيعاب المهاجرين واللاجئين في ساموس، مع وزير الهجرة الفرنسي، اريك بيسون قبل نحو أسبوعين: «لا يمكننا نحن اليونانيين أن نتحمل بمفردنا ضغط الهجرة، هذا الأمر يفوق قدراتنا»، بالإشارة إلى أن التقارير تؤكد أن خمسين في المائة من عمليات دخول المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا يأتون عبر اليونان.

وفي رسالة لرئيس مدينة ساموس إلى وزارة الداخلية اليونانية، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، جاء فيها شرح الموقف، وانه يواجه من جهة إشكاليات المهاجرين غير الشرعيين، ومن جهة أخرى يواجه غضب سكان الجزيرة الذين يلومونه على مساعدته للمهاجرين الأجانب، ويضيف: «لكن ما العمل؟ إنهم يخرجون من البحر أنصاف موتى وأشباه أحياء... إنني أشعر بالخجل، بل الخجل الشديد جداً. إن الجزيرة تفتقد للبنى التحتية الضرورية لمواجهة مثل هذه الأزمات».

ويشرح ماخير يديس، محافظ ذوزيكانيسا (12 جزيرة في بحر إيجة) الوضع، ويذكر أن وزارة الداخلية اليونانية التي خصصت 4 ملايين يورو لهذا الغرض، لم تتمكن من الالتزام بالدفع، حيث تدين الآن بمبلغ 3.5 مليون يورو في هذا الخصوص نتيجة للأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يقصدون الشواطئ اليونانية. وطالب في الاجتماع الأخير لوزارة الداخلية اليونانية بحماية الحدود، وزيادة عدد مراكب دوريات خفر السواحل، وشدد على اتخاذ خطوات فعالة لاستضافة المهاجرين غير الشرعيين في جزيرة أغاثونيس. وأوضح أن مراكز الإيواء في جزيرة ساموس، وكذلك في جزيرة ليمنوس، لم يعد في مقدورها استيعاب المزيد، وبالتالي فإن هذه الجزر لم تعد تقبل بالمزيد من المهاجرين.

وبين الحين والآخر، تصدر تصريحات لوزارة البحرية التجارية اليونانية أنها أنقذت مهاجرين غير شرعيين من الموت المحقق، حيث يطلب المهربون من المهاجرين غير الشرعيين إلقاء أنفسهم في البحر حتى يتم انتشالهم وقبولهم كلاجئين، وعادة ما تستخدم في عمليات الإنقاذ طائرات سوبر بوما ومروحيات وسفن دورية لخفر السواحل وسفن عسكرية، وهذا يكلف اليونان كثيرا جدا من الوقت والمال.

يذكر أن جزيرة ساموس تبعد عن أثينا 45 دقيقة بالطائرة، وهي ضمن جزر بحر إيجة محاذية للشاطئ الآسيوي، ولا تبعد عنه إلا نحو كيلومترين تقريبا، وتبعد عن أزمير نحو 70 كلم. أطول جهة فيها تبلغ (44) كلم ويبلغ عرضها من 6 إلى 19 كلم ويبلغ محيطها 146 كلم مساحتها (468) كلم مربع وهي جزيرة جبلية تبلغ أعلا قمة فيها (144) مترا وقد نالت هذه الجزيرة حريتها من الدولة العثمانية عام 1832.

ولا تتعدى نسبة الذين حصلوا على حق اللجوء من الحكومة اليونانية واحداً في المائة من إجمالي 25 ألف مهاجر تقدموا بطلبات للحصول على حق اللجوء، وهي نسبة أدنى بكثير مقارنة بالنسبة التي وافقت عليها ألمانيا وبلغت 18 في المائة وإيطاليا 11 في المائة وإسبانيا 4 في المائة، في حين أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دعت في أبريل (نيسان) الماضي دول الاتحاد الأوروبي إلى التوقف عن إعادة المهاجرين إلى اليونان، قائلة إن سجل أثينا في مجال التعامل مع طالبي حق اللجوء فقير للغاية. وتنص قواعد اللجوء بالاتحاد الأوروبي على ضرورة تقدم اللاجئين بطلبات للحصول على حق اللجوء في البلد الذي دخلوا منه إلى التكتل. وتقول المفوضية التابعة للأمم المتحدة إن طالبي حق اللجوء الذين يصلون إلى اليونان غالبا ما يحرمون من حقوقهم الأساسية ومنها توفير المترجمين والدعم القانوني علاوة على أن ظروف مراكز احتجاز المهاجرين مفزعة، لكن من وجهة نظر المسؤولين هنا فإن كثرة تدفق المهاجرين واستمرار عمليات التهريب هما السبب في عدم استطاعة وتمكن السلطات اليونانية من السيطرة على الموقف أو تقديم خدمات أفضل للمهاجرين واللاجئين.