وزير التعليم السعودي: نريد بناء المجتمع المعرفي.. ونظامنا التعليمي يهدف إلى إيجاد أجيال منتجة

الأمير فيصل بن عبد الله قال لـ «الشرق الأوسط» إنه يوجد في السعودية أكثر من 4000 موقع أثري

الأمير فيصل بن عبد الله آل سعود
TT

أكد الأمير فيصل بن عبد الله آل سعود، وزير التربية والتعليم السعودي، أن الهدف من تطوير النظام التعليمي هو إيجاد أجيال سعودية منتجة قادرة على المساهمة في التنمية الوطنية، واصفا جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بأنها «جسر للتواصل بين الثقافات والحضارات»، وأنها وفق رؤية «تنسجم مع روح العصر». وأبدى الأمير فيصل بن عبد الله الذي التقته «الشرق الأوسط» في باريس بمناسبة مشاركته في المؤتمر العام لليونسكو حرصا على توثيق التعاون مع المنظمة الدولية في مختلف ميادين التعليم والتراث، مشددا على سعي السعودية إلى بناء «المجتمع المعرفي»، فإلى نص الحوار:

* استلمتم دفة وزارة التربية والتعليم قبل أشهر قليلة مضت، ما هي أبرز نواياكم وخططكم لتطوير التعليم السعودي؟ ـ هناك الكثير من التطلعات والطموحات المتجددة في وقت آمنت أنه قصير بالنسبة للتربية والتعليم، والمسألة ليست سهلة ولكنها ممكنة، بفضل العمل الجماعي والتخطيط الجيد والتصميم على إحداث الفرق اللازم الذي يعبر عن رسالة «اقرأ»، ولا تنقصنا حاليا الأفكار الإبداعية، بل كل ما أرجوه هو العمل بحماسة أكبر من خلال إدارة متمكنة لتطبيق ما هو متفق عليه لتطوير مخرجات التعليم، وإيجاد أجيال منتجة وعلى قدر من المسؤولية والتأهيل والمقدرة على الإسهام في التنمية الوطنية بكفاءة، ودعم مكانة المعلمين والرفع من قدراتهم المهنية بما يتفق مع دورهم الوطني.

* افتتح خادم الحرمين الشريفين أخيرا جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وقد وصفها البعض بأنها نقلة للتعليم الجامعي والتقني. كيف ترون ذلك؟ ـ الجامعة نقلة للمملكة العربية السعودية وتجربة فريدة على مستوى العالم وأمل في حلم يتحقق ليخدم الإنسانية من رجل الإنسانية. فالرؤى سامية والهدف عال وكبير والرسالة عالمية لبني الإنسان. كمنعطف علمي، متفرّد، في حياة المجتمع السعودي وتاريخه التعليمي، أراد لها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن تكون مؤسّسة بحثية، عالمية بمقاييس القرن الحادي والعشرين؛ وجسرا من جسور التواصل بين الحضارات والثقافات، تؤدي رسالتها الإنسانية السامية، مستعينة بالله تعالى، ثم بالعقول النيّرة، والجهود المستنيرة من كل مكان في العالم دونما تفرقة أو تمييز؛ تستوعب كلّ الأفكار والثقافات وفق رؤية تنسجم مع روح العصر ورسالة الأديان؛ وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة؛ لتنضم إلى مثيلاتها الأكاديمية في كل مكان من العالم دارا للحكمة، ومنارة للمعرفة والتسامح.. ومفهوم الجامعة مبني على تقديم حلول من خلال الأبحاث العلمية في مجالات تهم المملكة العربية السعودية والعالم؛ سواء بالنسبة للمياه المالحة والمحلاة؛ الطاقة الشمسية؛ الأبحاث النفطية؛ وفي مجال تقنيات النانو والبيوتكنولوجي؛ والعلوم التطبيقية؛ والبحث والتطوير؛ وكذلك تحويل الأبحاث إلى منتج مع الشركات العالمية ليخدم مستقبل الإنسانية.

* تولي منظمة اليونسكو، بحكم اختصاصها، التربية والتعليم اهتماما كبيرا. هل تنوي المملكة الاستفادة من خبرات اليونسكو في خدمة برنامج الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم؟ ـ عندما بدأت الوزارة العمل على مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم لم تغفل جانب الاستفادة من الخبرات الدولية، والمشروع سيرى نقلة نوعية قريبا جدا لبناء الأسس التنموية المستدامة وتقديم القيم المضافة ؛ لنؤكد أننا سنحقق الرؤى للوصول إلى بناء المجتمع المعرفي: بناء على استراتيجية المعرفة والاستراتيجيات الأخرى، والتي من أسسها دور التعليم العام بداية من رياض الأطفال مرورا بالابتدائية والمتوسطة، وصولا إلى المرحلة الثانوية. ونتطلع للتعاون مع منظمة اليونسكو في جميع المجالات إيمانا بدور المؤسسات العالمية لتخدم رسالتنا إلى العالمين.

* ما رؤيتكم لمنظمة اليونسكو، بعد مشاركتكم لأول مرة في مؤتمرها العام في مقر المنظمة بباريس؟ ـ تحمل منظمة اليونسكو رسالة إنسانية وحضارية، حاولت قراءتها والتعرف عليها بمناسبة انعقاد المؤتمر العام لليونسكو في دورته الخامسة والثلاثين، وتشرفي بتمثيل المملكة العربية السعودية على رأس وفد يمثل عددا من الجهات المعنية في الدولة. والحق أنني ما زلت متصفحا للكم الهائل من الفرص التي يجب أن ينبني عليها التعاون مع المنظمة في مجالات التربية والعلم والثقافة وما يتعلق بها. ولكنها كأي مؤسّسة دولية، بحاجة بالطبع إلى تجديد، ودعم طموحين؛ حتى تتمكّن من الاضطلاع بدورها التنويري والريادي في إطار عام يهدف إلى حشد الطاقات لتحقيق التعاون الدولي وتوسيعه. وهنا أؤكد أن هناك الكثير مما هو متاح لتمكيننا من إبراز دور المملكة ومكانتها متى ما استثمر الاستثمار الأمثل لتوصيل رسالتنا وتوثيق علاقتنا مع العالم من خلال بناء مؤسساتي يتفق مع دور اليونسكو وأهدافها الإنسانية.

* ما أبرز مجالات التعاون الممكنة بين السعودية واليونسكو؟ ـ يتوافر حاليا عدد من المبادرات، في مجالات كان لها دور مؤثر، مثل: (برنامج الأمير سلطان بن عبد العزيز لدعم اللغة العربية في اليونسكو)؛ وهو ما آتى ثماره من خلال تطبيق الترجمة الفورية باللغة العربية لمداولات وأعمال كثير من ورش عمل المنظمة وتوفير الترجمة في الندوات التي تقيمها خارج حدودها. ونتطلع إلى تطوير المبادرات الأخرى، التي لم ترق بعد إلى طموحاتنا؛ ليكون لها دور مؤثّر وملموس بما يتناسب مع مكانة المملكة العربية السعودية وإمكاناتها. وجار التخطيط لتدعيم أوجه التعاون مع المنظمة من خلال مشروعات نوعية، منها ما له علاقة بدور المملكة الإنساني لمواصلة دعم احتياجات الأمتين العربية والإسلامية المتعلقة بمجالات عمل المنظمة، ولا سيّما في فلسطين، وأدوار أخرى تجاه القضايا الإنسانية حول العالم. ومن أبرز المشروعات المقبلة التي سنعطيها أولوية خاصة.. دعم الجهد الدولي للتعايش السلمي، والتسامح، وحقوق الإنسان، من خلال حوار الأديان والثقافات بين الشعوب، علاوة على استثمار إمكانات المنظمة وخبراتها لدعم بعض أوجه مجالات العمل التربوي والتعليمي وخصوصا ما يتعلق بالمراحل الأولى من التعليم

* في العام القادم تحتفل اليونسكو والعالم بتخصيص عام 2010 السنة الدولية للتقارب بين الثقافات، من منطلق رعاية خادم الحرمين الشريفين للعديد من مبادرات الحوار الوطني والعالمي واهتمامه بالحوار بين الأديان والثقافات، هل نتوقع مشاركة مميزة للمملكة في اليونسكو 2010 للتقارب بين الثقافات؟ ـ الحوار رؤية ملك؛ ورسالة قيادة؛ ومنهج دولة قائمة على أساس متين يدعم هذا المبدأ ويعزّزه. ومن هذا المنطلق وبمناسبة تخصيص اليونسكو عام 2010 سنة دولية للتقارب بين الثقافات فقد طلبت إلى الإخوة الزملاء في المندوبية الدائمة للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو؛ إجراء مشاورات على أوسع نطاق ممكن مع ممثلي الجهات الحكومية المشاركة؛ والتواصل مع مسؤولي المنظمة للتعرف على البرنامج. وقد التقيت شخصيا عددا من المسؤولين على مستويات مختلفة، والجميع يقدر ويرحب ويتطلع إلى إيصال المبادرة الكريمة (الحوار بين أتباع الأديان والثقافات) التي أطلقها سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى العالم، من خلال هذه المنظمة. ودون شك؛ الجميع يتطلع بعد جمع المعلومات؛ والمشاورات والمشاركات مع جميع الجهات إلى بناء خطة عمل جماعية باستراتيجية واضحة المعالم؛ لتوصيل هذه الرسالة الإنسانية إلى العالم بأسلوب مميز.

* تابعتم المعركة الانتخابية الحامية على منصب مدير عام اليونسكو الشهر الماضي. بعد فوز المرشحة البلغارية وخسارة المرشح العربي..، ماذا كان الموقف السعودي أثناء وما بعد ذلك الانتخاب؟ ـ الموقف السعودي كان واضحا، ومؤيدا المرشح العربي، انطلاقا من مبدأ الإجماع ودعم الشقيقة مصر ومكانتها لدينا. وقد طويت هذه الجولة بفوز المرشحة البلغارية السيدة إيرينا بوكوفا ـ أول سيدة تتبوأ هذا المنصب ـ والآن نحن ندعمها بوصفها الرئيسة الجديدة لليونسكو، متطلعين إلى دورها المقبل لقيادة أكبر منظمة معنية بقضايا الإنسانية والعلم والثقافة كأهم موصلات العمل الدولي المشترك الذي يبني العلاقات ويؤصلها بين الشعوب؛ آملين منها مواصلة سلسلة الإجراءات التطويرية والإصلاحية للمنظمة؛ وتعزيز المعالجات للأزمات التي يواجهها عالمنا اليوم؛ بناء على مبادئ حقوق الإنسان بما في ذلك حقّه في المعرفة والحياة الكريمة الآمنة وزرع بذور الأمل في نشوء مجتمعات أكثر تعايشا وتسامحا وانفتاحا على الآخر.

* التقيتم السيدة إيرينا بوكوفا المديرة العامة الجديدة اليونسكو، ما أبرز ما نتائج الاجتماع؟ ـ تعرفت على السيدة إيرينا بوكوفا في وقت سابق قبل انتخابها عندما زارت المملكة في شهر مارس (آذار) الماضي مع مجموعة من سفراء يونسكو.. وقد تركت لديّ انطباعا إيجابيا، ونتطلع معا إلى عمل بنّاء ومستمر، يحقق توجهات ورؤى المملكة العربية السعودية عبر مبدأ التعاون مع هذه المنظمة الدولية وبما يعود بالنفع على الطرفين لتخدم أهداف اليونسكو نحو المجتمع الإنساني ويمكنها من تنفيذ برامجها الإنمائية، وقد كان الاجتماع الأخير معها في باريس مثمرا من حيث الطرح لمواضيع كثيرة من أهمها سنة التقارب بين الثقافات 2010، والاهتمام بالطفولة وبرامجها التعليمية والتطويرية. وكذلك الآثار وما يتعلق بها من برامج ومشروعات تبرز أوجه الحضارة والتاريخ القديم للجزيرة العربية، سواء كانت آثارا عينية أم مواقع أو نقوشا صخرية. وقد وجّهت الدعوة لها للاطلاع على تجارب المملكة وخاصة في المجال التعليمي، ومن ذلك الاطلاع عن كثب على جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وكذلك المعالم الاقتصادية للمملكة مثل: مدينتي الجبيل وينبع بوصفهما تجربتين رائدتين على مستوى العالم، بالإضافة إلى زيارة مواقع أثريـة فريدة، وسيتم تحديد موعد الزيارة لاحقا بإذن الله، وقد عبرت لي السيدة إيرينا بوكوفا عن شكرها وتقديرها للمملكة، مؤكدة أن السنوات المقبلة ستشهد نقلة نوعية في التعاون بين المملكة واليونسكو، وأوضحت أن المملكة حاضرة بقوة داخل أروقة المنظمة خلال الفترة الأخيرة خاصة.

* في شهر يوليو (تموز) من العام المقبل، ستناقش لجنة التراث العالمي في اجتماعها الدولي بالبرازيل ضم «الدرعية القديمة» إلى لائحة التراث العالمي، بعد أن دخلتها المملكة العام الماضي لأول مرة عبر موقع «مدائن صالح». هل لدى الجهات السعودية المختصة خطة واضحة لتعزيز لائحة التراث العالمي بمواقع سعودية أخرى قادمة؟ ـ تكتنز المملكة العربية السعودية الكثير من المواقع الأثرية ذات التاريخ العريق، وتشير بعض الإحصاءات إلى وجود أكثر من 4000 موقع أثري في أنحاء السعودية، وسوف نعمل مع الهيئة العليا للسياحة والآثار على إدراج أكبر عدد ممكن بحسب أنظمة عمل لجنة التراث العالمي، ومن ذلك جدة القديمة وغيرها في المرحلة المقبلة.