مصرع وزير باكستاني.. وطالبان تفتح جبهات جديدة

أكثر من 140 ألف مدني نزحوا من المنطقة

جنود باكستانيون يغادرون بعد حضورهم جنازة قائدهم نيدم محيي الدين الذي قتل في تحطم هليكوبتر بمنطقة القبائل أول من أمس (أ.ب)
TT

لقي وزير التعليم في حكومة بلوشستان الباكستانية مصرعه في هجوم بمدينة كويتا، في الوقت الذي كثف فيه الجيش جهوده للسيطرة على مواقع جبلية إستراتيجية بوزيرستان، في المعارك مع مسلحي حركة طالبان باكستان، التي أوقعت مزيدا من القتلى والجرحى.

 وقالت مصادر طبية، إن الوزير شفيق أحمد خان «أصيب في الرأس وتوفي متأثرا بجروحه وهو في طريقه للمستشفى» عقب الهجوم الذي شنه مسلحون عليه من على متن دراجة نارية.

 وذكرت محطة جيو تي الباكستانية، أن الحادث وقع قرب منزل الوزير أثناء ترجله من سيارته متوجها للمنزل. وأضافت أن والد زوجة الوزير أصيب أيضا بالحادث وأن إصابته بليغة.

وقال المسؤول في الشرطة المحلية، شهيد نظام دوراني، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن مسلحين كانا على متن دراجة نارية أطلقا النار على وزير التربية في ولاية بلوشستان، شفيق أحمد، بينما كان أمام منزله في كويتا عاصمة هذه الولاية.

ووصف الحادث بأنه «عمل إرهابي» موضحا أن شفيق أحمد (53 عاما) لم يكن يستخدم حراسا شخصيين إلا في ما ندر، وأطلق النار عليه بينما كان ينزل من سيارته للدخول إلى منزله. ونقلت الصحافة المحلية أن مجموعة انفصالية تدعى «جيش تحرير بلوشستان» تبنت اغتيال الوزير. وسارع رئيس حكومة بلوشستان، يوسف رضا غيلاني، إلى إدانة عملية الاغتيال.

وتعتبر بلوشستان الأوسع مساحة في باكستان، وهي محاذية لإيران وأفغانستان وتشهد تمردا انفصاليا مسلحا منذ نحو ثلاث سنوات. ويطالب البلوش الباكستانيون بمزيد من الحكم الذاتي على الصعيد السياسي وبتقاسم أفضل لموارد هذه الولاية الغنية بالغاز الطبيعي. وقتل مئات الأشخاص منذ نهاية عام 2004 في أعمال عنف تشهدها هذه الولاية التي طالتها أيضا الهجمات المنسوبة إلى مقاتلين إسلاميين قريبين من طالبان.

وكان الجيش الباكستاني قتل الزعيم الانفصالي لقبائل البلوش، نواب أكبر بقتي، في أغسطس (آب) 2006.

وبينما تعلن السلطات الباكستانية أول نجاحاتها في الهجوم على طالبان بالمناطق القبلية، يحاول الإسلاميون الذين سبق أن انتصروا على الجيش مرارا، فتح جبهات جديدة في قلب باكستان. وفي اليوم الثامن من هجومه الشاق يحاول الجيش تسجيل أول نقطة في وزيرستان الجنوبية بسيطرته على قرية كوتكاي، مسقط رأس قائد حركة طالبان الباكستانية حكيم الله محسود على مسافة اقل من عشرة كيلومترات من المواقع التي انطلق منها. ولكن سبق أن سيطر الجيش مرتين على كوتكاي خلال السنوات الأخيرة قبل أن ينسحب منها بعد إبرام اتفاقات مع الإسلاميين بقيت حبرا على ورق. وتفيد الأمم المتحدة بأن أكثر من 140 ألف مدني نزحوا من المنطقة، بينما يفيد الشهود بأن القصف الجوي والمدفعي يخلف خسائر فادحة بين المدنيين. وتحدث الجيش عن مقتل 167 مقاتلا و25 جنديا منذ بداية العملية العسكرية البرية من دون ذكر الضحايا المدنيين، لكن يستحيل التأكد من هذه الحصيلة لدى مصدر مستقل. وأشادت الولايات المتحدة، القلقة من تدهور الوضع في باكستان التي تملك القنبلة النووية وتعد 170 مليون نسمة، بما تبديه إسلام آباد من «حزم». لكن ريتشارد هولبروك الموفد الأميركي الخاص إلى باكستان وأفغانستان قال «لا بد من وقت قبل معرفة ما إذا كان العدو الذي يحاربونه تشتت أو قضي عليه أو الاثنان معا». واقر العديد من القادة العسكريين بصعوبة الهجوم مشيرين إلى أن مدته التي قدرها في البداية بما بين ستة إلى ثمانية أسابيع، قد تطول أكثر. وعزوا ذلك إلى وعورة الجبال والألغام وضرورة التقدم بحذر وحماية أطراف الجيش وخلفيته واحتلال المواقع العالية والطرق الاستراتيجية. وأعرب مسؤول عن أسفه «لعدم توافر الكثير من المعلومات حول عدد رجال العدو واستراتيجيته»، مقرا بضعف الاستخبارات، بينما تفيد التقديرات بأن عدد عناصر طالبان يراوح بين 5 آلاف و15 ألف مقاتل. لكن باكستان التي يبلغ عدد جيشها 600 ألف عنصر لم تنشر سوى نحو ثلاثين ألفا في وزيرستان الجنوبية بحسب مجموعة دراسات «نيو اميركا فوندايشن». ولم يؤد هجوم الجيش الذي تعرض للاستفزاز عبر هجمات جريئة عدة استهدفت خصوصا أهدافا عسكرية خلال الأسابيع الأخيرة، إلى القضاء على طالبان. فمنذ أن شن الجيش الهجوم هزت اعتداءات انتحارية الجامعة الإسلامية في إسلام آباد وقاعدة جوية ومطعما. وتوقع رحيم الله يوسف زاي المتخصص في المسائل القبلية أن «تكون نية طالبان توسيع رقعة الحرب وإجبار الجيش على الانتشار في كل مكان والبقاء في حالة تأهب». وتابع «سيطلبون من حلفائهم شن هجمات على وزيرستان الشمالية وقد وقعت هجمات على بجاور ومهمند، وسيحاولون استهداف سوات مجددا»، لافتا إلى أقاليم أخرى في المناطق القبلية الحدودية مع أفغانستان ووادي سوات حيث واجه الجيش طالبان هذه السنة. واعتبر يوسف زاي أن «طالبان سيواصلون أيضا استهداف كبرى المدن لإشاعة أجواء من الذعر والضغط على الحكومة»، بينما بقيت كل مدارس البلاد مغلقة أسبوعا تحسبا لاعتداءات أخرى.

واصل الجيش الباكستاني أمس تقدمه البطيء في اليوم التاسع لهجومه في وزيرستان الجنوبية معقل طالبان، مشيرا إلى مقتل 15 مقاتلا إسلاميا وجندي غداة السيطرة على قرية لها أهمية رمزية.

وقال الجيش في بيان أمس «خلال الساعات الـ24 الأخيرة قتل 15 إرهابيا أثناء عملية القوات الأمنية في وزيرستان الجنوبية. وخسرت قوات الأمن جنديا سقط قتيلا، فيما أصيب ثلاثة آخرون بجروح».

وبذلك يرتفع إلى 182 عدد المتمردين و26 عدد الجنود الذين قتلوا منذ بدء الهجوم البري. لكن يتعذر التحقق من هذه الحصيلة من مصدر مستقل، لا سيما لصعوبة الوصول إلى مناطق القتال.

وكان الجيش الباكستاني حقق السبت أول نجاح رمزي مع سيطرته على قرية كوتكاي، معقل زعيم حركة طالبان باكستان حكيم الله محسود ومسقط رأسه. ولم يعرف مصير هذا الأخير.

ومنذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) يشارك أكثر من ثلاثين ألف جندي مدعومين بطائرات قتالية ومروحيات هجومية وقصف المدفعية الثقيلة، في عملية عسكرية لإخراج الطالبان من معقلهم في وزيرستان الجنوبية، الواقعة في المناطق القبلية الحدودية مع أفغانستان بشمال غربي باكستان.

لكن الهجوم الذي يتقدم ببطء شديد كوتكاي تقع على مسافة تقل عن 10 كيلومترات من خطوط انطلاق الجيش، لم تمنع طالبان من الاستمرار في شن هجمات دامية في سائر أنحاء البلاد.

وتشهد باكستان منذ أكثر من سنتين موجة اعتداءات أسفرت عن سقوط نحو 2300 قتيل، ارتكب معظمها انتحاريون من حركة طالبان باكستان التي أعلنت ولاءها للقاعدة.

من جهة أخرى، فجر انتحاري سيارته المفخخة صباح أمس على طريق سريع في باكستان ما أدى إلى مقتل شرطي، حسب ما أعلن قائد شرطة المرور. ووقع الانفجار بالقرب من مدينة للاه، حوالي 140 كلم جنوب إسلام آباد، على محور طرق يربط عدة مدن رئيسية في البلاد. وقال قائد شرطة المرور، وسيم كوسر، لوكالة فرانس برس إن «انتحاريا فجر سيارته بعد اعتراضه بالقرب من احد محاور الطرق». وأوضح أن ضابط شرطة اعترض السيارة للتأكد من هوية ركابها بعد معلومات من أجهزة المخابرات، قتل في الانفجار. وحاول احد ركاب السيارة الفرار عند اعتراضها ولكن الشرطة تمكنت من اعتقاله. وقال هذا الرجل في إفادته الأولية انه جاء مع الانتحاري من مدينة بيشاور (شمال غرب) وكانا متوجهين إلى لاهور. لكن مسؤولا كبيرا آخر في الشرطة قال، انه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هناك رجل آخر في السيارة، لان المحققين لم يعثروا بعد على أشلاء الرجل الذي يعتقد انه الانتحاري. وقال قائد الشرطة المحلية إسلام تارين لتلفزيون اكسبرس الخاص «حتى الآن لم يتم العثور على أشلاء الرجل الثاني، والتحقيقات مستمرة. وبحسب التحقيق الأولي فانه تم اعتقال رجل واحد». وأضاف أن المعلومات تشير إلى أن هذا الرجل هو الذي كان يقود السيارة. وأشار إلى انه تم استخدام حوالي 30 كلغ من المتفجرات في الانفجار. يشار إلى أن سلسلة هجمات وقعت هذا الشهر في باكستان وخلفت حوالي 200 قتيل. إلى ذلك أفاد مصدر عسكري أن مروحية تابعة للجيش الباكستاني تحطمت مساء أول من أمس في المناطق القبلية قرب الحدود مع أفغانستان، ما أدى إلى مقتل ثلاثة ضباط وإصابة جنديين آخرين بجروح. والمروحية من نوع «ميل ام-آي 17» كانت عائدة من مهمة إمداد روتينية في منطقة باجور حين تحطمت قرب شارمونغ، كما أعلن مصدر عسكري رفض الكشف عن اسمه.