نقاش داخل إندونيسيا حول دور الإسلام.. وأميركا تقف على الحياد

والدة باراك أوباما رفضت تمويل دراسة عن الإسلام والسياسة في الثمانينات

أندونيسيات يؤدين الصلاة في مسجد الاستقلال بالعاصمة جاكرتا أمس (أ.ب)
TT

في مطلع الثمانينات احتاج الأكاديمي الإندونيسي الشاب ناصر تامارا إلى تمويل لدراسة عن الإسلام والسياسة، ومضى إلى مكتب مؤسسة «فورد» في جاكرتا طالبا للمساعدة، لكنه رحل صفر اليدين بعد أن قيل له إن الولايات المتحدة «غير مهتمة بدراسة الإسلام». وجاء الرفض من آن دونهام، والدة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، وهي عالمة إنسانيات عاشت في إندونيسيا لأكثر من عقد. وكانت دونهام، التي ماتت في عام 1995، تركز على قضايا التنمية الاقتصادية وليس أمور العقيدة والسياسة، وهي مواضيع حساسة داخل دولة كان يحكمها آنذاك مستبد له فكر علماني. ويقول تامارا: «لم تكن دراسة الإسلام شيئا شائعا في ذلك الوقت».

لكن، في الوقت الحالي يُنظر إلى إندونيسيا على أنها دولة ديمقراطية، ويعد دور الإسلام أحد القضايا الهامة التي تواجه السياسة الأميركية داخل دولة بها عدد من المسلمين أكبر من عدد المسلمين في مصر وسورية والأردن وجميع الدول العربية في الخليج العربي مجتمعة. ويعد نوع الإسلام الذي ينتشر داخل إندونيسيا شيئا هاما بالنسبة للمصالح الأميركية في العالم الإسلامي. ويقول والتر نورث، رئيس بعثة جاكرتا التابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وكان يعرف دانهام عندما كانت في إندونيسيا خلال الثمانينات: «هذه حرب أفكار، حرب حول نوع المستقبل الذي تريده إندونيسيا». وهي حرب تطرح سؤالا شائكا، وهو: هل يجب أن يقف الأميركيون بعيدا عن الصراعات الداخلية داخل المجتمعات الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، أم يجب عليهم التدخل والسعي إلى تقوية الفريق الذي يتماشى مع وجهات النظر الأميركية؟

عند إلقاء نظرة من قرب على تفاعل الولايات المتحدة مع التنظيمات الإسلامية في إندونيسيا، التي قضى فيها أوباما أربعة أعوام من طفولته، يتبين الدور الذي لعبته استراتيجيات متنافسة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 لعبت في هذا الصدد، وغالبا ما كانت هناك نتائج تختلف كثيرا عما كانت تسعى إليه الولايات المتحدة. وخلال النقاش حول أفضل السبل للتأثير على الاتجاه الديني داخل الدولة، فضّل البعض التدخل، وكان الأبرز في هذه المجموعة منظمة خاصة من كارولينا الشمالية انغمست كثيرا في الصراعات الدينية داخل إندونيسيا. لكن هناك رغبة في الأساس إلى الرجوع تجاه ما كان عليه الحال أيام دونهام: والبقاء بعيدا عن الإسلام. ويُشار إلى أنه في الكثير من النواحي تتحرك إندونيسيا، التي يوجد بها 240 مليون شخص داخل 17.000 جزيرة، في الاتجاه الأميركي. وهناك رفض للإرهاب، الذي كان ينظر إليه الكثير من الإندونيسيين في السابق على أنه أسطورة خلقتها أميركا. وعندما قُتل مشتبه في ضلوعه في تفجيرات انتحارية في يوليو (تموز) داخل جاكرتا خلال مواجهات مع وحدة في الشرطة حصلت على تدريبات أميركية، رفضت قريته تسلم جثته لدفنها بعد أن روعتها أنشطته التي اتسمت بالعنف. وعلى الرغم من أن هيئة مسؤولة عن المحافظة على الأخلاق الإسلامية أجبرت نجمة إباحية يابانية على إلغاء رحلتها إلى جاكرتا، لم تعد هذه الهيئة تهاجم الحانات والأندية الليلية والفنادق كما كانت تفعل قبل أعوام قليلة في ذروة الحملة الأميركية للترويج للإسلام «المعتدل». وأخيرا مرر إقليم أتشيه، وهي منطقة إندونيسية محافظة ومن أكبر الحاصلين على مساعدات أميركية بعد التسونامي الذي وقع عام 2004، قانونا يجيز رجم الزناة، لكن لا يتوقع الكثيرون تطبيق هذه العقوبة. ويعارض حاكم أتشيه، الذي يوجد لديه مستشار أميركي تدفع له الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تنفيذ عقوبة الرجم. وقد تراجع الغضب الشعبي من الولايات المتحدة بسبب الحرب على العراق، وساعد على ذلك رحيل جورج دبليو بوش وانتخاب باراك أوباما. وفي عام 2003، وهو العام الأول للحرب، كان أعرب 15 في المائة من الإندونيسيين الذين استطلع آراءهم مركز «بيو للأبحاث» عن موافقتهم لما تقوم به أميركيا مقارنة بـ75 في المائة قبل أن يتولى بوش مهام منصبه، وتبلغ النسبة في الوقت الحالي 63 في المائة. وتقف عدة أسباب وراء التغير في الحالة المزاجية منها الاقتصاد الذي ينمو سريعاً على الرغم من التراجع العالمي وتعزيز الاستقرار السياسي الذي يعتمد على انتخابات تكون بصورة عامة حرة ونزيهة وإجراءات اتخذها الرئيس سوسيلو بمبانغ يودويونو، وهو جنرال سابق حصل على تدريبات أميركية أعيد انتخابه في يوليو (تموز)، من أجل استقطاب الأحزاب السياسية الإسلامية.

ويقول مصدر مسعودي، وهو رجل دين بارز في جمعية «نهضة العلماء» التي تعد أكبر المؤسسات الإسلامية في إندونيسيا وفي العالم، إن هناك سببا آخر وهو أن الولايات المتحدة نأت عن التدخل صراحة في القضايا الدينية. ويقول مسعودي، الذي يعارض المسلمين المتشددين وعمل مع الأميركيين، إنه يعتقد أن التدخل الأميركي في الوقت الحالي في الخلافات الدينية يقدم للراديكاليين «شريكا محفزا» يقوي من موقفهم. ويُذكر أنه في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، قامت واشنطن بتعبئة المال والخطابات لدعم المسلمين «المعتدلين» ضد ما وصفهم بوش بأنها «الفاشية الإسلامية متجذرة وملموسة». لكن في المقابل، تجنب أوباما، الذي وعد بـ«بداية جديدة بين أميركا والمسلمين في مختلف أنحاء العالم»، تقسيم المسلمين إلى معسكرين متنافسين فكريا. وأدان أوباما «المتطرفين الذين يتبنون العنف»، لكن في خطابه الذي ألقاه من القاهرة في يونيو (حزيران)، قال إن «الإسلام ليس جزءا من المشكلة».

ويقول نورث، رئيس بعثة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إن الوسيلة الأفضل لمساعدة «أبطال الاتجاه المستنير على الفوز حاليا» هو تجنب التدخل في القضايا الدينية ومساعدة إندونيسيا «على معالجة بعض من المشاكل الموجود هنا مثل الفقر والفساد». وقال إن السعي لإعداد قادة مسلمين يحبون أميركا لن يؤتي ثماره.

ويعد ذلك تراجعا كبيرا عن منحى اتخذ في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، عندما عملت مجموعة من البرامج التي تحصل على تمويل أميركي على تعظيم صوت «المعتدلين». واجتاز مئات من رجال الدين الإندونيسيين دورات ترعاها الولايات المتحدة درسوا خلالها قراءة إصلاحية للقرآن. وتم توزيع دليل على الخطباء في المساجد، نُشر بأموال أميركية، به نصائح عما يجب الحديث عنه. وسعى تنظيم إسلامي يحصل على تمويل أميركي إلى كتابة خطب تقال في صلاة الجمعة. وتحاكي هذه المبادرات استراتيجية تم تبنيها خلال الحرب الباردة، عندما قامت الولايات المتحدة بتوفير تمويل إلى مجموعة من المؤسسات الثقافية والتعليمية التي تعمل وفق الأهداف الأميركية لمواجهة الفكر الشيوعي. ولعبت بعض المؤسسات دورا في الفترتين، فقد أسست المؤسسة الآسيوية بتمويل سري من أميركا في الخمسينات من القرن الماضي لمحاربة الشيوعية، وكانت المؤسسة ذاتها في طليعة حرب ضد مظاهر إسلامية سيئة داخل إندونيسيا في إطار برنامج يحصل على تمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يطلق عليه الإسلام والمجتمع المدني. وبدأ هذا البرنامج قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، لكنه رفع من نشاطاته بعد ذلك. ويقول عليل أبشر عبد الله، وهو خبير إندونيسي في الدين الإسلامي أنشأ عام 2001 الشبكة الإسلامية الليبرالية بتمويل من المؤسسة الآسيوية: «نريد أن نتحدى الأفكار المتشددة». وقد سافر عبد الله، الذي ينظر إليه الأميركيون على أنه نموذج للمعتدلين، إلى واشنطن عام 2002، واجتمع مع مسؤولين في وزارة الخارجية والبنتاغون، ومن بينهم بول ولفويتز، الذي كان نائبا لوزير الدفاع وسفيرا أميركيا سابقا في جاكرتا. لكن بدأت المحاولات لاتباع وسائل الحرب الباردة في العالم الإسلامي تبرهن على أنها كانت خطأ كبيرا، حيث لا يحب المسلمون ذوو النهج المحافظ ما يعتبرونه تدخلا أميركيا في القضايا الدينية. وزادت شكوكهم في الدوافع الأميركية بعد بدء الحرب على العراق. ويقول عبد الله، الذي بدأت تصله تهديدات بالقتل: «لقد دمرت العراق كل شيء».

وقد أصدر مجلس رجال الدين هناك فتوى يشجب فيها «العلمانية والتعددية والليبرالية» تعبيرا عن استيائه مما وصفه بأنه حملة أميركية لإعادة صياغة الإسلام.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»