التفجيرات تهز ثقة العراقيين بالمالكي

اتهامات لرئيس الوزراء وللمسؤولين الأمنيين بالانشغال بالسياسة

TT

تسبب انفجار سيارتين مفخختين في تدمير ثلاثة مبان حكومية وقتل وإصابة المئات، الأحد، ما سلط الضوء على استراتيجية جديدة في إطار التنافس حول السلطة في العراق قبل انتخابات يناير (كانون الثاني). وجاء التفجيران بمثابة صفعات مدوية ترمي لتدمير الثقة في قدرة رئيس الوزراء، نوري المالكي، على حفظ الأمن بالبلاد في وقت يشهد انسحاب الولايات المتحدة، حسب ما أوضح مسؤولون ومواطنون.

وقع هجوم الأحد خلال وقت الذروة المرورية من الصباح، ويعد الأسوأ من نوعه في بغداد منذ عام 2007. عبر هذا الهجوم وآخر سبقه في 19 أغسطس (آب) تسبب في مقتل قرابة 100 شخص، تمكن المتمردون من تحطيم عدد من دعائم سلطة الدولة تتمثل في وزارات الخارجية والمالية والعدل والمجالس البلدية والأشغال العامة، إلى جانب مقر رئاسة المجلس البلدي لبغداد، التي تجتمع كلها في منطقة محصنة بوسط العاصمة. على خلاف المذابح الناجمة عن هجمات ضد المساجد والمطاعم والأسواق، ترمي لتأجيج التوتر الطائفي، يبدو أن التفجيرين الأخيرين يقومان على منطق سياسي واضح. من خلال الانتخابات المقررة في يناير لانتخاب برلمان جديد، راهن المالكي بمستقبله السياسي على استعادة مظهر خارجي يوحي بالأمن في البلاد التي عصفت بها الحرب. إلا أنه في شوارع بغداد، الأحد، حيث اختلطت الدماء والحطام رمادي اللون بالمياه المتفجرة من مواسير محطمة، بات هذا الادعاء بوجود أمن متهرئ تماما، مثلما الحال مع واجهات المباني المستهدفة.

في هذا الصدد، علقت وحيدة الجميلي، عضو مجلس محافظة بغداد ومن المعارضين للمالكي، بقولها: «إنها رسالة واضحة بأن حكومة المالكي عاجزة عن السيطرة على الموقف». بعد ساعات من وقوع الهجومين، اللذين فصل بينهما زمنيا أقل من دقيقة، زار المالكي موقع الحادث، حيث تحولت السيارات العالقة في زحمة المرور إلى قنابل، واحترق ركابها بداخلها. واختلطت رائحة الديزل برائحة الأجساد المحترقة أثناء تفقده المكان. ومثلما سبق وأن فعل في أغسطس، ألقى المالكي باللوم على أعضاء سابقين في حزب البعث الخاص بصدام حسين وجماعة «القاعدة» المتمردة في العراق. إلا أنه، في مؤشر على الشكوك المهيمنة على البلاد، وجه آخرون أصابع الاتهام على جميع جيران العراق والأحزاب الوطنية كافة. جاءت الهجمات في فترة تحفها المخاطر على الصعيد السياسي العراقي. لم يوافق البرلمان بعد على تشريع لتنظيم الانتخابات المقررة في 16 يناير، رغم تحذيرات الولايات المتحدة والأمم المتحدة بأن من المحتمل أن ينفذ الوقت بحلول عطلة نهاية الأسبوع القادم. كما اشتكى النقاد من أن بعض كبار المسؤولين عن الأمن ـ المالكي ووزير الداخلية، جواد بولاني ـ يبدون اهتماما أكبر بالانتخابات عن إدارة شؤون البلاد.

في هذا السياق، قالت أسماء الموسوي، عضو البرلمان عن التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، الذي يمثل أتباعه مصدر التحدي الرئيسي أمام المالكي في الانتخابات القادمة: «المسؤولون الأمنيون منشغلون بالسياسة. الآن، يلقي كل طرف بالاتهام على جميع الأطراف الأخرى». من جهته، قال عباس البياتي، مشرع شيعي ينوي الترشح في الانتخابات مع كتلة المالكي في يناير: «هذا هجوم دموي ومؤلم.. إننا بحاجة لإعادة تقييم وضعنا الأمني وإعادة نشر قواتنا المسلحة. ونحتاج إلى مساعدة فنية من الأميركيين».

يذكر أنه في أعقاب الهجمات السابقة، ألقت حكومة المالكي القبض على الكثير من ضباط الجيش والشرطة، متهمة إياهم بالإهمال والتقصير. علاوة على ذلك، سرعان ما ادعى المسؤولون احتجازهم مرتكبي الهجوم، وبثوا على الهواء شريطا مصورا لرجل يعترف بتدبير الهجمات. إلا أن مسؤولين أميركيين لاحقا شككوا في صحة إجراءات إلقاء القبض والاعتراف.

في ذلك الوقت، تعرض المالكي لانتقادات بأن إدارته قلصت إجراءاتها الأمنية داخل بغداد في وقت سابق لأوانه. كما شن منتقدوه هجوما قاسيا ضده لثقته المفرطة في استعداد قواته الأمنية مع انسحاب القوات الأميركية من المدن استعدادا لانسحاب أكبر بحلول أغسطس القادم. من ناحيتهم، دافع مساعدون للمالكي، الأحد، عن أداء رئيس الوزراء.

على سبيل المثال، قال سامي العسكري، عضو البرلمان والمقرب من المالكي: «إننا نتحرك باتجاه انتخابات، ومن الطبيعي أن يبحث خصوم المالكي السياسيين عن أي شيء لتحميل الحكومة اللوم عنه. حتى عندما كانت القوات الأميركية داخل المدن، لم يكن باستطاعتها وقف تفجيرات السيارات المفخخة».

لكن في الشوارع، يبدو أن المشاعر العامة عكست المنطق وراء التفجيرات، ما أثار الشكوك بشأن قدرة الحكومة على حماية بغداد. في مسرح الهجوم، تنامى غضب المواطنين الموجودين في المكان أثناء تفقد ضباط رفيعي المستوى من الجيش والشرطة الوزارات المدمرة، التي أحاطها العشرات من أفراد الأمن. وتساءل أحمد عابد: «من لديه ثقة في الحكومة؟ لماذا ينبغي علي أن أثق بها؟». وقال الكثير من المصابين إنهم لا يدرون من ينبغي أن يحملونه اللوم عن المذبحة.

إلى ذلك، قال رياض مهدي محمد (41 عاما): «لا ندري إن كان ذلك من عمل الأحزاب السياسية أم (القاعدة) أم دول مجاورة أم الأميركيين». لكنه أضاف أن الأميركيين يتحملون اللوم لأنهم «يسيطرون على كل شيء، من السماء إلى الأرض».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»