الصحوات الباكستانية تنتعش في الشريط القبلي

قرويون فقراء وملاك أراضٍ أثرياء وأطباء ومدرسون يحملون السلاح في مواجهة طالبان

تدريب على استخدام السلاح في قرية كانجو الباكستانية («لوس أنجليس تايمز»)
TT

ينحدر أعضاء الصحوات القبلية، التي تم تأسيسها منذ 40 يوما فقط في تلك القرية بوادي سوات من كافة الأطياف والطبقات الاجتماعية؛ فبعضهم يجد صعوبة في إحكام حزام الذخيرة على خصره، بينما لم ينه بعضهم مدرسته العليا، ويوجد بينهم أطباء، ومدرسون، وملاك أراضٍ أثرياء، ومزارعو قمح فقراء. بعضهم يسير وسلاح الكلاشينكوف يتدلي من كتفه، بينما يكتفي البعض الآخر بحمل العصا. ولا يجمع بينهم سوى ذكرى عنف حركة طالبان، عندما استولت على «كانجو» وباقي أجزاء وادي سوات؛ حيث كان مسلحو طالبان يقطعون رؤوس من يشكون في كونهم من الخصوم، ويجلدون النساء ويفجرون المدارس.

وبعدما استعادت الحكومة سيطرتها على معظم أجزاء وادي سوات من خلال العملية العسكرية، التي دفعت بأعضاء حركة طالبان إلى المخابئ، تحالف الآلاف من الباكستانيين في مدن مثل «كانجو» وشكلوا ما يعرف بـ«لاشكار» أو الميليشيات القبلية، التي تعمل على منع عودة طالبان من جديد.

يقود سبحان علي 4000 رجل من تلك الميليشيات، تمشط بشكل دائم أنقاض المباني في كانجو والمناطق الريفية المجاورة بحثا عن مقاتلي طالبان الفارين والمتعاطفين معهم. فيقول علي، 35 عاما،: «معظمنا ليس لديه سلاح. ففي بداية كل ذلك، استولت طالبان على أسلحتنا. ثم جاء الجيش واستولى على المزيد من الأسلحة. وليس لدى العديد منا سوى هراوات، لكننا مستعدون لاستخدامها».

جدير بالذكر أن حركة «لاشكار»، التي كانت لقرون هي أداة حل الصراعات القبلية، خط دفاع أمني شعبي وعصري لدعم الجيش وقوات الأمن. وقد تشكلت تلك الميليشيات في المناطق التي تحيط بجنوب وزيرستان؛ حيث كانت القوات الباكستانية قد شنت هجوما شاملا لسحق حركة طالبان. وفي «بانو»، التي تقع جنوب وزيرستان، شكل القبليون «لاشكار» بعدما اختطف مسلحو حركة طالبان الطلاب والمدرسين، خلال رحلة عودتهم إلى منازلهم بالحافلة من إحدى الجامعات المحلية خلال الصيف.

لكن الانضمام إلى «لاشكار»، ربما يعني أن تصبح هدفا مباشرا لحركة طالبان. ففي الكمين الذي تعرض له «لاشكار» بانو خلال الشهر الماضي، قتل المسلحون سبعة من أعضاء الميليشيا بما فيهم رئيسها. وفي قرية «سيرتليغرام» بوادي سوات، جرح قائد «لاشكار» عندما استدرج خارج منزله وتعرض لإطلاق الرصاص.

وعلى الرغم من المخاطر، إلا أن القرويين في «سوات» والمناطق القبلية يدركون أن قوات الشرطة ليست موجودة بشكل دائم. فيقول محمد إبرار أخو القائد الذي أطلق عليه الرصاص في «سيرتليغرام»: «عندما أنهى الجيش عمليته في وادي سوات، لم يضع أي نقاط تفتيش هنا. ولذلك كونا «لاشكار». وعلى الرغم من أن المسؤولين بالجيش الباكستاني يرحبون بمشاركة «لاشكار»، إلا أنهم يدركون كذلك احتمال أن تتحول تلك الميليشيات إلى ميليشيات يقودها القادة العسكريون لها أجندة أخرى؛ فربما يسعون للانتقام من خصومهم أو يخضعون بعض المناطق لسيطرتهم.

فيقول الكولونيل بالجيش الباكستاني، اختار عباس: «هذا هو تخوفنا، ولذلك لا نساعدهم على مستوى السلاح أو الذخيرة. كما أنهم غير مسموح لهم بالخروج من مدنهم».

يذكر أن مجتمعات الباشتون في تلك المنطقة من جنوب آسيا، كانت تعتمد طوال الوقت على «لاشكار» لحل النزاعات بين القبائل منذ مئات السنوات.

ومع ظهور حركة طالبان في المناطق القبلية في باكستان على الحدود الأفغانية وفي وداي سوات، عادت «لاشكار» للظهور مرة أخرى.

وقبل هجوم سوات، كانت «لاشكار» تجاهد كي تحقق انتصارا معقولا على حركة طالبان. لكن نظرا لافتقارهم للسلاح والرجال، وجهت لهم العمليات الانتحارية، التي قامت بها طالبان وعمليات الاختطاف واغتيالات عجائز القبائل، الذين يقودون تلك الميليشيات، ضربة قاسية.

وفي العديد من الحالات، كانت «لاشكار» هي خط الدفاع الوحيد، الذي يحول بين القرويين وبين الغزاة المسلحين. ففي قرية دورشكهيلا بوادي سوات، التي تقع على بعد 15 ميلا إلى الشمال من «منغورا» كبرى مدن الوادي، بقيت ميليشيا قبلية تتكون من 40 رجلا للدفاع عن القرية بعدما هجرتها قوات الشرطة قبل عام.

وكان مسلحو طالبان، الذين يحملون البنادق الآلية والآر بي جي ويجيدون استخدامها، يشنون عشرات الغارات، ولكنهم كانوا يتراجعون أمام تلك الميليشيات في كل مرة، وذلك وفقا لعبد الغفار خان، 63 عاما، كولونيل متقاعد بالجيش وقائد «لاشكار» في دورشكهيلا. ويضيف خان وهو يجلس في فناء مسيج بأكياس الرمل: «إنهم يشنون هجمات أسبوعية تقريبا. فكنا ننتظر طوال الوقت أن ينهال علينا الرصاص. لكن إن لم نبق، لتعرض كل شيء هنا للدمار. ليس فقط القرية ولكن المنطقة بأسرها».

وبعد انتهاء العمليات العسكرية في سوات، أصبح لدى خان ميليشيا مكونة من ألف رجل متضامنين مع الجنود في عملية البحث عن مسلحين في التلال المزروعة المحيطة بدورشكهيلا. وفي الأيام العشرة الأخيرة، اعتقلت «لاشكار» 30 شخصا وقتلت أحد المشتبه بهم.

ويقول قادة «لاشكار»، إن الميليشيات تزدهر في الشمال الغربي لباكستان، نظرا لأن السكان ليست لديهم ثقة بأن الجيش يستطيع أن يوفر لهم الأمن على المدى البعيد. فقد كانت هناك هجمات قبل ذلك في الشمال الغربي، لكن الجيش ليست لديه القدرة على منع طالبان من العودة مرة أخرى بعد انتهاء القتال. فيقول جمال ناصر خان، كبير الإداريين بمنطقة سوات، ورئيس «لاشكار» في قرية شانغواتي: «لم يكن لدينا خيار سوى إنشاء ميليشيات «لاشكار». لا نستطيع أن ننتظر أن تستيقظ الحكومة من نومها وتأتي لإنقاذنا. فقد أعطانا الجيش الفرصة، لكنه لن يظل هناك إلى الأبد.

ويقول أعضاء «لاشكار» باكستان، إنهم يعرفون الأراضي أكثر من الجنود الباكستانيين، وأن معرفتهم بالقرى تعطيهم فرصة أفضل في اصطياد مسلحي طالبان والمتعاطفين معهم.

وقد ألقت حركة كانجو «لاشكار» القبض على 250 مسلحا خلال أول 40 يوما من بدئها للعمليات، وفقا لما قاله علي. وفي إحدى عمليات الاعتقال الأخيرة التي قامت بها «لاشكار»، أقنع عشرون عضوا من حركة «لاشكار» ستة من المسلحين المختبئين في حقول الذرة، بأنهم متعاطفون معهم ومستعدون للقيام بعمليات انتحارية. فيقول علي: «عندما أتوا إلينا أخبرناهم أن يستسلموا أو نقتلهم. فلم يكن لديهم خيارات».

لكن مهمة الميليشيات في «سيرتيليغرام» كانت أصعب، وفقا لما قاله إبرار، لأن مسلحي طالبان كانوا موجودين بأعداد أكبر.

وبعدما تكونت الميليشيا، ذهب بضعة رجال إلى المنازل التي كان مسلحو طالبان يحتلونها، وجمعوا أغراض المقاتلين وألقوا بها في النهر. وبعد ذلك، وفي 23 سبتمبر (أيلول) ذهب مسلحو طالبان إلى مسجد القرية واختطفوا إمام المسجد، وهو أحد أعضاء «لاشكار» بالإضافة إلى ابن قائد «لاشكار»، وهو فتى في السابعة عشرة من عمره، وقد اصطحب المسلحون الفتى إلى منزل أبيه، لاستدراج الرجل خارج المنزل. ثم أطلق حوالي 30 مسلحا من الأرض ومن على الأسطح النيران عليه. وقد نجا الأب ولم يصب الفتى بسوء، لكن عثر على عضو آخر بـ«لاشكار» وإمام المسجد مقتولين في سوق القرية. فيقول إبرار: «ليس لدينا حاليا ما يكفي من الأسلحة، لذلك فإننا لا نستطيع شن عمليات ضد المسلحين. لكن عندما نحصل على السلاح. لن نتردد».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»